بدا عبدالفتاح السيسي متناقضًا في اجتماع القمة العربية بالسعودية، معترضًا على تدخلات الدول المجاورة في شؤون بعضها البعض؛ بينما يتدخل هو أيضًا في الشؤون الداخلية لدول مجاورة (كالسودان مثلًا)، ثم حذّر في كلمته مما وصفها بـالتحديات النظامية وغير المسبوقة التي تمثّل تهديدًا وجوديًا للدول العربية.
كما قال السيسي إنّ هناك من يسعى حاليًا لاستبدال هذه الدول بكيانات طائفية ومنظمات إرهابية، ولم يذكر مثالًا بعينه على كلماته؛ لكنه ألمح إلى دولة تمتلك قوات في دولتين عربيتين، واعتبر هذا الوجود احتلالًا صريحًا.
تقريبًا، السيسي كان يقصد تركيا ووجودها في سوريا؛ فهي التي تدعم «الجيش السوري الحر» الساعي إلى التخلص من حكم الطاغية بشار الأسد، وهدفه «حقٌّ يضمنه ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أنّ شرعية الحكومة تأتي من الشعب»؛ ما يعني أنّ التدخل التركي ودعم الجيش السوري الحر لا يخالف أيّ مواثيق أو اتفاقات دولية.
ويعتبر تزويد السيسي لنظام بشار بالصواريخ والخبراء العسكريين غير شرعي، ويهدف إلى قمع الثورة وإعادة حكم الديكتاتورية لسوريا؛ وجميعهم يتلقّون الثمن من دول «البترودولار»، ويهدف بطريقة غير مباشرة إلى دعم التدخل والنفوذ الإيراني والروسي في سوريا.
هذا ما يراه الكاتب المصري «ياسر عبدالعزيز» في مقاله بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد». مضيفًا أنّ السيسي ألمح أيضًا إلى الدولة العربية الأخرى التي تعاني من وجود أجنبي، كالعراق؛ بالرغم من وجود الممثل العراقي في القمة العربية ولم يعترض على الأنشطة العسكرية التركية في بلده. لكنّ السيسي أخذ على عاتقه القيام بدور «الرجل السياسي قائد الدولة العظيمة الطامح في الدفاع عن أشقائه العرب».
وكل ما يفعله السيسي استنكار الأنشطة العسكرية التركية التي تستهدف الأفراد الإرهابيين في حزب العمال الكردستاني، المؤيد للاستقلال، ويهاجم المدنيين في القرى والمدن التركية. وينص القانون الدولي على أنّ أيّ دولة لها حقّ اتخاذ إجراءات تسمح لها بالحفاظ على سلامة مواطنيها وأمنهم؛ حتى لو كانت خارج الحدود.
أمثلة كارثية
ونسي السيسي أنّ دولته تدخلت في «جنوب السودان» من قبل، واعتقل الجيش السوداني ضباطًا وجنودًا مصريين؛ وهو مثال كارثي صغير على التدخل في شؤون الدول المجاورة. ولا يجمع مصر والسودان الموقع والعلاقات التاريخية فقط؛ بل والمصالح والأمن القومي الاستراتيجي.
كما نسي السيسي أيضًا حقيقة متعلقة بجيشه، وهي أنّه حوّله من قوة كان العرب يتفاخرون بها قديمًا إلى مجموعة من المرتزقة الذي يعملون لأجله؛ فأجّرهم لـ«أبو ظبي» لاستخدامهم في أيّ وقت يرضيهم، وباع سيادته على جزيرتي «تيران وصنافير» للسعودية، وما يفعله الجيش المصري حاليًا بمناقصات على طول الحدود بن إريتريا وإثيوبيا «لصالح الوجود الإماراتي هناك».
وهذه الحقيقة كُشف عنها بعد التعامل الحكيم للجانب الإثيوبي مع الموقف، مُخْلِفًا بذلك فضيحة كبرى لأولئك الذين يدّعون أنّهم يحترمون سيادة الدول القومية. كما كشف وزير إثيوبي عن دعم السيسي القوي لمتمردي إقليم أوروميا في محاولاتهم للإطاحة بحكومة «أديس أبابا» وتفكيك الدولة الإثيوبية.
كما تشارك مصر حاليًا في ليبيا، وتقدّم الدعمين الجوي والبري للقوات التي يقودها «الناظوري» في درنة. وهذا ليس الدعم الأوّل من نوعه؛ فقوات السيسي هاجمت متمردين بليبيا قبل قدومه إلى السلطة بواسطة انقلاب عسكري في 2013.
كما تواصل الحكومة المصرية دعمها لـ«فتح الله جولن»، الذي تعتقد تركيا أنه كان وراء محاولة انقلاب 2016؛ وأكّدت التحقيقات تورطه فيها.
وبالتالي، كيف يبرر المتدخلون في الشؤون الداخلية للدول تصريحاتهم عن تدخل غيرهم؟
فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدّم مبررات منطقية لأنشطته العسكرية في سوريا والعراق، وهو الذي استضاف العراقيين بعد الاحتلال الأميركي في 2003، كما تستضيف تركيا 3.5 ملايين لاجئ سوري حاليًا، ويريد الإسراع في بناء المناطق المحررة ليعود المواطنون السوريون آمنين إلى منازلهم.