في الأسبوع الأخير من شهر مارس، توجّه الناخبون المصريون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب عبدالفتاح السيسي لولاية رئاسية ثانية، وهي انتخابات اسمية فقط، بعيدة كل البعد عن التنافس، وأطلق عليها انتخابات الرجل الواحد أو الحصان الأوحد؛ بعدما واصل نظام السيسي الضغط على المرشحين المحتملين واحدًا تلو الآخر، سواء من المجتمع المدني أو من الإسلاميين؛ وفي النهاية خاضها رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى تجنبًا لإحراج مصر دوليًا، وهو سياسي غامض لا يعرفه أحد؛ يبدو وكأنه خرج من بين كومة من «الخردة السياسيين».
هذا ما تراه المحللة السياسية «إليزابيث نوجنت» في تحليلها بصحيفة «واشنطن بوست» وترجمته «شبكة رصد»؛ معتمدة على تقسيم مصر إلى مناطق مختلفة، واحتساب نسب الإناث والأميين والمتضررين من التغيّرات التي طرأت على المناخ العام بمصر في السنوات الماضية، بالاشتراك مع جامعة لويزفيل.
وأصبح الإقبال على التصويت المحور الرئيس لتحرّكات الحكومة المصرية قبيل الانتخابات وأثناءها؛ بعدما خصّص نظام السيسي موارد متعددة لشراء الإقبال على التصويت. وكشفت صحيفة مصرية النقاب عن توزيع مبالغ نقدية وسلع تموينية، إضافة إلى جوائز ورحلات عمرة، وبالرغم من كل ما فعلته لحشد الناخبين؛ لم تتجاوز نسبة الإقبال 40%، وهذا أيضًا بالرغم من مساهمة الشركات الخاصة بدورها في حشد موظفيها وتشجيعهم على التصويت؛ ثم اتباع الحكومة استراتيجية التهديد وفرض غرامة على الممتنعين عن الإدلاء بأصواتهم.
إبطال الأصوات
ونتيجة للإقبال القسري، وغياب مرشحين منافسين حقيقيين؛ بدا أنّ اختيار المعارضة في بطاقات الاقتراع والأكثر قبولًا «إبطال الأصوات». وكما قال مصريٌّ لـ«واشنطن بوست» من قبل إنّه تعمّد إبطال صوته، باختيار المرشحين السيسي وموسى في الوقت ذاته؛ فهو لا يريد أيًّا منهما. وبناءً على النتائج الرسمية، كانت البطاقات الفاسدة أو الباطلة اختيارا شائعًا في التصويت، وحصل السيسي على 97% من الأصوات الصحيحة، بينما حصل منافسه موسى على 3%، وتضاعف عدد الأصوات الباطلة عن انتخابات 2014.
وكان إفساد بطاقات الاقتراع مقياسًا مهمًا لمعرفة اتجاهات المعارضة وقراءة الأمور بين السطور؛ إذ تكشف الأبحاث والدراسات أنّ إبطال بطاقة الاقتراع يزداد في عديد من البلدان، خاصة حينما يكون التصويت إلزاميًا، أو في الديمقراطيات الراسخة. وعلى سبيل المثال، ارتفعت نسب الأصوات الباطلة مع زيادة الإحباط من النظام العسكري البرازيلي بين عامي 1964 و1985. وفي الانتخابات المغربية قبل الربيع العربي، زعم المراقبون أنّ المواطنين الرافضين والساخطين أفسدوا بطاقاتهم الانتخابية بشعارات مناهضة للنظام.
وفي سبيل معرفة اتجاهات المعارضة المصرية ووسائلها في الاعتراض أثناء التصويت، شرع الدكتور «ستيفن بروك» من جامعة لويزفيل، بالاشتراك مع محررة المقال، في جمع الأصوات الباطلة في انتخابات 2018 واكتشافها، ومقارنتها بالمعلومات الديموجرافية للسكان المصريين؛ عبر إحصاء رسمي صادر في 2006، إضافة إلى جمع المعلومات عن نسبتها في الانتخابات الحقيقية التي أجريت في 2012 بين محمد مرسي وأحمد شفيق، وانتخابات 2014 بين السيسي وحمدين صباحي.
ووفقًا للبحث، كشفت البيانات تحذيرات؛ أوّلها أنّ هناك مشكلة في مصر بشأن الاستنتاج والتنبؤ بسلوك الأفراد المصريين، ثانيًا هناك شكوك بتلاعب النظام المصري في هذه الأرقام والنسب، كما لا يمتلك مجرو البحث تقنيات قادرة على التمييز بين الغش المتعمد والأخطاء البشرية، في غياب أي مؤشرات أخرى.
ويقترح التحليل الأوّل والحسابات المباشرة التي جمعها مراقبو الانتخابات أنّ معظم التزوير الذي حدث في الانتخابات كان مرتبطًا باستراتيجية شراء الأصوات التي اتّبعتها الحكومة المصرية، بجانب إجبار المعارضين على الانسحاب.
بينما اعتمد التحليل الحالي على احتساب نسب الإناث في عدد سكان كل منطقة محددة، ونسبة الأميين؛ ففي عهد مبارك وجد أنّ الناخبين الأميين أكثر عرضة لإفساد بطاقاتهم الانتخابية بسبب مشاكل في فهم التصويت بشكل صحيح. وفي أكثر انتخابات حرة ونزيهة بمصر في 2012، بُني إتلاف البطاقات –إلى حد كبير- على متغيّرات مستقلة ودوافع فردية.
احتجاجان سياسي واقتصادي
في السياق الحالي، يمكن أن يكشف إتلاف بطاقات الاقتراع في مصر إلى نوعين مختلفين -على الأقل- من الاحتجاج: سياسي واقتصادي. فالاحتجاج السياسي قادم من أولئك المقضيّ على اختيارتهم الانتخابية الأولى، والقمع الذي مارسه النظام ضد مرشحيهم المفضلين؛ ويشمل مؤيدي مرسي في 2012 ومؤيدي صباحي في 2014.
ثانيًا: بخصوص الاحتجاج الاقتصادي، عاقب الناخبون نظام السيسي على التدهور الاقتصادي الذي أصاب معيشتهم في مقتل؛ خاصة أولئك المعتمدين على القطاع السياحي ويشكّلون أكثر من 11% من الاقتصاد المصري ودُمّر في 2011 بسبب الاضطراب السياسي والإرهاب، وتركّزت المناطق الأخرى التي شكّلت أعلى نسب إفسادٍ في الموظفين الحكوميين؛ فالبحث كشف أنّ أكثر من أفسدوا بطاقاتهم.
وقال مسؤول حكوميّ مصريّ إنّ الأصوات الفاسدة دليلٌ على مصداقية الانتخابات وديمقراطيتها؛ لكنّه يعتقد أنه نتيجة لخنق المجال العام وطرق المعارضة السلمية فإفساد الأصوات طريقة احتجاج. وفي النهاية، يبقى بالفعل إفساد الأصوات إحدى أهم طرق المعارضة السلمية، ويمكن للمواطني بها التعبير عن مطالبهم؛ وهي أحد المقاييس القليلة التي يمكن الاعتماد عليها لمعرفة اتجاه المعارضة المصرية المعاصرة.