نشر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تغريدة مصيرية عن هجوم يلوح في الأفق على سوريا، ردًا على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. ولم تكن الضربة ضرورية؛ فالموقف كان بحاجة إلى حلّ سياسي في المقام الأول، والإرادة السياسية لأميركا كانت كفيلة بحلها؛ باعتبارها القوى العظمى الوحيدة القادرة على ممارسة ضغوط شديدة على الوسيط الرئيس في سوريا، روسيا لجلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات.
لكن، بعد إعلانه أنه سيضرب سوريا، كان عليه أن يتابع ضربته؛ حماية لمصداقية أميركا، مثلما حدث العام الماضي، بعدما أطلقت القوات الأميركية 49 صاروخًا من طراز توماهوك؛ ردًا على الهجوم الكيميائي في خان شيخون المحدود، ولمرة واحدة فقط؛ وكان بإمكانه التفكير في المسلك السياسي قبل تغريدته على «تويتر».
هذا ما تراه «لينا خطيب»، مديرة برنامج الشرق الأوسط وإفريقيا في تشاتام هاوس، في تحليلها بصحيفة «الجارديان» البريطانية وترجمته «شبكة رصد». مضيفة أنّ العقوبات العسكرية بمفردها ليست كافية، بغض النظر عن حجمها، ولن تنهي النزاع. وكما توضح الأمور على أرض الواقع في سوريا، فلا يبدو أنّ طرفًا انتصر على الآخر، ولا يبدو أن ذلك سيتحقق قريبًا؛ لكنّ الآوان لم يحن بإطلاق الهجوم العسكري الأميركي.
وهناك وجهات نظر ترى أنّ نظام بشار على وشك الانتصار على المعارضة؛ ولذلك الدعمان الغربي والأميركي لن يجديا نفعًا حاليًا، أو على الأقل سيجلبان الاستقرار لسوريا. لكن، وجهة النظر هذه مضللة إلى حد بعيد، ومغرية في الوقت نفسه وخطيرة؛ والحياد سيجلب بالفعل الاستقرار، لكنه سيمهّد الطريق لمستقبل أكثر دموية.
وكان من الممكن اتّباع نهج الدبلوماسية منذ بدء الصراع السوري، لكنّ الدول الغربية حينها لم تمتلك الإرادة السياسية للضغط على نظام بشار لقبول مطالب المحتجين، وتحوّل الصراع إلى دموي كان منبعه ما حدث للزعيم الليبي معمر القذافي. ولم يرد بشار الأسد مصيرًا مماثلًا؛ ما مكّنه من بدء عمل عسكري، تدخلت على إثره روسيا ثم إيران لدعمه؛ ما زاد من قوة موقفه واستبعاد فكرة الإطاحة به.
وحذّر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من استخدام الأسلحة الكيميائية في 2013، وقال إنها خط أحمر لأميركا. لكنّ مصداقية الغرب ضعفت بشكل كبير بعدما تمكّن نظام بشار من استخدامها، وواصل في ذلك لإجبار المعارضين والمدنيين على الخروج من المناطق التي يسيطرون عليها، وهي مناطق استراتيجية تهم نظام بشار، دون أدنى محاسبة.
لكن، حتى لو مُدّدت المراقبة في جميع أنحاء سوريا واستمرت جماعات المعارضة في العمل، فسوريا لن تستقر عاجلًا أم آجلًا، مع توقعات بتشابه مصيرها مع العراق بعد 2003، كما لم تستلم القوات الموالية لبشار ببساطة؛ ما يدل على أنّ الطريق الوحيد لإنهاء الصراع سيتم عبر سياسة تضمن تحقيق انتقال آمن للسلطة.
وعلى أميركا ضرورة اتباع استراتيجية سياسية تجاه سوريا. والآن، وقد التزمت أميركا بالعمل العسكري الذي هددت به؛ فعليها أن تدرك جيدًا أنّ الأعمال العسكرية ليست وسيلة آمنة لتحقيق غايتها، وأنها بإمكانها الضغط على روسيا لإقناعها بالموافقة على بدء مفاوضات جديدة.
وأثبتت روسيا براعتها في التفاوض، مثلما حدث في أستانا وسوتشي؛ ولكي تتصرف روسيا بجدية في المفاوضات عليها أن تشعر بأنّ أميركا تتصرف بجدية هي الأخرى. وتمتلك أميركا ميزة إضافية تكمن في حلفائها مثل بريطانيا وفرنسا والسعودية؛ فيبدو أنّ جميعهم متحدون، ومواقفهم متشابهة من الأزمة؛ وهو ما يزيد من فرص نجاح الحل السياسي والإطاحة ببشار بتأييد دولي واسع.
وقد تستمر مثل هذه الأنواع من الضربات العسكرية المحددة حتى الاتفاق على بدء مفاوضات جديدة وجدية تدعم الانتقال السياسي في سوريا، وعلى أميركا ضرورة الأخذ في اعتبارها أنّ «روسيا لن تتنازل عن مكاسبها في البحر الأبيض المتوسط».
ولا ينبغي أن ننسى أنّ المشكلة الرئيسة في سوريا لا تدور بشأن الأسلحة الكيميائية فقط بقدر ما تتعلق بوجود نظام بشار على رأس السلطة؛ فلا جدوى من ردعه عن استخدام الأسلحة الكيميائية بجانب السماح له بالاستمرار في استخدام الأسلحة التقليدية لضرب مواطنيه. وهناك مخرج حالي من الصراع السوري؛ فالتحوّل السياسي القائم على الحل الوسط بقي مع حكومة انتقالية تضم البرجماتيين من معسكرات النظام وخارجه، وهي الحل الأمثل؛ وينبغي أن ينصب التركيز على ما ينبغي أن يحدث على المدى الطويل؛ ما يؤكّد الحاجة إلى عمل عسكري بجانب اتباع استراتيجية سياسية.
ولن تشهد سوريًا سلامًا مطلقًا ما دام بشار الأسد في السلطة؛ لأنّ المظالم الأصلية التي دفعت الناس إلى الاحتجاج مستمرة في الوجود، إلى جانب زيادة حدّة سلوكه على مدى السنوات السبع الماضية. وما لم يتغيّر هذا السلوك فلن يتغيّر شيء؛ فالديكتاتوريون لا يتحوّلون إلى إصلاحيين بين عشية وضحاها.