في الوقت الذي يصر فيه الفلسطينيون على استعادة حقهم في العودة إلى فلسطين التاريخية، يتخاذل الرئيس محمود عباس باستمرار تعاونه مع الاحتلال الإسرائيلي، وليس مستغربًا أن تدرك السلطة الفلسطينية بالكاد شرعية مسيرة العودة الكبرى، ناهيك عن ولائها للشعب. وعباس من ضمن هؤلاء الذين فقدوا مسقط رأسهم، مثل باقي الفلسطينيين، لكنّه أكّد من قبل أنه لم يعد مكانًا صالحًا للعيش فيه؛ ما يدل على التواطؤ والخذلان الذي أصاب السلطة.
هذا ما تراه الباحثة المختصة في الشأن الفلسطيني «رامونا داوود» في مقالها بصحيفة «ميدل إيست مونيتور» وترجمته «شبكة رصد»، مضيفة أنّه بالرغم من ذلك، لا يستطيع «عباس» رفض حق العودة بشكل كامل؛ باعتباره مطلبًا جماعيًا وليس أمنيًا فرديًا. لكنه في الوقت نفسه يستخدم سياساته في سبيل إحباطها، خاصة في ظل استمرار المطالبات بتسليم قطاع غزة إلى السلطة في رام الله، والتهديدات بفرض عقوبات جديدة على القطاع، وبعد تصريحه بأنّ «السلطة الفلسطينية لن تكون مسؤولة بعد الآن عما سيصيب قطاع غزة».
ويصرّ «عباس» دائمًا على إزالة الأحداث من سياقها التاريخي، وسردها بطريقة تتلاءم مع القمع الذي يمارسه على القطاع؛ فرفض الفلسطينيين التنازل عن مقاومتهم وحقوقهم يشكّل حاليًا مصدرًا رئيسًا للخلاف بين السلطة والشعب، وهي السلطة التي تسعى لتطبيق سياسة مماثلة للتي تطبقها في رام الله والقائمة على أساس التعاون مع المحتل.
وتسبّبت رام الله من قبل في تمزيق القطاع مرات، ملقية باللوم على ما يحدث فيه من تدهور على حركة حماس؛ فمساعيه لفرض سيطرته عليه مجرد وهم، وفي سبيل تطبيقه ستذهب أرواح أبرياء كثيرة، وتقليل «عباس» لشأن مسيرة العودة الكبرى أصبح السبيل الوحيد لتأكيد حضوره بعد إدارة الجميع ظهورهم له؛ والدليل إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام لتلبية مطالبهم، فلم يتحرك عباس، وكان تحرّك السجناء دليلًا واضحًا على تخاذل السلطة الفلسطينية ومناورتها السياسية التي تواصل حرمانهم من حقوقهم الأساسية.
ولا يتعلق حق العودة بالاحتجاج الشعبي فقط؛ فهو يوفّر أسسًا للمقاومة الجماعية في المستقبل ويؤصل لها، بجانب أنه حق مشروع للفلسطينيين، ويمكن أن يضر بعباس وبالضفة الغربية المحتلة، إضافة إلى كونه حقًا كرّسه القانون الدولي واعترف به.
وإذا كان عبس يعتقد أنّ الفلسطينيين سيعيرونه انتباهًا ولازدرائه لهم فهو مخطئ؛ ففي السنوات الأخيرة ركّز الفلسطينيون على حقوقهم ضد الولاءات الحزبية المختلفة، التي لم تحقق لهم تطلعاتهم الوطنية، واعتبار مسيرة العودة عملًا مضادًا لـ«إسرائيل» وتأكيد السلطة على ذلك أمر مضلل، ويبعد الفلسطينيين عن حقهم في العودة لديارهم التي طردوا منها؛ و«إسرائيل» تستخدم السلطة الفلسطينية بطريقة تقوّض هذا الحق.
وفي سياق العزلة السياسية للفلسطينيين، فبالرغم من قدرة «مسيرة العودة الكبرى» على أن تكون رمزية إلى حد كبير، فهي ذات أهمية أكبر من المشاهد المتاحة للجميع على وسائل الإعلام الاجتماعية، التي يمكن بسهولة صنع مثلها، وقد تظهر التدابير العقابية للسلطة الفلسطينية مرة أخرى؛ لكنّ الاحتجاجات على الحدود ليست سوى جزء مما يمكن أن ينفذه الفلسطينيون، فإذا استطاع الفلسطينيون المثابرة في وحدتهم ومقاومتهم، ففرض مزيد من الإجراءات العقابية عليهم لن يخدم أيّ غرض، سوى إظهار حقيقة محمود عباس المتخاذلة وازدرائه لشعبه.