سلطت صحيفة «ميدل إيست موينتور»، الضوء على صمود وقوة الجيل الفلسطيني الجديد في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة -في مقال لـ«حسام شاكر» الكاتب في الصحيفة- أن رغبة إسحق رابين في غرق غزة في البحر لم تتحقق بل اغتيل هو على يد إسرائيلي متعصب وبقيت غزة، وهي الرغبة نفسها الموجودة لدى القيادة الإسرائيلية الحالية، والتي يشرعون في تنفيذ هذا عن جعل غزة مكانا غير صالحا للعيش، لكن مسيرة العودة الكبرى نبأتهم بعكس رغبتهم.
وتابع الكاتب، اصطف القناصة الإسرائيليون فوق التل وبدأوا في استهداف الأطفال غير المسلحين واحدا تلو الآخر، وبدا المشهد كله كأنه رحلة صيد ببندقية آلية، ينتهي بأن تطرح الفريسة أرضا برصاصات في الرأس؛ حيث أصيب المئات في غضون ساعات، واستشهد نحو 20، ولم يكن أي من الضحايا مسلحا، ولم يشكل خطرا على الجنود المدججين بالأسلحة، ولم يعبثوا بأمن وسلامة الحدود الإسرائيلية.
ومن الواضح أن المذبحة كانت متعمدة، وخطط لها سلفا من قبل القيادة الإسرائيلية، وأثناء ذلك شهد العالم أجمع ما حدث، عندما أعلن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة تمسكهم بحقوقهم وملكية منازلهم وأراضيهم الأصلية التي اغتصبها منهم الاحتلال في 1948، وهو الاحتلال الذي خلف ما يزيد على مليوني لاجئ، ويشكلون حاليا الأغلبية في قطاع غزة، والتي أعلنت الأمم المتحدة أنه إذا استمرت الأوضاع على المنوال نفسه الحالي فلن تكون مكانا صالحا للعيش بحلول 2020، بسبب شح الموارد والخدمات الأساسية.
ولا يوجد في العالم واحد يستطيع أن يقدم لهم حلا، الحل الوحيد هو عودتهم إلى ديارهم ولأراضيهم ومواردهم، التي أخذتها منهم قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال أقسى العمليات العسكرية التي شهدها القرن الـ20، ومنذ ذلك الحين، وترفض السلطات الإسرائيلية الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك قرار الجمعية العامة 194 لسنة 1948، متجاهلة أيضا القوانين والاتفاقيات الدولية، فضلا هم حقوق الإنسان وتوفير العدالة وغيرها.
أما على المستوى الفلسطيني، فالفلسطينيون في قطاع غزة يرفضون ومستمرون في رفض التنازل عن حقوقهم، ولن يفعلوا ذلك تحت أي ظرف، ودفع صمودهم هذا القيادات الإسرائيلية إلى التفكير في كيفية تنفيذ إبادة شاملة لقطاع غزة الذين يزداد عددهم أمام أعينهم ويصرون على استعادة حقوقهم ومتابعة انتفاضاتهم الشعبية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين عبر عن رغبته من قبل في استيقاظه من النوم ليجد أن قطاع غزة غرق في البحر، ثم اغتيل رابين على يد متعصب إسرائيلي، وظلت غزة ثابتة بعده.
لم تتحقق رغبة رابين أبدا، إلا أن القياد الإسرائيلية عملت وما زالت في هدوء على إرهاق القطاع في دوامات من الظلام عبر قطع إمدادات الكهرباء طوال اليوم، ومنع الإمدادات الطبية من الدخول إلى القطاع ومنع المرضى من السفر للعلاج في الخارج، وغزت غزة مشاكل اقتصادية واجتماعية ناجمة عن الحصار الإسرائيلي، ومن الواضح أن نبوءة الأمم المتحدة حول قطاع غزة ستتحقق إذا لم تكن وصلت لتلك المرحلة بالفعل.
إلا أن الشعب الفلسطيني أدهش الكثيرين بأنه لم يرفع الراية البيضاء أبدا، ولم يتخلوا عن حقوقهم، وبدلا من ذلك بعثوا برسالة واضحة بالتحدي والتصميم ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبقية العالم، بتنظيمهم مسيرة العودة الكبرى.
لكل واحد من المشاركين في المسيرة قصته الخاصة، محمد عياش، على سبيل المثال، وهو صبي ينحدر من يافا، شارك في المسيرة مستخدما اختراعه الخاص لحمايته من الغاز المسيل للدموع، متمتعا بنظرة تحدٍ بينما يجلس في هدوء غير مبال بدخان الغاز من حوله، مستلهما تجربة والده الأولى في أول انتفاضة اندلعت قبل أكثر من 30 عاما.
هكذا يلجأ الفلسطينيون إلى حلول بسيطة يتشبثون بها حتى لا يستسلموا في وجه قوة إسرائيل، التي تسخر لمجنديها أحدث التكنولوجيا والمعدات في العالم لتعزيز احتلالها وعدوانها وتخويفه، اما الأجيال الفلسطينية فقد ورثت بدورها تجاربها في تحدي الاحتلال، بغض النظر عن التضحيات الهائلة التي قدموها من أجل الحرية في الانتفاضات المتلاحقة وأعمال المقاومة، وصولا إلى «مسيرة العودة الكبرى».
وإذا رأى أي وزراء من حكومة نتنياهو صورة محمد عياش، على حدود غزة، فعليهم أن يعترفوا بأن التاريخ لم ينته بعد في فلسطين وأنهم سيواجهون المزيد من المشاكل مع الجيل الفلسطيني الجديد، المتحدي للهيمنة الإسرائيلية الحالية، وقد يتذكر هؤلاء الوزراء المتعجرفون رغبة رابين في الاستيقاظ ليجدوا أن غزة قد غرقت في البحر.