في حديثه عن التغيّرات التي أراد الملك السادس عشر إدخالها على نظام الملكية المطلقة في وأدّت في النهاية إلى قيام الثورة الفرنسية وإعدام الملك نفسه، قال رجل الدولة والفيلسوف الفرنسي «أليكسيس دي توكفيل» إنّ أكثر الأوقات خطورة للأنظمة الاستبدادية عندما يحاولون تنفيذ الإصلاحات في ظل انعدام كفاءة المعايير والمؤسسات التقليدية، وتراجع القواعد التي ستحلّ محلها.
وعلى المنوال نفسه يسير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقد تؤدي الإصلاحات البعيدة المدى التي يريد تطبيقها إلى نتائج مماثلة تمامًا كما حدث مع محاولات «ميخائيل جورباتشوف» في النظام السوفييتي؛ ما أدّى إلى تفككه والإطاحة به من الحكومة.
هذا ما يراه الكاتب الإسرائيلي «شلومو أفينيري» في مقاله بصحيفة «هآرتس» العبرية وترجمته «شبكة رصد»، مضيفًا أنّ السعودية تمكّنت بفضل ثروتها النفطية الهائلة حتى الآن من تفريق توزيع مبالغ ضخمة على قطاعات واسعة من السكان للحفاظ على «النظام الأصولي المتطرف القائم على التفسير الوهابي للإسلام».
وتحوّل مئات الأفراد بالعائلة المالكة من «بدو» في الصحراء إلى رجال أعمال، وحتى سعوديون عاديون تمتعوا بمستوى معيشي غير مسبوق وبضمان اجتماعي عالٍ. وبناءً عليه؛ توارثت سلالة الملك «عبدالعزيز بن سعود» العرش واحدًا تلو الآخر، محوّلين المملكة إلى فاعل دولي وإقليمي.
وساهم الانخفاض الحاد في أسعار النفط في أعقاب ثورات الربيع العربي، التي أدت أسقطت حكومات مصر وتونس وليبيا واليمن، إلى تسريع رغبة المملكة في التغيير؛ لمنع الاضطرابات.
خطوات إيجابية للاحتلال
ونال محمد بن سلمان المديح في جميع أنحاء العالم حينما أعلن أنه ينوي السماح للنساء بقيادة السيارات، وفي الوقت نفسه قلل من صلاحيات الشرطة الدينية السعودية، التي كان من وظائفها فرض النظام في الأماكن العامة؛ خاصة للنساء.
وكانت هذه خطوات إيجابية بلا شك، حتى تصريحاته عن القضية «الإسرائيلية الفلسطينية»، كما لاقى قبولًا في الغرب بسبب تصريحاته عن استعداداه لتعاون أمني مع «إسرائيل»، والشيء نفسه ينطبق على خططه لتحويل الاقتصاد السعودي.
لكنّ خطواته الأخرى مثّلت إشكالية كبرى، متمثلة في إيقاف مئات السعوديين البارزين من رجال أعمال وأمراء ومن ذوي المكانة الدولية تحت زعم «الحرب ضد الفساد»، وهي حملة لم يكن لها أي علاقة بالقانون أو الحقوق المدنية؛ خاصة وأنّ السعودية لا تخضع لنظام قانوني محدد، والاعتقالات بلا إذن قضائي؛ وجاءت خطوته لتعزيز سلطته وإضافة مليارات الدولارات إلى خزينة الدولة، التي عانت من النهب البشع والمنظم. لكنها أيضًا عانت من تركيز القوة الاقتصادية للمملكة في يد ولي السعودية نفسه.
الحاكم الوحيد
ويشغل ابن سلمان حاليًا منصب نائب رئيس الوزراء ورئيس المجلس الاقتصادي ووزير الدفاع، ولا تتمتع السعودية بنظام حكومي لا مركزي؛ خاصة وأنّ معظم الصلاحيات والقرارات تتركز في أيدي عدد قليل من الأمراء؛ ما يجل الملك الأول في صف من يمتلكون السلطة في السعودية.
ويقود ولي العهد، المفترض أن يتولى العرش بعد وفاة والده المسنّ والمريض، بالفعل أعمال المملكة دون أيّ قيود. لكن، في عهده تفتقر السعودية إلى مؤسسات منتخبة أو تمثيلية؛ ومن الواضح أنه لا يفعل شيئًا لتشجيع تطوير هذه المؤسسات. وبلا شك، هو مصلح؛ لكنّ هذه الإصلاحات تؤدي به لأن يكون الحاكم الوحيد للبلاد.
كما اتّبع ابن سلمان سياسة خارجية عدوانية إلى حد كبير؛ خاصة فيما يتعلق بالقضية الإيرانية، والدعم الذي يلقاه من حكومات عربية مثل مصر، والإدارة الأميركية و«إسرائيل»؛ ما جعل مسألة استقرار المنطقة في يد ابن سلمان.
وأثبت تدخل السعودية في اليمن أنّ سياسته فشلت فشلًا ذريعًا، وهي الحرب التي تسبّبت في قتل عشرات الآلاف وإصابة مئات الآلاف ونزوح الملايين، والتسبب في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب وصف الأمم المتحدة.
ومن الصعب التخمين إلى أيّ طريق تتجه السعودية تحت قيادة ابن سلمان؛ لكنّها في كل الأحوال لا يجب أن ترضى وتكتفي فقط بالسماح للسيدات بقيادة السيارة والتخلي عن سلطة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، خاصة وأنها إجراءات لا تقود إلا لديكتاتورية أخرى أكثر سلطوية؛ بالرغم من أنّها أقلّ تطرفًا من الناحية الدينية، وبالتالي ستتشابه مع الديكتاتوريات في مصر وسوريا والعراق.