قال مجلس تحرير صحفية «واشنطن بوست» إنّ إعلان ترامب احتمال انسحاب القوات الأميركية من سوريا في القريب العاجل أمر مثير للقلق كثيرًا؛ بعدما فاجأ الجميع أمام تجمّع حاشد لمؤيديه في أوهايو بأنه غيّر الانسحاب من سوريا، وقد يعيق أيضًا الاتفاق التجاري الذي وقعه مبعوثوه مع كوريا الجنوبية، حتى بعد التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية؛ ما يضع الحلفاء في موقف متوتر من أميركا ومحرج أيضًا.
وأبرمت كوريا الجنوبية وأميركا منذ أسبوع اتفاقًا تجاريًا، تعرض لانتقاد حاد من ترامب؛ بما قد يحسن وضع شركات صناعة السيارات الأميركية في السوق ويفرض حصة لشركات صناعة الصلب الكورية، لكنه يجنّبها رسومًا جمركية كبرى. وهذه التغييرات المزمعة على اتفاق التجارة الحرة بين أميركا وكوريا الجنوبية في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى إحداث توازن بين أولوياته الداخلية والحاجة إلى العمل بشكل وثيق مع «الجنوبية» في مسعى لاحتواء كوريا الشمالية المسلحة نوويا.
ويعني الاتفاق أن كوريا الجنوبية ستضطر إلى خفض صادراتها من الصلب إلى أميركا بنسبة 30% عن متوسط السنوات الثلاث الأخيرة، مقابل أن تصبح أوّل حليف لها يُعفى لأجل غير مسمى من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصلب.
وبعيدًا عن كوريا الجنوبية والشمالية، دائمًا ما يعلن ترامب بتفاخر أنه تمكّن من هزيمة تنظيم الدولة في سوريا، وهو ما تفاخر به ثانية في حديث بأوهايو أمام مؤيديه، قائلًا: سنخرج من سوريا قريبًا جدا. وبعده بيوم، تبيّن أنّ ترامب علق نحو مائتي مليون دولار أميركية مقررة لتمويل جهود الاستقرار في المناطق الخاضعة للسيطرة الأميركية في سوريا.
وكان القرار مفاجئًا لوزير الدفاع «جيمس ماتيس» والقادة الأميركيين في منطقة الشرق الأوسط، بجانب كبار مسؤولي وزارة الخارجية؛ بالرغم من أنّهم جميعًا كانوا يدافعون عن السياسة المعاكسة قبل أشهر، أي معارضة وجود قوات أميركية لأجل غير مسمى في سوريا.
وأكّد ماتيس الشهر الماضي، في تصريحات صحفية، أن القوات الأميركية لن تخرج من سوريا حاليًا، وأن أميركا ستضغط لفرض حلول دبلوماسية وسياسية للأزمة هناك. وأكّدت المتحدثة باسم البنتاجون «دانا وايت» يوم الخميس الماضي، وقبل ساعات من خطاب ترامب، أنّ القوات الأميركية ستعمل مع الحلفاء المحليين لتأمين الاستقرار في الأراضي المحررة، مضيفة أنّ «دبلوماسيينا يعملون حاليًا على حل الصراع».
بينما أكّدت وزارة الخارجية، التي اتفقت مع البنتاجون، أنه من المهم للغاية الحفاظ على وجود عسكري ودبلوماسي في سوريا؛ للمساعدة في إنهاء الصراع ومساعدة الشعب السوري. ثم أكد وزير الخارجية «ريكس تيرلسون» في خطاب ألقاه في يناير الماضي أنّ أميركا ستعمل من أجل مستقبل سياسي جديد في سوريا، مضيفًا أنّ إدارة ترامب عاقدة العزم على ألا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها إدارة أوباما في العراق، بعد قرارها برحيل سابق لأوانه للقوات؛ ما سمح للقاعدة في العراق بإعادة تشكيل نفسه من جديد، وتحوّل في النهاية إلى تنظيم الدولة.
وموقف ترامب بشأن الانسحاب من سوريا سيفيد الفاعلين الآخرين في البلاد، بما فيهم روسيا وإيران وتركيا و«إسرائيل»، ناهيك عن النظام السوري؛ إذ استنتجوا من قبل أنّه لن يفعل ذلك. لكنّ خطابه الأخير فتح الباب أمام احتمالات أكبر، والانسحاب الأميركي سيهدد بإطالة الصراع السوري لأجل غير مسمى.
وطالبت الصحيفة الإدارة الأميركية بضرورة الإبقاء على القوات الأميركية في الأراضي السورية لحين حل الصراع بشكل سلمي وسياسي، وبشكل نهائي؛ ولا يزال تنظيم الدولة يسيطر على أجزاء من سوريا، ويرسّخ وجوده العسكري والسياسي؛ ما من شانه أن يشكّل تهديدًا كبيرًا لأمن دول المنطقة وأميركا. وحديث ترامب عن ضرورة ترك الشأن السوري للآخرين لتولي مسؤوليته «فكرة رهيبة».