قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنّ عبدالفتاح السيسي شرع في سبيل زيادة نسب تصويت المصريين في الانتخابات إلى ترهيب المواطنين بفرض غرامة 500 جنيه، أو بترغيبهم وشراء الأصوات مقابل حفنة من المال أو حصص زائدة على البطاقات التموينية، وفي مناطق حصل مواطنون على «دجاجتين» مقابل تصويتهم.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّه بعدما تجمّع مئات الآلاف من المصريين يومًا داخل ميدان التحرير في 2011 مطالبين بالديمقراطية، وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على الحدث الذي هز العالم؛ فصور السيسي ولافتاته تغزو الميدان الذي ألهم باقي الدول العربية؛ وكانت الرسالة واضحة لأي شخص: «ماتت الثورة، والسلطوية المسيطرة».
ومع إغلاق صناديق الاقتراع الأربعاء، انتهت الانتخابات المصرية التي استمرت ثلاثة أيام، ولا يوجد شك في الفائز بها؛ بعدما أجبر باقي المرشحين الجادين على الانسحاب أو اعتقلهم.
وبالرغم من غياب منافسة حقيقية وجادة، لم يتوانَ السيسي ونظامه وأتباعه ومؤيدوه عن شراء الأصوات، سواء بالمال أو الطعام أو الوعود بخدمات للناخبين؛ في محاولة لجذب نسب مشاركة مرتفعة. وقال صحفيون محليون وأجانب ومراقبون إنّ النظام هدف إلى إضفاء شرعية على الانتخابات.
انشقاقات عميقة
ودلّ المشهد الانتخابي على عمق الانشقاقات داخل المجتمع المصري؛ فالشباب أجمعوا على «التصويت بلا» أو ضرورة مقاطعة الانتخابات، معبرين عن استيائهم من إجراءات التقشف الاقتصادي ونقص الوظائف والضغوط الاقتصادية والمجتمعية، بينما صوّت عجائز بـ«نعم».
وقال «شمس الدين»، مهندس يبلغ 28 عامًا، إنّه لم يبدِ أيّ حماس تجاه الانتخابات الحالية، بعكس إحساسه بعد ثورة يناير مباشرة، مضيفًا: «لماذا أصوّت في انتخابات نتيجتها محسومة سلفًا، وبعد سجن باقي المرشحين وترهيب الآخرين وسجن الآلاف واعتقالهم؟».
بينما قال مصريون تتجاوز أعمارهم الثلاثين إنّهم صوتوا للسيسي، بادعاء «جهوده في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاقتصاد وتحقيق الاستقرار والأمن في مصر». وقال محمد شعبان، مهندس بترول ويبلغ 44 عامًا، إنّه صوّت لصالح السيسي لأنّه «لا يريد إعادة مشهد الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أعقبت ثورة 2011؛ فالسيسي أنقذ مصر من الإسلاميين الذين أتت بهم انتخابات 2012».
وأضافق أنه «يشعر الآن بالأمان أكثر من ذي قبل. رأيت ما حدث بعد عام 2011، اضطررنا للوقوف في الشوارع مدافعين عن بيوتنا وعائلاتنا، ولا أعتقد أن مصر ستتحمل ثورة أخرى».
لا للمعارضة!
ويعتقد السيسي وأتباعه أنّ السماح بمجالٍ ما للمعارضة قد يطيح به في النهاية، مثلما حدث مع مبارك، الذي أعطى مساحة للإسلاميين للتعبير عن أنفسهم وأطيح به في 2011؛ وهو ما لا يريد السيسي تكراره. وعلى مدار العام الماضي، حجب مئات المواقع الإلكترونية بما فيها وسائل الإعلام المستقلة، وقبض على كثير من المعارضين وأخفى بعضهم قسريًا.
ودليلًا على مهزلة الانتخابات، أجبر كل المرشحين على التراجع والانسحاب؛ سواء بالتراضي أو بالقوة، وتقدّم المرشح الوحيد «موسى مصطفى موسى» بأوراقه قبل موعد الإغلاق بـ15 دقيقة، ويُنظر إليه على أنّه أضفى قشرة الديمقراطية على التصويت؛ خاصة وأنه لم ينظّم حملات رسمية ولم يكلف نفسه عناء طبع اللافتات، أو حتى التفكير في مناظرة عبدالفتاح السيسي، وهو الذي أكد بنفسه أنّه «لا يجرؤ على تحديه».
تعبيرًا عن القمع
وكان شغل النظام الشاغل ومؤيدي السيسي في أيام الانتخابات رفع نسب المشاركة، التي اقتربت من 45% وفقًا لمحللين، وتقترب من نظيرتها في 2014.
وفي سبيل ذلك؛ لجأ النظام إلى رشوة المواطنين بخدمات. ففي القليوبية -على سبيل المثال- وعد المحافظ المواطنين بتقديم رحلات عمرة للمشاركين في التصويت إذا تجاوزت نسبهم في المحافظة 40%. وفي مراكز اقتراع أخرى، رُشي مواطنون عبر زيادة حصص المصوّتين في البطاقات التموينية، وقال الصحفي المحلي «حسن حسين» إنّ رجل أعمال في الجيزة وزّع دجاجتين لكلّ مصوّت.
وفي حالات أخرى، تلقى المشاركون أموالًا نقدية؛ وهو ما أكده مراقب أجنبي رفض ذكر اسمه، وقال إنّه رأى مواطنين يتلقّون أموالًا مقابل الإدلاء بأصواتهم. ولم يرد المتحدث باسم الهيئة الوطنية للانتخابات على هذه الوقائع بعد اتصال الصحيفة به.
وقال «تيموثي كالداس»، المحلل في معهد تحرير سياسة الشرق الأوسط، إنّ المشهد الانتخابي الحالي في مصر كان أكثر تعبيرًا عن حالة القمع التي طالت المصريين من نظام السيسي؛ فالتصويت الحالي أمر مخجل.
ويرى الناشط والمدون «وائل إسكندر»، وكذلك شباب مصريون آخرون، أنّ الحكومات الغربية هي المسؤول الأول عن الانتخابات المصرية الزائفة؛ لأنها صمتت على قمع الديمقراطية، وأنّها شجّعت السيسي؛ وما زالت مبيعات الأسلحة الغربية إلى مصر مستمرة.