قالت صحيفة «فوكس نيوز» إنّ عبدالفتاح السيسي ترأّس حملة قمعية طوال السنوات الماضية؛ نتج عنها آف القتلى وعشرات الآلاف خلف قضبان السجون، واستخدمت أجهزته الأمنية التعذيب بشكل ممنهج، بينما يستعد الآن لجولة رئاسية ثانية، لم تمر دون اعتقال المعارضين وترهيبهم وتخويفهم.
لكن، في كل الأحوال، يعدّ السيسي الديكتاتور المفضل لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأكّد وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيرلسون أنّه لا توجد فجوة بين البلدين؛ ما يدل على الروابط القوية بين مصر وأميركا. كما أكّد مايك بنس، نائب ترامب، للسيسي أنّ صداقتهما متينة للغاية.
وعبّر ترامب مرارًا وتكرارًا عن إعجابه بعبدالفتاح السيسي ووصفه بأنه رجل رائع، وبعد اجتماع معه في البيت الأبيض في أبريل الماضي قال إنّه يتفق معه في كثير من الأمور، مؤكدًا وقوفه خلفه ودعمه. ولفتت معظم تصريحات ترامب إلى مقاومة عبدالفتاح السيسي لتنظيم الدولة في شمال سيناء، بالرغم من فشله المتكرر في القضاء عليه. وهو التنظيم الذي أسقط من قبل طائرة روسية وقتل جميع ركابها، أغلبهم روس؛ ما أدّى إلى توقف حركة الطيران الأوروبية والروسية لمصر وأصاب السياحة المصرية في مقتل.
كما يعتقد ترامب أنّ أمن مصر أمر ٌحيويٌّ لـ«إسرائيل» وحلفائها في المنطقة. وفي هذا الإطار، حرص السيسي على تكوين روابط قوية وهادئة مع نظرائه الإسرائيليين منذ عام 2015، ولا يوجد دليل أصدق على ذلك من محاربة طائرات احتلالية «تنظيم الدولة» على الأراضي المصرية نيابة عن القوات المصرية.
وقال «دان شابيرو»، السفير الأميركي السابق لدى «إسرائيل» والباحث في معهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، إنّ الحكومة «الإسرائيلية» ترى السيسي مصدرًا رئيسًا للاستقرار في المنطقة؛ بالرغم من تذمّر المعارضة المصرية.
وحكم السيسي مصر طوال المدة الماضية بقبضة من حديد، وعلى إثر ذلك تراجعت شعبيته؛ نتيجة إجراءات التقشّف الصارمة والتكتيكيات القمعية والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، إضافة إلى فشله في مكافحة التمرد في شمال سيناء.
وقالت «ميشيل دون»، مديرة برنامج كارنيجي للشرق الأوسط، إنّ السيسي يواجه معارضة متنامية داخل قاعدته المؤيدة؛ وهذا أمر لم يتعامل معه من قبل، مضيفة أنه حالما تنتهي مهزلة الانتخابات المصرية فالسؤال الحقيقي: ما الذي سيواجه المعارضة في السنوات الأربع الماضية؛ بعدما قمع السيسي الحريات المدنية ووضع مصر تحت قبضته؟
والسيسي ليس أول قائد عسكري يدير حكم مصر؛ فمعظم الرؤساء السابقون كانوا عسكريين، من ناصر إلى حسني مبارك، ويبلغ تعداد القوات المسلحة المصرية 1.2 مليون فرد نشط، ويسيطرون على نسبة كبرى من الاقتصاد المصري بنسبة تصل إلى 40%؛ وفقًا لتقديرات الخبراء.
وظهر السيسي للمرة الأولى على المسرح المصري باعتباره أصغر عضو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم مصر في المدة الانتقالية بعد الإطاحة بحسني مبارك؛ وقاد السيسي بعدها انقلابًا عسكريًا ضد أوّل رئيس مدني منتخب، «الدكتور محمد مرسي»، وبعد مدة وجيزة من الانقلاب العسكري قتل الجيش المصري والشرطة المصرية ما لايقل عن ألف متظاهر في يوم واحد أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة.
وقدّم السيسي نفسه على أنّه يد ثابتة في مواجهة الفوضى، وارتفعت شعبيته لذلك، وفرض حالة الطوارئ في جميع أنحاء مصر. وفي المنصورة، قال مؤيدون للسيسي إنّهم يدعمونه في الانتخابات الحالية، بينما أكّد آخرون أنهم سيقاطعون الانتخابات أو لن يصوتوا للسيسي أو سيبطلون أصواتهم؛ خاصة بعدما خاب أمل كثير من المصريين الذين قاموا بثورة 25 يناير.
كما تحدّثت الشبكة إلى طلاب مصريين وأكّدوا على القمع الأمني في مصر وانعدام مناخ الحريات، معترضين على خبراء المفرقعات ورجال الأمن وكلاب الحراسة الموجودين بكثرة في الجامعات مع اندلاع احتجاجات طلابية. وقالت «هند»، طالبة في جامعة الأزهر، إنّ من يحاول التلويح حتى بالاحتجاج قد يُقتل في ثانية بضغطة على الزناد.
وقال معظم الخبراء والمحللين إنّ شعبية السيسي تشهد انخفاضًا سريعًا، وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز «بصيرة» أنّ نسبة تأييد السيسي تراجعت 24 نقطة في أول عامين له في الحكم.
تنبع مشاكل السيسي في الداخل جزئيًا من الاقتصاد المصري المتعثر؛ فبعد ثورة 2011 وزيادة الهجمات الإرهابية تباطأت صناعة السياحة في مصر، التي كانت مصدرًا رئيسًا للدخل في البلاد، وفي نوفمبر 2016 اتخذت الحكومة المصرية إجراءات طارئة لتجنب الإفلاس؛ وسنّت إصلاحات اقتصادية قاسية للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وهو القرض الذي خفضت الدعم على إثره، وارتفعت معدلات التضخم لعنان السماء، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 30%، بينما يكافح المصريون العاديون للتكيف.
وقالت زينب أبو المجد، أستاذة التاريخ في كلية أوبرلين وتركّز على الاقتصاد المصري، إنّ شعبية السيسي انخفضت بشكل كبير بسبب السياسات الاقتصادية غير الكفؤة.
وهناك قضية أخرى يتعيّن على السيسي العمل على حلها؛ فنسبة البطالة بين الشباب ارتفعت للغاية، وكانت عاملًا رئيسًا أدّى إلى بدء احتجاجات الربيع العربي أواخر 2010، وتصل نسبتها في في مصر نحو 11%، و80% منهم شباب. وقال معهد بروكنجز لعام 2016 إنّ الحكومة إذا لم تتعامل مع بطالة الشباب قريبًا وبسرعة فمن المحتمل أن تواجه اضطرابًا، وربما انتفاضة أخرى في السنوات القادمة.
كما انخفضت شعبيته لدرجة كبرى بعد قراره بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، المعزولتان من السكان وخضعتا لسيطرة مصر على مدى السنوات الستين الماضية، واُتُّهم السيسي ببيعهما للسعودية مقابل حفنة من الأموال والاستثمارات، والقرار صدم مصريين، وطُعن عليه وأصدرت محكمة مصرية قرارًا ببطلانه، استأنفت عليه الحكومة المصرية.
وكتبت المصرية ليلى سويف مقالًا في نيويورك تايمز في يونيو 2017 أكّدت فيه أنّ المصريين شعروا بالخزي والعار والخسارة بعد التنازل عن جزرهم؛ وكان هذا آخر شيء عليهم تحمله.
ووسط كل هذا، دأب السيسي في السنوات القليلة الماضية من رئاسته على مواصلة قمع حرية التعبير والمعارضة السياسية؛ ففي تقريرها السنوي لـ2017، أكّدت «هيومن رايتس ووتش» أنّ حكومة السيسي «حافظت على سياسة العنف المطلق تجاه المعارضة»، وقانون «الجميعات الأهلية» المثير قوّض عمل أكثر من 40 ألف منظمة غير حكومية.
كما كشف التقرير أيضًا عن ممارسة جهاز الأمن المصري التعذيب بشكل منهجي وعلى نطاق واسع، ونفّذ حملات قتل خارج نطاق القضاء، وحاكم آلاف المدنيين، بينهم أطفال، أمام محاكم عسكرية. وكتبت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن حكومة السيسي كانت تعمل «بإفلات شبه مطلق من العقاب على الانتهاكات التي ترتكبها؛ بذريعة محاربة الإرهاب».
ويعني هذا الواقع أنّ مصريين خائفون الآن من التحدث بصوت عالٍ؛ بالرغم من أنّ لديهم كثيرًا من الكلام.
ويتوجّه مصريون حاليًا للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، وسط غياب تام للمعارضة المصرية؛ بعدما انسحب جميع خصوم السيسي المحتملين؛ من بينهم العقيد أحمد قنصوة، الذي صدر ضده حكم بالسجن ستة أشهر، واعتقال سامي عنان وهشام جنينة، وإجبار خالد علي ومحمد أنور السادات على الانسحاب.