قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إنّ جميع رؤساء مصر دأبوا على تصوير أنفسهم كأنهم فراعنة، وهو ما حاول السيسي تصويره؛ باستقلاله «يخت المحروسة» أثناء افتتاحه تفريعة قناة السويس. لكنه في كل الأحوال أشبه بالمماليك؛ خاصة وأنه محاط بحاشية من الجنرالات ورجال الأعمال الموالين ووسائل الإعلام، في تذكير للماليك الذين اعتمدت قوتهم على عصبة مترابطة ذات نفوذ.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنه بالرغم من ذلك، يتصرف السيسي بطريقة متوترة؛ وهو ما يكشف عن حجم التحديات التي يواجهها حاليًا وما سيواجهه بعد فوزه في الانتخابات المقبلة. فشوارع القاهرة ومحافظات الجمهورية مُلئت بصوره ولافتاته قبل أيام من الانتخابات المزمع عقدها هذا الشهر، بينما يقبع خصومه في السجون، ووسائل الإعلام تحت سيطرته، ومنافسه الوحيد سياسي لا يعرفه المصريون ولم يزعج نفسه بتنظيم حملة جادة.
وقالت شركة المراهنات الأيرلندية «بادي باور» إنّ احتمالية فوز السيسي 500%، لكنّ التحدي الأهم من الانتخابات وينتظره جميع الخبراء والمحللين، وحتى المصريون أنفسهم: هل يستطيع السيسي بالفعل تعديل الدستور لتمديد حكمه وتوسيع صلاحياته؟
لكن، لماذا يتصرف السيسي وكأنّ لديه شيئًا سيخسره؟
مع اقتراب الانتخابات، تصرّف السيسي بطرق بدت متوترة؛ فأطاح بقائدين في الجيش، وكانت خطاباته عبارة عن تهديد ووعيد ضد أعداء غير محدّدين. وفي استمرار لمسلسل القمع قبل الانتخابات، بادرت الحكومة المصرية بطرد مراسلة بي بي سي دون تفسير؛ حتى إنّها سجنت مواليًا للسيسي «خيري رمضان».
وقال أنور السادات، متنافس منسحب من الانتخابات الرئاسية، إنّ الأمر مربك للغاية؛ فالسيسي لديه إمكانية الوصول لكل شيء، فلماذا الخوف إذا؟ ويرى خبراء ومحللون ودبلوماسيون في القاهرة أنّ الجيش والشرطة يشكّلان حجر الأساس لسلطة السيسي؛ متوقعين أن يكون التصويت مجرد تأكيد على هذا المسرح، على غرار ما حدث في الصين وروسيا نهاية الأسبوع الماضي.
معارضة عسكرية؟!
وفي المرحلة الأولى للانتخابات، تصاعدت التوترات بين السيسي وقيادات عسكرية؛ بعد أن قرر عنان وقنصوة الترشح أمامه، والآن يقبعان في السجن، بينما تنصّل أحمد شفيق من طموحاته.
ويرى محللون أنّ أيّ منافس جادًا ستكون لديه فرص أكبر بكثير من عبدالفتاح السيسي، الذي استمد شعبيته من مواجهة التشدد الإسلامي؛ لكنّ ردة فعله تجاه المرشحين من المؤسسة العسكرية أثارت تكهنات بأنّ هناك نزاعات داخلية حالية، وأنه يواجه معارضة من الداخل.
ويقول «روبرت سبيرنجبورغ»، الباحث السياسي بكلية جينجز كوليدج، إنّ جهاز الأمن يشكّل تحديًا حقيقيًا لسلطة السيسي، وفي الوقت نفسه يوفّر له ظلالًا يدور تحتها بحرية.
السيسي فرعون أم مملوكي؟
غالبًا ما يُشبّه قادة مصر الحديثون بالفراعنة؛ فجميعهم أقويا ومنضبطون، وساهم السيسي في تعزيز هذه الصورة أثناء وقوفه على مقدمة قارب ينتقل عبر قناة السويس الجديدة. لكنّ هناك مقارنة تاريخية أكثر ملاءمة من ذلك؛ فالمماليك حكموا مصر قرابة ثلاثة قرون، وهم طبقة عسكرية متشرذمة، واستند تفوقهم إلى عصبة من الأتباع، وهو ما يشبه العصبة المرافقة للسيسي من الدائرة الضيقة للجنرالات ورؤساء الأمن، الذين يتمتعون بسلطة اقتصادية وسياسية واسعة، ويشرفون على إمبراطوريات من الأعمال والإعلام، في ظل قمع شديد يستهدف العارضة بأشكالها كافة.
وفي هذه الدائرة حول السيسي الأمر صعب للغاية، لكنّ الانتخابات الحالية فتحت الباب أمام رؤية منتقدين منهم؛ فخوض شفيق وعنان للانتخابات لم يكن مفاجئًا، وشفيق هو القائد السابق للقوات الجوية وخدم مدة وجيزة رئيسًا للوزراء، وبعد قراره الترشح للانتخابات تعرض لهجوم مباغت من الأجهة الإعلامية الموالية للدولة.
كما وجّه شفيق انتقادات قاسية لحكم عبدالفتاح السيسي، وقال إنّ الديمقراطية الحقيقية وحقوق الإنسان أصبحا معطلين تحت حكمه، بينما قدّم عنان الأمل للثوار الذين أطاحوا بحسني مبارك؛ لكنه اُتُّهم بخرق القواعد العسكرية وزُجّ به في السجن، ويقول مساعدوه إنّ ضباط الجيش استجوبوه، بينما احتجز شفيق في فندق لمدة شهر قبل أن يعلن انسحابه.
أما الضابط الثالث فهو العقيد أحمد قنصوة، الذي تلقى تعليمه في أميركا، وحكم عليه عسكريًا بالسجن ستة أعوام.
وقالت «إيمي هوثورن»، الخبيرة في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، إنّ محاولاتهم إخبار الرأي العام بأنّ السيسي يقوم بعمل سيئ أمر مثير للغاية. لكن، على كلٍّ، رفض السيسي الدفع بمرشيحن آخرين لخوض السابق.
وفي مقابلة تلفزيونية الثلاثاء الماضي، أكّد السيسي أنّ غياب مرشحين آخرين «ليس خطأه»، مضيفًا: أقسم أنني كنت أتمنى أن يكون هناك مزيد من المرشحين كي يختار منهم المواطنون؛ لكنهم لم يكونوا مستعدين لذلك، وهو أمر ليس فيه عيب.
ومع تمكنه من إزاحة منافسيه، أعلن السيسي إطلاق حملة عسكرية موسعة ضد مقاتلي تنظيم الدولة في سيناء، والشهر الماضي زار شمال سيناء مرتديًا الزي العسكري أثناء افتتاح مقر القيادة المركزية الموحد. وفي ملاحظات مرتجلة، حذّر السيسي المصريين من أنّ أمن مصر سيتعرض للخطر فقط على جثة الجنود؛ وكانت التصريحات موجهة لأطراف داخلية.
وبعدها، زاد السيسي من الضغط على وسائل الإعلام وسجن صحفيًا حاور هشام جنينة، وطردت الحكومة «بيل ترو» مراسل صحيفة التايمز؛ بالرغم من احتجاجات وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون». ولم تتلقّ التايمز تفسيرًا لهذا الإجراء.
هل سيبقى السيسي للأبد؟
يرى محللوةن أنّ السيسي يحاول تعزيز سلطته فقط، وما زال مصريون يدعمونه كمضاد للاضطرابات التي عانوا منها بعد الربيع العربي، بينما يتحسن الاقتصاد ببطء شديد؛ بعد اتباعه وصفة صارمة لصندوق النقد الدولي، بالرغم من تسببها في زيادة التضخم وتدهور مستويات المعيشة لكثير من المصريين.
كما يتمتّع السيسي بدعم الحلفاء الأجانب الأقوياء، مثل ترامب وابن سلمان، الذي زار السيسي لثلاثة أيام، وكذلك «إسرائيل»، عدو مصر القديم؛ بالتعاون والتنسيق بينهم لمواجهة الإرهاب على أرض سيناء.
وقال دبلوماسي غربي إنّ السيسي اتخذ قرارات مثيرة للجدل؛ فالسماح للجيش بإدارة الأمور الاقتصادية كافة لا يحظى بتأييد مجتمع رجال الأعمال وضباط عسكريين.
وقالت «إيمي» إنّ قرار تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية قوبل رفض شديد من مسؤولين كبار بوزارة الدفاع؛ وتعتقد أن تسليمهما كان نقطة ضعف السيسي، فهو قرار لا يمكن لأحد أن ينساه ما دام حيًا.
وفي إشارة على التوتر داخل القوات المسلحة، أدين 26 ضابطًا عسكريًا بمحاولة تنظيم انقلاب ضد السيسي؛ ما رآه خبراء أنّه يتمتع بدعم من القيادة العليا فقط.
كما لاحظ الخبراء أمرًا آخر مثيرًا للجدل، وهو اعتماده في السلطة على عائلته فقط؛ فلديه ابن يدعى محمود يعمل بالمخابرات العامة، وكان أحد المحاورين في الاجتماعات بين المسؤولين الأميركيين، وله ابن يعمل في هيئة الرقابة الإدارية. لكن، مهما كانت شعبية السيسي فالانتخابات المقبلة ليست مؤشرًا لقياسها؛ لأنّ المعارضة ألغت بالفعل شرعيتها بانسحابها منها.
أما منافس السيسي الوحيد «موسى مصطفى موسى»، فعقد فقط مؤتمرين منذ إعلان ترشح؛وأخبر الصحفيين في أحدهما أنه ليس دمية.
ويوم الأربعاء، اتصل السيسي ببوتين لتهنئته بفوزه في الانتخابات نهاية الأسبوع الماضي، كما هنّأ شي جينبينغ الصيني على انتخابه بالإجماع في المؤتمر الشعبي الوطني، وهناك مؤشرات على أن السيسي لديه طموحات مشابهة.
في أغسطس الماضي، اقترح عضو في البرلمان الموالي للسيسي تعديلًا دستوريًا لتوسيع حدود سلطاته ومدته الرئاسية؛ وفي نوفمبر أصرّ السيسي على أنه لن يسعى إلى إجراء أي تغييرات.
بينما قال أنور السادات، السياسي المعارض، إنّ ائتلافًا واسع النطاق من جماعات المعارضة بدأ في البحث عن مرشح لخوض انتخابات 2022.