قالت صحيفة «واشنطن بوست» إنّ عبدالفتاح السيسي سيفوز بولاية رئاسية ثانية، مدتها أربع سنوات، مؤكدة أنّ الانتخابات المزمع إجراؤها أيام 26 و27 و28 من مارس الجاري تؤكّد أنّ مصر تخلّت عن آخر مظهر للديمقراطية بعد سبع سنوات من الثورة ضد الديكتاتور الأسبق محمد حسني مبارك.
وسبقت الانتخابات حملة تطهير وإزاحة للمنافسين الحقيقيين ضد السيسي، ولم يجرؤ حسني مبارك على القيام بمثلها طوال مدة حكمه التي استمرت 30 عامًا، كما فرض السيسي قيودًا على وسائل الإعلام، وطالب المصريين بالإبلاغ عن بعضهم بعضًا. والسؤال الذي يطرحه مراقبون الآن: لماذا اُتُّخذت هذه التدابير المتطرفة لضمان فوز السيسي؛ خاصة وأنه سيفوز على أي حال؟
يبدو أنّ السيسي مقتنع تمامًا بأنّ الانتخابات يمكن أن «تزعزع استقرار البلاد»، ويمكن أن تسمح للإسلاميين بالدخول إلى السياسة مرة أخرى؛ ما يعرقل مساعيه لإحياء الاقتصاد المصري المتدهور.
واُنتُخب السيسي للمرة الأولى في 2014 ودخلها بصفته قائدًا للقوات المسلحة، الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، ولاقت حملته لقمع الإسلاميين والمعارضين حينها رواجًا شعبيًا. ويصرّ السيسي على جعل الأولوية للاستقرار، والتخلي عن الحريات، وشرع في إقامة مشروعات للبنى التحتية على نطاق واسع، وصوّر نفسه دوليًا على أنه «البطل الذي واجه التطرف الإسلامي».
سلطة أكثر صعوبة
توقّعت «واشنطن بوست» أن يشرع السيسي بعد الانتخابات في تعديل الدستور وزيادة مدته الرئاسية لتصبح ست سنوات بدلًا من أربع، كما يرى «بول سالم» الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وأضاف أنّ السيسي ونظامه يريان الاستقرار ضروريًا لتخطي الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها مصر. و«من وجهة نظري الشخصية، ما يفعله السيسي لا يحقق استقرارًا قريبًا أو بعيدًا؛ فكل ما يفعله صعوبة انتقال السلطة».
السيسي لم يزعج نفسه بحملته. وبدلًا من ذلك، غمرت شوارع القاهرة ومدن أخرى موجة عارمة من اللوحات الإعلانية واللافتات والملصقات مع صورته معلنة: «إنه الأمل».
ويرغب السيسي في إقبال الناخبين المصريين على التصويت؛ لإضفاء مظهر من الاحترام على الانتخابات أمام العالم، ونظّم أنصاره مسيرات لمطالبة الشعب بالنزول والتصويت، كما زعمت وسائل الإعلام الموالية للنظام بأنّ التصويت «واجب ديني» والتقاعس عن الإدلاء به «خيانة عظمى».
وهتف أنصار موسى في ميدان التحرير بأنّ المقاطعين للانتخابات «خونة وجبناء».
عواقب وتحذيرات
وانتقد «عماد الدين حسين» رئيس تحرير صحيفة «الشروق»، الأجواء الانتخابية، موضحًا أنّها هُندست؛ لكنها لا تسير بسلاسة. وكتب الشهر الماضي في مقال على صحيفته: «كنا بالطبع نأمل أن يكون لدينا انتخابات حقيقية فيها تنافس حقيقي، لكن بما أننا لا نملك ذلك، كان من المفترض أن تقوم الحكومة على الأقل بإظهار العملية بالمظهر الديمقراطي».
ويوضح القضاء المنهجي على المعارضين ضعف عبدالفتاح السيسي، خاصة بعد اعتقاله سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة، الذي عبّر عن استيائه من الإصلاحات الاقتصادية وحملات القمع والإحباط واستمرار العنف.
وفي الوقت نفسه، اضطر مرشحون إلى الانسحاب بعد إعلان ترشحهم؛ إما بسبب التضييق أو التهديد والترهيب، وعومل عنان وشفيق بقسوة أكثر من غيرهما؛ فوضع شفيق رهن الإقامة الجبرية، واعتقل عنان بعد ثلاثة أيام من إعلان نيته الترشح، وما زال يقبع داخل سجن عسكري حتى الآن، إضافة إلى اعتقال مساعده المستشار هشام جنينة، الذي ضربه بلطجية بتحريض من النظام.
حتى قبل اعتقاله، وضع عنان تحت المراقبة لأشهر، ونُصح مرات بألا يترشح، كما أكّد مسؤولون أمنيون مصريون رفيعو المستوى تحدّثوا لـ«أستوشيتدبرس» شريطة ألا تذكر أسماؤهم.
وقال مسؤول إنّ «عنان كان على وعي تام بالعواقب، والتحذيرات التي صدرت له كانت واضحة وضوح الشمس».
أما شفيق، الذي عاش في الإمارات وأعلن ترشحه من هناك، فرحّله الإماراتيون على الفور إلى مصر بعد اتهمامهم باحتجازه؛ وفور وصوله اُحتُجز في فنادق لأيام، وأثناء ذلك تلقى حملة توبيخات بسبب قراره، وأطلق النظام عليه وسائل الإعلام الموالية له وحرضهم على تشويه سمعته، وحُذّر من فتح ملفات الفساد والرشاوى؛ حتى هددوه بفضائح جنسية.
وقال مسؤولون إنّ شفيق قرر التراجع بنفسه عن قرار الترشح في 7 يناير، وظل رهن الإقامة الجبرية. وترى الصحيفة أنّ شفيق وعنان ينويان فعلًا السعي للتغيير، بالتعاون مع القوات المسلحة؛ لكنّ الأمر الأكثر إثارة للقلق أنّ ترشحهما أثار تكهنات بحدوث انشقاقات داخل الجيش، المشهور بالسرية والتكتم.
وليس معروفًا إذا كان ترشيح السيسي فعلًا يحظى بتأييد الضباط في القوات المسلحة؛ فالتطورات الأخيرة أثارت علامات استفهام، مثلما حدث من إقالة رئيس الأركان ورئيس المخابرات العامة، وتحدّثت تقارير إعلامية عن نزاعات بين الاستخبارات العامة والحربية، وتقارير أخرى عن تهميش جنرالات كبار في القوات المسلحة.
ويقول «مايكل حنا»، الخبير في الشأن المصري من مؤسسة القرن بنيويورك، إنّ النظام المصري الحالي حساس للغاية، ويواجه تناحرات وتوترات داخلية؛ بدأت في التسرب إلى الرأي العام».