تصريح خطير قاله ولي العهد السعودي، خلال زيارته للقاهرة، مطلع الشهر الجاري، بشأن اليمن، والذي أكد فيه أن الحرب في اليمن شارفت على الانتهاء، بعد أن حققت أهدافها!، وهو ما أثار اندهاش الأوساط السياسية، خاصة أن الجميع ينظر إلى اليمن بأنه وصل لطريق مسدود، فلا «عاصفة حزم» أنهت الانقلاب، ولا انقلاب استطاع أن يحسم الصراع لصالحه، ليأتي تقرير «رويترز» بشأن محادثات سرية بين الحوثيين والسعودية، ليثير تساؤلا مهما، هل وجدت السعودية ضالتها للخروج الآمن من المشهد اليمني عبر التفاوض مع الحوثي؟
كل التقارير تشير إلى أن السعودية فشلت في مواجهة جماعة أنصار الله، أو إنجاز أي تقدم ملموس على الأرض، لذا فهي تحاول منذ زمن الهروب من الفخ الذي أوقعت نفسها فيه باليمن، خاصة أن ولي العهد يستعد للتنصيب كملك خلفا لوالده ويريد غلق الجبهات المفتوحة والتركيز على التحديث الذي تسير فيه المملكة بخطى سريعة، خاصة أن الصراع في اليمن أصبح يمثل تهديدا كبيرا للعمق السعودي بعد أن استطاع الحوثي الوصول إلى عمق الرياض بصواريخ الباليستية، فضلا عن المدن الحدودية.
تقارير عن محادثات سرية
كشفت رويترز، يوم الخميس، عن مصادر دبلوماسية يمنية، أن السعودية وجماعة الحوثي المسلحة اليمنية، تعقدان محادثات سرية في محاولة لإنهاء الحرب الدائرة منذ 3 سنوات والتي تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وقال دبلوماسيان ومسؤولان يمنيان، طلبا عدم ذكر اسميهما، إن محمد عبدالسلام، المتحدث باسم الحوثيين، تواصل بشكل مباشر مع مسؤولين سعوديين في سلطنة عمان بشأن حل شامل للصراع.
وأضاف دبلوماسي أن «هناك مشاورات بين الحوثيين والسعوديين دون حضور ممثل عن الحكومة المعترف بها دوليا، ومن الواضح أن هناك رغبة من الحوثيين ومن التحالف في السير نحو اتفاق شامل».
وقالت المصادر، إن الاتفاق المأمول سيبدأ بهدنة لوقف القتال على جبهات المعارك في أنحاء البلاد على أن يؤدي في نهاية المطاف لتوقيع اتفاق سلام يتناول المصالح السياسية للأطراف المتحاربة.
وتأتي التقارير في ظل ضغوط دولية وحقوقية على المملكة، بعد أن تحول الصراع في اليمن الذي تخطى عامه الثالث، إلى كارثة إنسانية، ولا شك أن زيارات محمد بن سلمان في الخارج، يواجهها الكثير من العوائق بسبب حربه في اليمن، خاصة خلال زيارته الأخيرة لبريطانيا؛ حيث يصوره الحقوقيون بأن «مجرم حرب» تسبب في أكبر كارثة إنسانية.
الملفت في تقرير رويتز هو غياب السلطة اليمنية عن المشهد تماما، وهو على صعيد آخر، يأتي استكمالا للموقف الداخلي الذي تنحي فيه المملكة، الرئيس اليمني وحكومته عن كل القرارات على الأرض، والتي أتت متسقة مع تسريبات عن قرار التحالف بتجميد كل القنوات والاتصالات مع الحكومة اليمنية، في الوقت التي بدأت قوى داخلية في اليمن تدعو لتظاهرات من أجل عودة عبدربه هادي منصور؛ بسبب ما وصفوه بأنه موضوع تحت الإقامة الجبرية في الرياض.
نفي سعودي وتأرجح في الموقف الحوثي
ونفى الجانب السعودي، تقرير رويترز بشأن المحادثات السرية، في الوقت التي تضاربت التصريحات في الجانب الحوثي، والذي أكد عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، علي القحوم، أن المفاوضات غير المباشرة مع السعودية تتم عن طريق سلطنة عمان، لوكالة «سبوتنك».
وأشار إلى أنه «على حد علمي أنه لا يوجد لقاء مباشر يجمع أنصار الله وشخصيات سعودية، وإنما هناك لقاءات عبر وسطاء من سلطنة عمان، هم يتوسطون ما بيننا وما بين السعودية».
وفي تصريح آخر، قال القحوم: إن «
لكن سرعان ما نفى القحوم، أن تكون هناك أيّة مفاوضات بين الحركة والسعوديين في العاصمة العمانية مسقط، واصفا ما تردّد عن هذا الأمر مؤخرا بأنه «يأتي في سياق البهرجة الإعلامية»، وفقا لـ«الميادين».
أما عن الموقف الحكومي اليمني، فإنه يبدو خارج اللعبة، فهو ليس شريكا في المحادثات، ولكن وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، سارع بنفي المحادثات، وهو ما جعل الباحث اليمني توفيق الجند، يعتبره تغزلا في السلطة السعودية، وقال عبر تغريدة في «تويتر»: «يضع نفسه في موقف سخيف بعد التغزل ببن سلمان قبل أسبوع. الرجل نفى خبر رويترز عن وجود محاثات سرية بين السعودية والحوثيين في مسقط، رغم أن حكومته ليست طرفا فيه، ويفترض أن ترد الرياض أو صنعاء، وليس المتطوع العجيب الذي يبدو أنه لا يعلم أكثر من المتابعين للفيس وتويتر».
لصالح من؟
ولكن في حال أن تقارير رويترز صحيحة، وأن السلطة السعودية بدأت تنخرط في مفاوضات، فإن محللين سياسيين يرون أن المملكة تغامر بما لا تملك من أجل مصالحها الشخصية، لافتين إلى أنها ستقدم تنازلات كبير لجماعة أنصار الله مقابل الخروج من اليمن.
وقال الباحث اليمني ياسين التميمي، إن المحادثات «على ما يبدو وأنها تنطوي على تنازل واضح من جانب الرياض التي اعتادت على التعاطي مع الحوثيين في محادثات لا يتدخل فيها طرف ثالث».
وأوضح التميمي أن «الشراكة المحتملة بين الرياض والحوثيين التي يمكن أن تفضي إليها محادثات مسقط السرية لن تكون مفيدة من الناحية الاستراتيجية، لأن الرياض تغامر في استعمال أدوات غيرها، والحديث هنا عن مليشيا الحوثي التي صقلت وأعدت بطريقة مختلفة ولصالح لاعب إقليمي خطير هو إيران».
وعن موقف السلطة الشرعية، أشار الباحث، إلى أن «محادثات كهذه تثبت بأن الرياض وأبوظبي قررتا على ما يبدو إزاحة السلطة الشرعية، والإبقاء على رموزها الحاليين تحت السيطرة إلى حين يتم إبرام صفقة مناسبة للحل يجري التعاطي خلالها مع الحوثيين كشريك سياسي محتمل وأكثر قابلية للترويض».
وكانت السعودية والحوثيون دخلوا في مفاوضات سابقة، في مدينة ظهران الجنوب السعودية قبيل انطلاق مشاورات الكويت.
ومن جهته، قال أحمد الصالح، مدير مركز عدن للدراسات والعلاقات الدولية في واشنطن، إن ما نقلته رويترز هو «إشاعات» بحسب النفي الرسمي على لسان الأطراف المعنية.
ولكن الصالح أشار، في تصريح لـ«رصد»، إلى أن الحل في اليمن سيكون سياسيا، وهو ما أكده جميع أطراف الصراع.
وانتقد محللون الموقف السعودي المتضارب؛ حيث الحرب في اليمن، تعصف بأبنائها، في الوقت الذي تدير حوارات سرية في مسقط، واعتبر المحلل السياسي اليمني خالد الآنسي أن «الأداء السعودي والتحالف العربي متناقض، ولا يقوم على استراتيجية واضحة، وأن ما يهمها (السعودية) هو تركيع اليمنيين للوصول إلى نظام خاضع لها وتحت سيطرتها ليس أكثر».