دعوة جديدة، ومكررة، ألقى بها الأمير زيد بن رعد الحسين، مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أمس الجمعة، عندما طالب الجمعية العامة للمنظّمة الدولية لإحالة الفظائع التي ارتُكبت بحق أقليّة الروهينجا المسلمة في ميانمار (بورما) للمحكمة الجنائية الدولية.
وقال بن رعد، في مؤتمر صحفي في جنيف: «أجل.. نقول إن هناك شكوكا قوية في أن أعمال إبادة جماعية ربما ارتُكبت، ولكن لا يمكن أن يؤكّد ذلك سوى محكمة».
دعوات مستمرة
وأمس، دعت الممثلة أنجيلينا جولي والسناتور الجمهوري جون ماكين، الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط على بورما لحماية حقوق مسلمي الروهينجا.
وكتبا في صحيفة نيويورك تايمز: «في حين تتكثف الأزمات الإنسانية في بورما وسوريا ودول أخرى، يراقب العالم ما إذا ستحمل الولايات المتحدة مجددا شعلة السلطة الدولية وتتحرك».
لم تكن الدعوات التي صعدت مؤخرا، جديدة في الشأن الروهينجي، فمنذ بدء الازمة الأخيرة، في أغسطس 2017، تتوالى الدعوات والنداءات من أجل محاكمة السلطات في ميانمار، فيما ارتكبته قواتها في حق الأقلية المسلمة «الروهينجا»، وفي نوفمبر الماضي، قالت «هيومن رايتس ووتش» في وثيقة إن على مجلس الأمن الدولي إحالة الوضع في ميانمار إلى «المحكمة الجنائية الدولية»؛ بسبب تحقيق ميانمار في الفظائع الجماعية ضد الروهينجا.
وأضافت أن على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أیضا متابعة جمع الأدلة الجنائية للمضي قدما في الملاحقات القضائیة في المحكمة الجنائیة الدولیة والمحاکم الأخرى، معتبرة أن «الجنائية الدولية هي محكمة الملاذ الأخير»، لافتة إلى تشكيل لجنة في وقت سابق، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لتقصي الحقائق في ميانمار، إلا أنه على الرغم من أن بعثة تقصي الحقائق ستوثق أنماط الانتهاكات، فإنها لا تملك الولاية للتحقيق في التجاوزات وفقا لمعيار جنائي.
جمع الأدلة الخاصة بانتهاكات سلطات ميانمار، لا يحتاج إلى جهد وبحث حثيث، فالآلاف من الوثائق والأدلة جمعها نشطاء وحقوقيون، كما أن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، سلم لحكومة ميانمار تقريرا نهائيا بشأن تقصي الحقائق في أعمال العنف ضد مسلمي «الروهينجا» في أراكان، ولكن يظل هناك عوائق أكبر من الادلة تقف أمام تقديم مجرمي ميانمار للعدالة.
أسباب عدم رفع القضية للجنائية
يستبعد قانونيون، أن يتم تقديم انتهاكات السلطات في ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية بصورة مباشرة، لأسباب تتعلق بقانون روما المؤسس للجنائية، إلا أن طريقا واحدا إلى الجنائية الدولية هو أمل الحقوقيين في اتخاذه مع كل الصعاب التي ترافقه.
قانون روما
ويقول المحامي محمود النوبي، المستشار بالمحكمة الدولية، إن «مجلس الأمن الجهة الوحيدة المخولة لرفع الأمر إلى محكمه الجنايات الدولية».
وأوضح النوبي، في تصريح لـ«رصد»، أن «محكمة الجنايات الدولية لها ولاية فقط على الجرائم التي ترتكبها الدول الأطراف في معاهدتها التأسيسية (نظام روما الأساسي) وميانمار ليست عضوا فيها».
وهو ما وافقه الرأي فيه القانوني، فلاح مزيد الحميداني؛ حيث أوضح الحالات الثلاث التي يمكن خلالها اللجوء إلى الجنائية الدولية.
وقال الحميداني، في تصريح لـ«رصد»، «إنه يجب أن تكون الدولة طرفا في المعاهدة الخاصة بالجنائية الدولية، أو إحالة مجلس الامن، أو أن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية هو من يحركها».
الصين وروسيا واليابان عائقا
ولكن النوبي استدرك بأن هناك من يحول دون استصدار مجلس الأمن، قرارا بإحالة سلطات ميانمار إلى الجنائية الدولية، وهما «اليابان والصين»، لافتا إلى الدعم الذي تلاقيه قوات ميانمار من البلدين.
وأشار إلى أن الصين تستبق أي قرار لمجلس الأمن وتحول دون استصداره.
جدير بالذكر، أنه في نوفمبر 2017، استطاعت الصين، الضغط على مجلس الأمن الدولي لاستبدل مشروع قرار، الإثنين، ببيان يدعو بورما (ميانمار) إلى وقف حملتها العسكرية في ولاية أراكان، ولم يتضمن البيان أي إشارة إلى عقوبات يمكن لمجلس الأمن أن يفرضها.
وقالت هيومن رايتس ووتش، إن الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية في البيئة السياسية الحالية في المجلس صعبة، لا سيما بسبب المعارضة الصينية والروسية المحتملة لإحالة الوضع في بورما إلى المحكمة.
أسباب سياسية
ورأى متخصصون أن القانون يجيب أن يرافقه ضغوط سياسية، للسماح بمواصلة الإجراءات من أجل تحقيق العدالة في قضية الروهينجا، التي فشلت كل المنظمات في الضغط على دولها من أجل تحريك المياه الراكدة فيها.
وأرجع المحامي خالد النايل، مستشار تحكيم قانون دولي، والناشط في حقوق الإنسان والقانون الدولي، عدم مقاضاة سلطات ميانمار حتى الآن بعد مرور أكثر من 8 أشهر، إلى عدد من الأسباب، أبرزها ضعف الدول الإسلامية وعدم جديتها بإنهاء معاناة عمليات الإبادة.
وأوضح النايل، في تصريح لـ«رصد»، أن ضعف منظمة التعاون الإسلامي، وعدم وجود مصالح سياسية للدول الكبرى في ميانمار، وخلوها من الثروات، تجعلها بعيدة عن دائرة اهتماماتها.
وأشار النايل إلى أن بعض الدول تخشى «توسع بقعة الصراع كون معظم الدول في تلك البقعة الجغرافيه بوذية كالهند والصين واليابان والكوريتين»، لافتا إلى أن «الشارع الغربي إذا لم يتحرك ستبقى حكومة ميانمار مستمرة بجرائمها».