ستفرش الحكومة البريطانية السجادة الحمراء غدًا الأربعاء لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي وصفه وزير الخارجية البريطاني «بوريس جونسون» بأنه «شاب رائع»؛ معتقدًا أنّه يروّج فعلًا لخطوات إصلاحية حقيقية داخل المملكة العربية، وإقرار السلام في اليمن المجاور؛ لكنه لا يفعل شيئًا منهما.
هذا ما قاله «ديفيد ميفام»، مدير «هيومن رايتس ووتش» ببريطانيا، في مقاله بصحيفة «ميدل إيست آي» وترجمته «شبكة رصد». ويرى أنّ الحكومة البريطانية يتعيّن عليها الضغط على «ابن سلمان» وإجباره على تخفيف القيود المفروضة على اليمنيين، وإخباره بأن ما يفعله مرفوض تمامًا؛ خاصة وأنّ حكومة بريطانيا تدّعي أنّ قضايا حقوق الإنسان من أولوياتها، وقد تكون متورطة في جرائم الحرب التي يرتكبها ابن سلمان هناك.
قمع وانتهاكات
بالرغم من الخطاب الطموح عن الإصلاح الذي أعلنه ابن سلمان، ورغبته في تحويل بلاده سياسيًا واقتصاديًا؛ فالقمع والانتهاكات الحقوقية ازدادت وتيرتهما في المملكة بسرعة كبرى.
وكان الانتهاك الأكثر عنفًا «حملة الاعتقالات الجماعية» لـ381 شخصًا في نوفمبر الماضي بفندق «ريتز كارلتون» في الرياض، من بينهم أمراء ومسؤولون حكوميون حاليون وسابقون، ورجال أعمال بارزون؛ إلى أن سوّيت أوضاعهم ماليًا للإفراج عنهم.
أما الـ56 شخصًا الذين رفضوا دفع أموال فأرسلوا إلى سجون سعودية؛ وقد يواجهون اتهامات جنائية ومصائر غير مؤكدة.
وبرر ابن سلمان حملة الاعتقالات بزعم «مكافحة الفساد»؛ لكنها حملة تفتقر إلى الشفافية أو أي نوع من الإجراءات القانونية الاعتيادية.
كما منع ابن سلمان أي صوت معارض آخر؛ ففي أغسطس الماضي أيّدت محكمة استئناف سعودية حبس المدون البارز «رائف بدوي» لثمان سنوات، بعد أن دعا إلى الإصلاح السلمي، وفي 27 فبراير حُكم على الناشطين البارزين «عصام كوشك وعيسى النخيفي» بالسجن مدة طويلة.
وبالتالي؛ على الحكومة البريطانية، التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وتضعه ضمن أولوياتها، أن تتحدث عن حملات ابن سلمان الوحشية والمستمرة حتى الآن. وبالرغم من ترحيب حكومة بريطانيا بقرار السماح للمرأة بالقيادة وإشادتها بها؛ فإنها غضت الطرف عن الحملات الانتهاكية الأخرى.
تمييز منهجي
بالرغم من قراره الخاص بالمرأة، ما زالت مسيرة إنهاء التمييز ضد المرأة السعودية طويلة. ويستهدف ابن سلمان في رؤيته «2030» إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%.
لكنّ خطته تتجاهل التمييز المنهجي الذي تتعرض له السيدات السعوديات، وفرض الوصاية الذكورية عليها؛ ما يجعل الخطة رافضة للتطبيق. فبموحب نظام الوصاية، تعامل المرأة السعودية معاملة القاصر قانونًا؛ وإذا احتاجت إلى الدراسة أو العمل أو السفر أو الزواج عليها أن تحصل على إذن من قريب ذكر.
وما زال هذا النوع من التمييز قائمًا حتى الآن، ولا يعتزم ابن سلمان التخلص منه.
وبصفته وزيرًا للدفاع منذ عام 2015، أدى ابن سلمان دورًا بارزًا في حرب التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، التي أسفرت عن وفاة ستة آلاف مدني حتى الآن، وأصيب فيها عشرة الآف آخرين، وتسببت في أسوأ كارثة إنسانية شهدها التاريخ الحديث؛ وفقًا للأمم المتحدة.
وعمدت السعودية، التي حصلت على أسلحة ومعدات عسكرية بريطانية بقيمة 4.6 مليارات جنيه إسترليني، إلى إغلاق الموانئ اليمنية مرارًا وتكرارًا، ومنع الإمدادات الغذائية والوقود والدواء، وقصفت المستشفيات والأسواق، ووضعت مزيدًا من اليمنيين في خطرٍ داهم.
رسالة قاسية
وسبق وأكّدت وزيرة التنمية الدولية البريطانية «بيني مورداونت» أنّ ابن سلمان ينتهج سياسة التجويع، واستخدامها وسيلة للحرب ضد اليمنيين؛ في انتهاك صارخ للقانون الدولي.
وعلى «تيريزا ماي وبوريس جونسون» أن يجعلا الأمر واضحًا أمام ولي العهد السعودي، ويطالباه بشكلٍ صريح وصادق ولا لبس فيه بوضع حد فوري للقيود المفروضة على وصول الإمدادات الإنسانية والتجارية في اليمن؛ وإذا كانت بريطانيا جادة حقًا في مساعدة الشعب اليمني فستحتاج إلى إعادة صياغة علاقتها مع السعودية.
أيضًا، عليها التوقّف عن تسليح السعوديين، خاصة وأنّ الأسلحة تُستخدم في قصف المدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد، والتحالف السعودي ارتكب جرائم تنتهك قوانين الحرب؛ ويحتمل أن تكون «جرائم حرب».
ووثقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» 87 هجومًا من هذا القبيل، كما وثّقت أيضًا الأمم المتحدة ووكالات تابعة لها.
بالإضافة إلى ذلك، أهداف ابن سلمان من الحرب فشلت إلى حدٍ كبير؛ ومع ذلك لم يُحاسب أيّ مرتكب جرائم حرب، ولا تزال بريطانيا «تخاطر بالتواطؤ في جرائم الحرب المستقبلية».
ومحمد بن سلمان أبعد ما يكون عن صورة المصلح التي يحاول تقديمها إلينا، ويتعيّن على «تيريزا وجونسون» تقديم رسائل صعبة وقاسية إليه في زيارته، وأيضًا عليهما «ضرورة التخلي عن السياسات البريطانية الخاطئة، التي لم تؤدّ إلا لتفاقم الصراع اليمني وتعزيز الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان هناك».