بعد انتهاء الحرب السورية، ستكون الصين وروسيا وإيران أكبر مساهمين في جهود إعادة إعمارها؛ لطموحاتهم المناهضة للغرب. لكنّ الصين قد تكون الأكثر المساهمة؛ باعتبارها أكثر توازنًا والتزمت مبدأ الحياد، بعكس إيران وروسيا المتورطتين إلى حد كبير في الأعمال العسكرية بسوريا.
هذا ما يراه الباحث في دراسات الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان «روي يلينك»، في مقاله بصحيفة «ألجيمينر» الأميركية وترجمته «شبكة رصد». ويضيف أنّ رئيس النظام السوري سيبقى في السلطة ويقود البلد في السنوات المقبلة؛ لكنه سيتعين عليه إعادة بنائها.
ولتحقيق ذلك، سيحتاج الأسد إلى إيجاد دينامية جديدة لإجبار الجماعات المتناحرة داخل أراضيه على العيش بجانب بعضهم بعضًا. وتقدّر الأمم المتحدة تكلفة إعادة بنائها بما يصل إلى 250 مليار دولار، وترفض الدول الغربية والخليجية حتى الآن المشاركة في جهود إعادة الإعمار.
وتعد الصين الدولة الأكثر قدرة على جلب الجماعات الصغرى المتناحرة إلى طاولة الحوار؛ لخبرتها الطويلة في إقامة علاقات متوازنة مع أعدائها. وتأسست العلاقات الدبلوماسية الصينية السورية عام 1956، وأولى زيارة لأوّل رئيس سوري (الأسد) إلى الصين عام 2004؛ ما يدل على أنه ينوي الاتجاه إلى الشرق والتغاضي عن الغرب. وحتى عام 2010، أصبحت الصين واحدة من كبرى خمس دول تزود سوريا بالأسلحة؛ ومن المؤكد أن هذا التدفق سيستمر في السنوات المقبلة.
وتريد الصين من دعمها لسوريا الحفاظ على الاستقرار داخلها واحتواء «المتطرفين»، وتطبيق الأيديولوجية الشيوعية الصينية داخل الشرق الأوسط مقابل الأيديولوجية الغربية المناهضة.
وشارك مقاتلون تابعون للأقلية المسلمة في الصين «الإيغور» في الحرب مع تنظيم الدولة داخل الأراضي السورية، وتصل أعدادهم إلى خمسة آلاف مقاتل، ولا تريد الصين عودتهم إليها مرة أخرى، كما تريد الفوز بعقود استثمارية في سوريا في حقبة ما بعد الحرب الأهلية، بغض النظر عن الفائز؛ فإذا مُوّلت مشاريع عبر قروض ومنح صينية فستحصل بذلك على موطئ قدم قوي هناك، وهو أمر مفيد لمبادرتها «الحزام والطريق».
وكانت الصين إحدى أكثر الدول توازنًا في ما يتعلق بالتدخل في الأزمة السورية، وأقل مشاركة في القتال؛ غير أنّ روسيا وإيران متورطتان إلى حدٍ كبير، وأوشك نظام الأسد على الفوز بسبب دعمهما. وتريد إيران الحصول على موطئ عسكري في سوريا مقابل دعمها للأسد. وقبل كل شيء، تريد إغضاب «إسرائيل»، العدو الأول لها، بجانب الحفاظ على وجود بشار.
بينما ترغب روسيا في الاحتفاظ بقاعدة طرطوس والقضاء على التطلعات الغربية في سوريا؛ أبرزها إزاحة بشار الأسد.
وعلى النقيض، ترتبط مصالح الصين عمومًا بالتنمية الاقتصادية والحفاظ على الاستقرار؛ لذلك فإنها أقرب الدول إلى التدخل في جهود إعادة إعمار سوريا، كما ساهمت سياسة الحياد التي اتبعتها في سوريا على تقوية موقفها لدى نظام الأسد، وكان هذا عاملًا مهمًا للاستقرار، إضافة إلى أن الصين الدولة الأكثر قدرة على جلب الأطراف المسلحة داخل سوريا للحديث؛ إذ يمتلك الصينيون خبرة كيرى في إجراء علاقات متزنة مع أعدائهم، وهو أمر مفيد للغاية في حالة الوضع السوري.
وترى «إسرائيل» أنّ الأفضل لها رؤية برنامج المساعدات الصينية والشركات الصينية تعيد بناء المناطق المدمرة في مرتفعات الجولان السورية. وبطبيعة الحال، القدرة الاقتصادية للصين تتفوق على القدرتين الروسية والإيرانية؛ لكنهما لهما تأثير أكبر على الأسد، وقد يميلان لصالح قرارات إعادة الأعمار بما يفيد الشعب السوري.
وأبدت شركات صينية بالفعل اهتمامًا بالغًا بجهود إعادة الإعمار داخل سوريا؛ ففي 24 يناير 2017 بحث وزير النقل السوري مع وفد صيني سبل تعزيز التعاون في مجالات النقل الجوي والبري وبناء السكك الحديدة.
من الصعب معرفة ما يريده الأسد وحلفاؤه فعلًا، لكن موقفهما تجاه الصين إيجابي جدًا؛ ومن المرجح أن يسعدا باعتماد برنامج إعادة الإعمار بالتعاون معها، ما سيبقيهما في السلطة لسنوات قادمة؛ ويبدو أن الاختيار الصيني قادر على توفير ذلك لهما، عكس الخطط الروسية والإيرانية التي قد تؤدي إلى اندلاع الحرب مرة أخرى.