من شأن خطة ترامب بشأن الفلسطينيين زيادة التطرف في المنطقة بشكل عام، وغزة بشكل خاص، إضافة إلى خطر اندلاع حرب جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومزيد من التهديدات لاستقرار الشرق الأوسط.
هذا ما يراه الكاتب «دونالد ماسينتير» في عرضه بـصحيفة «الإندبندنت» وترجمته «شبكة رصد»، ويؤكّد أنّ أنّ ثمة قادة وجنرالات «احتلاليين»، وبالرغم من كرههم للأونروا؛ شددوا على ضرورة ألا يخفّض تمويلها، خاصة وأنها ستترك القطاع المتدهور من الأساس في حالة من الغليان المعرّض للانفجار في أي لحظة.
لا مكان للضعفاء
وخطة ترامب وسفيرته نيكي هالي المسماة «صفقة القرن» لن يقبلها أحد، سواء الفلسطينيين أو الأمم المتحدة وغيرهما؛ خاصة وأنها تضرب الأساس الذي يقوم عليه الخلاف، وهو أزمة اللاجئين وتقسيم الحدود على أساس حدود 67.
وقال مايكل وولف في كتابه «النار والغضب» إنّ طريقة تفكير ترامب بخصوص الشرق الأوسط تتم على النحو التالي: يوجد في المنطقة أربعة فاعلين أساسيين: مصر و«إسرائيل» والسعودية وإيران، أولى ثلاث دول يمكن توحيدهم ضد إيران؛ وفي هذا الإطار مواجهتها. كما يمكن لمصر والسعودية أن تضغطا على الفلسطينيين للوصول إلى اتفاق أولا. وهذه الاستراتيجية تتماشى مع عقيدة السياسة الخارجية لترامب، التي تقوم على تجاهل الدول التي لا تتمتع بقوة كافية أو التضحية بها.
فخطة ترامب، التي لا يعلم أحد إلى أي مدى وصلت الآن، تقوم على تجاهل الفلسطينيين أو التضحية بهم؛ وهو ما اتضح من قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وتخفيض المعونة المقررة للأونروا إلى 300 مليون دولار؛ ما سيساهم في زعزعة استقرار الشرق الأوسط؛ لأنّ الوكالة تعمل على توفير الرعاية الصحية والتعليم لـ5.3 ملايين لاجئ يعيشون في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان والأردن، وهم ذوو أكثر من 700 ألف أسرة فلسطينية نزحت في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي في 1947 ولم يُسمح لهم بالعودة.
حرب جديدة
والأعذار التي ساقتها أميركا لتخفيض المعونة «تبعث على الضحك»؛ فحتى الآن هناك دلائل قوية على أنه بحلول الشهر القادم سيصبح أكثر من مليون لاجئ فلسطيني دون مساعدات غذائية؛ بالرغم من التحذيرات المتكررة لجنرالات احتلاليين من أن تخفيض المعونة سيزعزع استقرار غزة، التي تعاني أساسًا من تدهور في جميع المستويات، ويؤجج لخطر اندلاع حرب جديدة.
كما سيترتب على قراراه أيضًا دخول أكثر من عشرة آلاف معلم فلسطيني إلى طابور البطالة، بعد توقعات بعجز أكثر من 700 مدرسة على فتح أبوابها في سبتمبر المقبل، كما سيترك 270 ألف طفل فلسطيني دون تعليم؛ خاصة وأنها الفائدة الوحيدة الحقيقية التي تقدمها الأونروا، التي توفّر لهم فرصة مستقبل مرفّه.
زيادة التطرف
وغير ذلك، هناك احتمالية لزيادة التطرف في غزة. فوفقًا لـ«بيير كرينبول»، المفوض العام للأونروا، الذي يخوض جولات دولية حاليًا للحصول على متبرعين جدد لتغطية العجز في التمويل، قال في قمة ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي إنه يشعر بالقلق من احتمالية زيادة التطرف نتيجة القرار الأميركي.
وبعد جولات عدة، لم يتمكن «كرينبول» من تعويض العجز المالي؛ فلم تقدم أي حكومة غربية حتى الآن أي مساعدات بديلة، ربما احترامًا لقرار ترامب. وأضاف كرينبول أنّ الخوف من زيادة التطرف كان السبب الرئيس في الاستثمار في الأونروا، التي ترمز إلى الأمل وتوفير الفرص، كما إنها مقياس للاستقرار الإقليمي، موضحًا أنه السبب نفسه الذي جعل الدول الأوروبية تستقبل اللاجئين الفارين من سوريا والعراق في 2015، وإنفاق عليهم أضعاف أضعاف ما تنفقه الأونروا على اللاجئين الفلسطينيين؛ لتوفير منازل آمنة وسبل عيش آدمية.
ومهما كانت أسباب واشنطن لتقليل التمويل، لا يوجد سبب يستحق أن يضعف أداء الأونروا.
وغير الفلسطينين، استطاعت الأونروا تقديم الدعم للاجئين سوريين وعراقيين بعد التوترات الأخيرة في أراضيهم؛ بالرغم من التهديدات والمخاطر الشديدة التي واجهت موظفيها، إذ مات وفقد نحو 45 موظفًا في الحرب الأخيرة.
وهناك سياسيون بارزون في «إسرائيل» وأميركا يكرهون الأونروا بشدة؛ خوفًا من تكرار سرد اللاجئين الفلسطينيين في عام 48 مع السوريين. لكن، بالرغم من ذلك؛ «إسرائيل» لا تريد لها الانهيار؛ إذ يرى الجنرال السابق في جيش الاحتلال «بيتر ليرنر» أنّه إذا تُرك مئات الآلاف من الناس دون احتياجاتهم الأساسية فالنتيجة «مزيد من العنف».
لماذا أقدم ترامب على قرار كهذا؟
الإجابة الأكيدة والوافية أنّه اتخذ القرار لتهديد الرافضين لقراره بشأن القدس؛ لكنّ هناك مسؤولين أميركيين قدموا تفسيرات أخرى مناقضة، وأرجعوه إلى وجود عجز في الميزانية الأميركية.
لكنّ القرار جزء من خطط ترامب بشأن «صفقة القرن».
وحتى عام 2002، كانت جميع الدول، بمن فيها أميركا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وفلسطين وجميع الدول العربية، متفقين بشكل رسمي على ضرورة إنهاء الصراع وفقًا لحدود عام 1967، بجانب تدابير إضافية لحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وكانت الحدود وقضية اللاجئين حجري الزاوية في كل المفاوضات السابقة، وهي الاتفاقات التي دعمتها قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ولا يمكن لترامب أن ينهي الوضع وفقًا لطريقته الخاصة، سواء بتقديم عروض مالية للأردن على سبيل المثال لاستضافة اللاجئين للأبد، أو تحميل مسؤوليتهم للأمم المتحدة، للوصول إلى اتفاق السلام؛ ولن يوجد أي ممثل فلسطيني أو غيره يستطيع قبول هذه الخطة.