أثار الفيلم الوثائقي الذي نشرته شبكة «بي بي سي» البريطانية مؤخرًا ووثّق شهادة «أم زبيدة» عن تعرّض ابنتها، البالغة من العمر 23 عامًا، إلى التعذيب والاغتصاب داخل السجون المصرية في 2014 قلق نظام السيسي؛ إذ تحركت أذرعه الإعلامية في محاولة لتكذيب شهادتها وادّعاء تزوير القناة البريطانية للتقرير.
وأمس، تحركت الرئاسة المصرية نافية صحة الفيلم الوثائقي، بقولها إنّ «ما تضمنه التقرير محض أكاذيب وادعاءات بشأن الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر، وأوضاع السجون وحقوق الإنسان، وينطوي على تناقضات وانحياز سلبي، وانتهاك لكل المعايير المهنية في مجال الصحافة»؛ وهنا كان للابد من تحرك أذرعها الإعلامية.
وكان عمرو أديب الأداة الأولى التي حركها النظام لإنقاذ الموقف، خاصة وأنّ الفيلم الوثاقي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير؛ فاستضاف في برنامجه «كل يوم» على فضائية «on e» اليوم الاثنين «زبيدة»، وقالت إنّها «لم تلتقِ بوالدتها منذ عام، وهناك خلافات عائلية تمنعها من التواصل مع والدتها»، بل ونفت دخولها السجن كما قالت والدتها، وفقًا لما ذكرته في البرنامج.
التشكيك في التقرير
وفور بث الحلقة أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات، التي يرأسها نقيب الصحفيين الأسبق الموالي للنظام ضياء رشوان، بيانًا مساء الاثنين مطالبة «بي بي سي» بتقديم «كل ما هو لازم من إجراءات مهنية وإدارية لتصحيح ما ورد في التقرير من أخطاء وتجاوزات»، مستندة إلى ظهور «زبيدة» مع عمرو أديب؛ ورأت أن ذلك «ينفي تمامًا صحة تقرير بي بي سي بالاختفاء القسرى للمواطنة وتعرضها للتعذيب»، وفق قولها.
وسبق أن نفت الهيئة العامة للاستعلامات وقائع التعذيب الموثقة في الفيلم، قائلة إنه «انطوى على تناقضات، وانحياز سلبي، وانتهاك للمعايير المهنية في مجال الصحافة والإعلام». واتهم رشوان كاتبة التقرير بـ«فرض آرائها، وانطباعاتها الشخصية المتحيزة، من دون سند واقعي، ومخالفة القواعد المهنية المتعارف عليها دوليًا».
23-year-old Zubeida is one of 1,500 Egyptians who vanished from the streets in what human rights campaigners call enforced disappearances. Zubeida’s mother spoke to @OrlaGuerin about the torture her daughter was subjected to at the hands of the police #newsnight pic.twitter.com/mzdbMBaoqP
— BBC Newsnight (@BBCNewsnight) February 21, 2018
الضوء الأخضر للداخلية
وقالت منظمات حقوقية إنّ تعذيب المعتقلين داخل السجون المصرية أصبح في عهد عبدالفتاح السيسي أمرًا روتينيًا ومعتادًا، بل و«وباء»؛ بسبب انتشاره وممارسته بشكل ممنهج.
ومنذ 3 يوليو 2013 تحوّلت السجون ومقار الاحتجاز في مصر إلى ما تشبه المقابر الجماعية؛ نظرًا إلى المعاملة غير الآدمية والتعذيب البدني والنفسي غير المسبوقين ويمارسان بحق معارضي «السيسي».
ولم تفلح التقارير الحقوقية المحلية والدولية، ولا الإدانات، في وقف هذه الانتهاكات ولا حتى التخفيف منها؛ إذ استمر النظام في انتهاج سياسة للتعذيب قتلت المئات، أو عبر الظروف المعيشية البالغة السوء أو الإهمال الطبي ومنع تلقي العلاج.
وقال تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» في سبتمبر الماضي إنّ ضباطًا من الشرطة وأفرادها وقطاع الأمن الوطني في عهد السيسي يعذّبون المعتقلين السياسيين بشكل روتيني، بأساليب تشمل الضرب والصعق بالكهرباء ووضعيات مجهدة، وأحيانًا الاغتصاب. وأضاف أنّ النيابة العامة تتجاهل عادة شكاوى المحتجزين بشأن سوء المعاملة، بل وتهدّدهم أحيانًا بالتعذيب؛ ما يشيع بيئة من الإفلات شبه التام من العقاب.