تحوّلت الاحتجاجات الإيرانية التي اندلعت في ديسمبر الماضي واستمرت أسبوعين في النهاية إلى صالح النظام، بقيادة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني؛ الذي تمكّن مؤخرًا من الضغط على مؤسسات الدولة، خاصة العسكرية والتابعة للحرس الثوري الإيراني، بضرورة إعطاء الفرصة للشركات والقطاع الخاص بالدخول إلى السوق، وتقليل الأنشطة الاقتصادية المنفصلة عن الأعمال العسكرية.
هذا ما رصدته الكاتبة الأميركية «إيرين كونينجهام» في تحليلها بصحيفة «واشنطن بوست» وترجمته «شبكة رصد»، وقالت إنّ روحاني رأى أيضًا في الاحتجاجات الإيرانية فرصة نادرة للضغط من أجل الإصلاح؛ خاصة وأنّه يواجه مقاومة عنيفة من المتشددين منذ فوزه بولاية ثانية العام الماضي، ويتمتع رجال الدين هناك بسلطة مطلقة. وفي الوقت الذي خرج فيه المتظاهرون الإيرانيون، الساخطون على القمع السياسي والتدهور الاقتصادي، لمدة أسبوعين تقريبًا؛ استغل روحاني غضبهم لتعزيز جدول أعماله.
كما استطاع الرئيس الإيراني زيادة الضغط على القوات المسلحة، بما فيها قوات الحرس الثوري الإيراني، للخروج من الدوائر الاقتصادية، واتخذ خطوات جادة لإصلاح القطاع المصرفي المتسم بالفوضوية؛ خاصة وأنّ المقرضين غير الشرعيين استولوا على مدخرات المودعين الصغار، ما ساهم في إثارة الاضطرابات، التي دعمها «ترامب» وطالب خصومه الإيرانيين بضرورة الاستجابة لمطالب المتظاهرين.
وكان روحاني قال إنّ المواطنين لديهم اعتراضات وانتقادات ومن حقهم التعبير عن أنفسهم، مضيفًا في مؤتمر صحفي في وقت سابق أنّ الاعتراضات ليست بسبب الاقتصاد فقط، موضحًا أنهم لديهم ما يريدون قوله بشأن القضايا السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية، ومضيفًا: «يجب أن نصغي إليهم، ومعرفة ما يردونه».
ولاقت تصريحات روحاني قبولًا نوعًا ما من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اعترف بدوره اليوم الأحد بالانتقادات الموجهة للنظام الإيراني، وقال إن المسؤولين الإيرانيين يدركون جيدًا القضايا التي تعاني منها إيران.
وقال «أمير هاندجاني»، الباحث في مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي، إنّ روحاني فعل أكثر مما فعله أي رئيس إيراني آخر؛ بدعوته إلى إصلاحات سياسية واقتصادية، مضيفًا أنّه بهذه التصريحات نفى الفكرة القائلة بأنّ المتظاهرين كانوا مدفوعين بأجندات خارجية من محرضي الفتنة، وأعطاهم مساحة لعرض مظالمهم ومطالبهم؛ أبرزها حقهم في انتقاد واستجواب قاداتهم.
وأضاف هاندجاني أنّ روحاني، الذي يعتبر زعيمًا حكوميًا إصلاحيًا، ما زال مقيدًا في ما يمكن أن يفعله؛ بسبب الطريقة التي يسير بها النظام الإيراني، موضحًا أنّ القوة المطلقة للمرشد الأعلى ومجلس الشورى الإسلامي، ويمكن القول إنّها حكومة ثيوقراطية لها سلطة الفصل في جميع المسائل المتعلقة بالدولة، غير أن روحاني نجح في فتح نقاش بشأن هذه السلطة.
ودعا روحاني في الأسابيع الأخيرة كيانات الدولة الإيرانية ومؤسساتها كافة إلى ضرورة تفريغ أصولها وإفساح المجال للقطاع الخاص؛ خاصة الحرس الثوري الإيراني، الذي يحافظ على شبكة كبرى من الشركات التي تشمل جميع المجالات من البنى التحتية إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية، كما يؤدي دورًا مؤثرًا للغاية في الاقتصاد.
وأكّد «هنري روما»، الباحث الإيراني في «بلوتيكال ريسكس» التابع لمجموعة أوراسيا، أنّ ما نجح فيه روحاني هو تسليط الضوء على تفشي الفساد والتعتيم الذي يتسبب فيه الحرس الثوري وأعاق النمو، ودعا روحاني في الأسابيع الأخيرة المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية إلى ضرورة وقف أنشطتها التجارية أو تقليلها.
وقال وزير الدفاع الإيراني «عمير حاتمي» الشهر الماضي إنّ خامنئي كلف الأركان العامة للقوات المسلحة بضرورة الإشراف على خروج القوات العسكرية الإيرانية من الأنشطة الاقتصادية المنفصلة عن العسكرية.
كما أصدر روحاني تعليماته الشهر الماضي إلى البنك المركزي بضرورة وقف إصدار تصاريح للبنوك الجديدة الخاصة، قائلًا إنّ البنك المركزي ضخ ما يقارب من 205 مليارات دولار لإنقاذ أموال المودعين. لكن، حتى بالرغم من ذلك، قد تعيق أزمات سياسية واقتصادية التقدّم.
وشهدت إيران اضطرابات في الأسابيع الأخيرة، ونظّمت نساء إيرانيات تظاهرات في طهران ومدن أخرى، وأزلن حجابهن علنًا؛ خاصة وأنه مفروض عليهن قانونًا. وفي هذا الأسبوع، قتل خمسة من قوات الأمن في طهران عقب اشتباكات مع أعضاء من تنظيم صوفي تجمّعوا أمام منزل زعيمهم؛ خشية اعتقاله.
وغير النساء، استمر العمال والمتقاعدون في تنظيم احتجاجات صغرى ومتفرقة؛ بسبب الأجور والمزايا المتاخرة، بمن فيهم عمال من شركات بناء ومصانع للسكر وآخرون غير مقيدين بوزارة العمل الإيرانية. كما شهدت البلاد أيضًا حالات وفاة كثيرة لمعتقلين داخل السجون؛ بمن فيهم ناشط بيئي بارز توفي بعد أيام من اعتقاله، بجانب التدني السريع للعملة الإيرانية، وتراجعها بنسبة 13% أواخر ديسمبر الماضي بسبب العقوبات الأميركية، واعتقلت الحكومة تجار السوق السوداء واتهمتهم بأنهم السبب.
ووصف «فرزان صابيت»، الزميل في مركز الحوكمة العالمي التابع لمعهد الدراسات العليا في جنيف، الوضع الإيراني الحالي بالسيئ؛ موضحًا أنّ الاقتصاد آخذ في الركود، ويواجه الشباب صعوبة في الحصول على عمل. كما فقد المدخرون، خاصة المتقاعدين، معظم مدخراتهم بسبب الإدارة السيئة في الدولة وتفشي الفساد؛ وكلها أمور دفعت نقادًا إلى اتهام روحاني بالفشل.
وقال الإصلاحي البارز «مصطفى تاج زاده»، في مقابلة أجراها مؤخرًا مع وكالة أنباء العمل الإيرانية، إنّ روحاني فقد شفافيته وصراحته؛ إذ كان يعتقد أنّ الرئيس الإيراني الحالي قادر بما فيه الكفاية ليتجنّب التوجّه نحو اليمين المتشدد، لأنه يعلم أنه سيفقد جماهيريته إذا فعل ذلك، مطالبًا إياه بضرورة توخي الحذر.
وفي البرلمان، ضغط الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء على روحاني بعد إعلانه ميزانية السنة المالية الجديدة، التي شهدت انخفاضًا حادًا في الإعانات الحكومية، التي كانت شرارة للاضطرابات في ديسمبر الماضي.
لكنّ «محمد علي شعباني»، رئيس تحرير صحيفة «المونيتور» في إيران، أكّد أنّ الرئيس ما زال يملك السلطة والفرصة لإحداث تغيير، مضيفًا أنّ روحاني، يستطيع الآن مواجهة شبكات المصالح التي تعوق فرص الإصلاح، ولديه تفويض شعبي للتغيير والضغط على النظام المتشدد.