في الأسابيع التي تلت خطاب ترامب الأخير، كُتبت تقارير وتحليلات عن النقاط التي تحدّث فيها؛ لكنّ المثير للقلق تجاهله الإشارة إلى اليمن، خاصة وأنه بلد نفّذ فيه الولايات المتحدة حملات عسكرية منذ عام 2011، بجانب انتقاد إدارة ترامب للسعودية بسبب حصارها للموانئ اليمنية في ديسمبر 2017. وبخلاف تفضيل البيت الأبيض الصمت على الجرائم التي ارتكبتها السعودية في حق اليمنيين وما زالت، خاصة ضرب الأهداف المدنية؛ قدّمت أميركا لها دعمًا يمكّنها من مواصلة حربها.
بهذا الرصد، تناول المحلل السياسي «مات رايسنير» الأزمة اليمنية، بمجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية المعنية بالتحليلات العسكرية وترجمته «شبكة رصد»؛ مطالبًا بضرورة الضغط على السعودية لتخفّف من حدة حملتها العسكرية على اليمن، وإجبارها على تغيير تكتيكاتها المشنية التي تسبّبت في أن تصبح أرضًا لأسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، محذرًا من خطر تجاهل الأزمة هناك وتجاهل الدور السعودي في تفاقمها؛ خاصة وأن المملكة حليف موثوق فيه للولايات المتحدة.
أيضًا، على الإدارة الأميركية أن تخرج عن صمتها تجاه أخطاء السعودية المتعلقة بالأزمة اليمنية، وأن تمارس تأثيرها على حكام المملكة؛ للحد من الغارات الجوية التي تستهدف السكان المدنيين، وفاقمت الصراع.
وبدأ الصراع اليمني في 2014 على هيئة خلاف بين حكومة الرئيس المعترف به دوليًا عبدربه منصور هادي والحوثيين، ثم تطوّرت الأزمة بسرعة كبرى لدرجة تدخل أطراف خارجية فيها؛ خاصة بعد سقوط حكومة هادي في صنعاء، ما مهذد الطريق لعشرة أقطاب بقيادة السعودية لمساعدته على استعادة سلطته. ولم يكن قرار المملكة مفاجئًا؛ لرغبتها في الحفاظ على حدودها الجنوبية من الحوثيين وتفضيل هادي السني على الشيعة.
كما إنّ اختيار الولايات المتحدة تقديم الدعم للتحالف السعودي لم يكن مفاجئًا؛ فالمملكة من أكثر حلفاء الولايات المتحدة ثقة وأهمية في الشرق الأوسط؛ بسبب صادراتها النفطية الكبرى واستعداداها لمساعدة أميركا في مواجهة النفوذ الإيراني في «الخليج الفارسي».
أهداف أميركية سعودية
إضافة إلى ذلك، للسعودية وأميركا مصلحة في منع سيطرة الحوثيين على اليمن؛ حتى لا تكسب إيران نفوذًا في الخليج وتهدّد حدود السعودية الجنوبية. وبسبب هذه المصلحة؛ ازداد دعم أميركا للتحالف في ظل إدارة ترامب، وهو ما ترجمه التوصل إلى صفقة عسكرية قيمتها 110 مليارات دولار، وزيادة جهود أميركا في تزويد الطائرات السعودية بالوقود لمواصلة غاراتها على اليمن، كما إنّ تحقيق السلام في اليمن في ظل حكومة عبدربه منصور هادي يصب في مصلحة أميركا.
لكنّ الأضرار البالغة التي سبّبتها السعودية لأفقر بلدان العالم العربي شكّلت سببًا خطيرًا وعميقًا للقلق؛ إذ قُتل قرابة 300 مدني في شهر ديسمبر الماضي وحده بسبب الغارات السعودية. وساهم الحصار، الذي انتهى مؤخرًا على الموانئ اليمنية والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، في إصابة سبعة ملايين يمني بالمجاعة، وفي غارة واحدة أيضًا في 2016 قتلت السعودية 140 مدنيًا بعد أن أخطأت الهدف وقصفت جنازة.
وبالرغم من العروض التي قدمتها إدارة ترامب للسعودية للحد من الخسائر في صفوف المدنيين، بتحسين دقة الضربات والتحقيق الشامل في الظروف التي سببت الأخطاء السابقة؛ لم تبد القيادة العسكرية للمملكة استعدادًا لتغيير تكتيكاتها المدمرة.
وهناك أدلة دامغة على إصرار السعوديين على استهداف البنى التحتية المدنية، واختلاق أزمات انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون؛ إذ استهدفت مئات الغارات عمدًا المزارع والأسواق ومرافق تخزين الأغذية، ودمّرت نحو مائتي سفينة صيد. وبالرغم من رفعها للحصار على الموانئ اليمنية في ديسمبر الماضي؛ لم تعد موانئ منها صالحة للاستخدام بسبب الهجمات السابقة؛ ما أدى إلى تأخير وصول المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية الأساسية للسكان المحاصرين.
تداعيات سلبية
وبسبب استراتيجيتها المتمثلة في تجويع اليمنيين؛ أصبح اليمن، الفقير أصلًا، من أكثر الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وسط غياب إشارات واضحة على قرب انتهاء الحرب.
وللأسف، التداعيات السلبية لأفعال السعودية في اليمن تجاوزت الشواغل الإنسانية؛ ففي المدة التي ركّزت فيها الممكلة جهودها على مقاومة الحوثيين، استطاع تنظيم القاعدة تعزيز موقعه والسماح بتهريب كميات مهولة من الأسلحة من السعودية إلى التنظيمات التابعة للقاعدة في اليمن. كما دفعت التكتيكات العدوانية للجيش السعودي كثيرًا من اليمنيين إلى اعتبار السعودية قوة استعمارية مزعزعة للاستقرار؛ ما مكّن «القاعدة» من تعزيز أجندته في شبه الجزيرة العربية؛ فكلما طال أمد الصراع واستهداف المدنيين ازداد خطر إعادة تأسيس التنظيم وتوسيع موطئ قدمه في شبه الجزيرة.
إضافة إلى ذلك، ازداد الانقسام السياسي بشكل أكبر مما حدث في بداية الحرب؛ وهو ما اتضح مؤخرًا من اندلاع أعمال عنف في مدينة عدن بين مختلف الجماعات التي تقف في جانب التحالف السعودي، ولا توجد أيّ إشارة على قرب انهزام الحوثيين حتى بعد وفاة علي عبدالله صالح. وغير ذلك، توقّفت جهود الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في محاولة استعادة العاصمة صنعاء، كما فشلت كل محاولات جلب المتورطين إلى طاولة المفاوضات.
نفوذ أميركي
وعلى الولايات المتحدة سرعة الضغط على الحكومة السعودية لضبط تكتيكاتها العسكرية في اليمن، متوقعًا في الوقت نفسه عجزها على إقناع السعودية بالتخلي عن حملتها بالكامل؛ فليس من مصلحة البلدين أن يحدث ذلك. لكن، من المرجح أن تستجيب السعودية لفكرة ضبط آلياتها؛ وهو ما اتضح من قبولها تخفيف الحصار على الموانئ في ديسمبر الماضي.
وتمتلك أميركا نفوذًا كبيرًا على السعودية، ولديها أوراق ضغط تمكّنها من ذلك؛ فمعظم الأسلحة التي تستخدمها المملكة أميركية الصنع، إضافة إلى تزويد طائراتها بالوقود. ومن شأن استخدام هذه الأوراق إقناع السعودية بتعديل سلوكها المشين.
وأخيرًا، تكمن الفرصة المثالية لإدارة ترامب لإجبار السعوديين على تغير تكتيكاتهم حاليًا في ظل التوترات الأخيرة بين السعودية وحليفتها الإمارات بشأن النهاية المرجوة من الحرب؛ إذ تدعم السعودية «حزب الإصلاح» التابع لجماعة الإخوان، بينما تدعم الإمارات «الحركة الانفصالية الجنوبية»؛ وأصبح من الواضح أن الإمارات لم تعد تتشارك مع السعودية القلق بشأن تمدّد إيران في اليمن، وهو ما ترك السعودية أكثر يأسًا مما مضى؛ وبالتالي فالوقت الحالي هو الأنسب للولايات المتحدة في الضغط على السعودية.