منذ تداول أنباء توزيع مجموعات تابعة للقيادي المفصول من حركة «فتح» الفلسطينية محمد دحلان وجبات غذائية تحمل صوره على العالقين عند «الأكمنة» الأمنية في سيناء اليوم الجمعة، بسبب الحملة العسكرية التي تقودها القوات المسلحة المصرية هناك؛ أثير الجدل وطُرحت تساؤلات عن دور «دحلان» الذي يسمح له بفعل ذلك في الوقت الذي تغيب فيه أجهزة الدولة المصرية المعنية عن أداء دورها الطبيعي.
وأوقف «الجيش الثاني الميداني» العبّارات المُخصصة كافة لنقل البضائع من المحافظات المختلفة إلى سيناء منذ إطلاق القوات المسلحة المصرية في التاسع من فبراير الجاري حملتها المسماة «العملية الشاملة 2018» بزعم مكافحة الإرهاب في سيناء؛ وارتفعت صرخات استغاثة الأهالي بسبب نقص المواد والسلع التموينية والأدوية ولوازم مزارع الدواجن، التي تزيد على الألف وجميعها معرضة للهلاك؛ بسبب منع وصول الأعلاف والأمصال اللازمة.
وسيط صفقة القرن
من جانبه، علّق المحلل السياسي الموريتاني محمد مختار الشنقيطي على توزيع «دحلان» الوجبات الغذائية قائلًا إنّ «اللعبة الآن أصبحت مكشوفة للجميع؛ وبهذا الإجراء أعلن رسميًا عن دوره في قصف سيناء تمهيدًا لتوطين الفلسطينيين فيها وتنفيذ صفقة القرن وتسليم الإشراف الأمني عليها للاحتلال الإسرائيلي».
وأضاف الشنقيطي في تصريح لـ«رصد» أنّ «على الشعبين المصري والفلسطيني إدراك هذا جيدًا؛ فصفقة القرن تقوم على قدم وساق، وبوتيرة سريعة؛ تبدأ بتهجير أهالي سيناء وتطفيشهم منها، ثم تسليم مفاتيحها إلى الكيان الصهيوني ومحمد دحلان».
رجال «دحلان»
وقالت مصادر سياسية مصرية مؤخرًا إنّ ثمة أزمة بين حركة «فتح» ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في ظلّ إصرار الجانب المصري على منْح دحلان مساحة كبرى للتحرك من أراضيه؛ خاصة بعدما سمح جهاز الاستخبارات المصري، الذي يترأسه حاليًا اللواء عباس كامل، بعقد لقاء بين «تيار دحلان»، برئاسة الرجل الثاني فيه سمير المشهراوي، ووفد حركة «حماس» برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، منتصف الأسبوع الماضي.
أيضًا، في منتصف العام الماضي، سمحت السلطات المصرية لدحلان بعقد مؤتمر حاشد لقيادات الحركة المحسوبين عليه بفندق «الماسة»، التابع للقوات المسلحة في قلب القاهرة، وسهّلت دخولهم عبر فتح معبر رفح استثنائيًا.
وفي سيناء مجموعات تابعة لدحلان يؤدون «واجبات لمساعدة النظام المصري في أنشطة هناك»، كما قال بنفسه في مقطع فيديو مشهور، وأقرّ بوجود جنود له في سيناء هربوا من قطاع غزة.
وكشفت مصادر مصرية أنّ في سيناء مائتا ضابط فلسطيني على الأقل يتبعون دحلان منذ عهد مبارك، ويتورطون في تهريب مخدرات لسيناء وفي أعمال إرهابية ضد المنشآت السياحية المصرية، وهم على علاقات وثيقة واتصالات دائمة مع الموساد والمخابرات الأميركية.
كما أكّد شهود عيان في سيناء هذا الأمر أكثر من مرة، وقال دحلان إنّ «أشخاصه في سيناء ليسوا عسكرًا؛ إنما لي أفراد فتحاوية (ينتمون إلى حركة فتح)».
تنسيق مع المخابرات المصرية
في سبتمبر 2016، بثت قناة «مكملين» تسجيلًا صوتيًا مسربًا لمكالمة هاتفية بين «دحلان» واللواء وائل الصفتي، مسؤول الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية؛ وجاء فيه سخط المخابرات المصرية عن جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وهاجم المصري الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقال إنّه لا يملك ذكاء في التصرف الذاتي، وعليه تأثيرات من الخارج، وفشل في المبادرات السلمية.
قلب المؤامرت
لم يستبعد الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي ضلوع «تنظيم الدولة» في الهجوم على مسجد الروضة بسيناء، وتساءل عبر «فيس بوك»: «كيف يفجر الإرهابيون حاضنتهم الشعبية وأهلهم وذويهم بسيناء؟»، متحدثًا عن مصير ضباط محمد دحلان الموجودين في سيناء و«احتمال ضلوعهم في التفجير».
وسبق وذكر تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية أنّ دحلان «قلب المؤامرات السياسية والمالية في الشرق الأوسط، وله دور في تخريب الثورات العربية ومحاصرة الإسلاميين، ويحظى في كل تحركاته بدعم سخي ورعاية كريمة من صديقه الحميم ولي عهد الإمارات محمد بن زايد».
وقال مراسل الصحيفة في بيروت «بنيامين بارت»، في تحقيقه إنّ «دحلان» يحوم من جديد في سماء غزة واسمه على كل لسان وأمواله تشغّل كل الأذهان. وأضاف أنّ قائد جهاز الأمن الوقائي السابق، البالغ من العمر 56 عامًا، هو أحد الفاعلين الرئيسين في خطة جيوسياسية كبرى تشارك فيها مصر والإمارات وجهات فلسطينية، وتستهدف استعادة قطاع غزة من الإسلاميين المنهكين بعشر سنوات من الحصار وثلاث حروب مع «إسرائيل».