بعد شهر من توليه رئاسة الولايات المتحدة، أعرب دونالد ترامب عن أسفه بأنها لم تعد تفوز في الحروب مثل السابق، وقال أمام حكام للولايات الأميركية: «عندما كنتُ صغيرًا في المدرسة الثانوية، كان الجميع يقول إنّ أميركا لم تخسر حربًا، والآن لم نكسب حربًا».
يحاول أستاذ التاريخ الأميركي «دومينيك تيرني» تفسير هذا السبب في مقاله بشبكة «فوكس» الأميركية، وترجمته «شبكة رصد»، ويرى أنّ الولايات المتحدة لا تزال قادرة على كسب الحروب ضد «المتمردين» داخل البلدان المختلفة، وهذا نوع من الحروب العالقة فيها أميركا منذ مدة؛ فلم تدخل في حرب مباشرة ضد جيوش تقليدية منذ مدة، ربما آخرها الحرب العراقية عام 2003.
والآن، يغرق الجيش الأميركي في صراعات بأفغانستان والعراق وسوريا واليمن؛ ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا.
ومنذ عام 1945، نادرًا ما حققت الولايات المتحدة انتصارًا ذا مغزى؛ لكنّها حقّقت انتصارات خفيفة في معارك مع كوريا وفيتنام وحرب الخليج والعراق وأفغانستان، وهناك أسباب وراء ذلك؛ إذ تحوّلت طبيعة الحروب التقليدية إلى ما يشبه الصراعات الأهلية، وتفوز فيها أميركا لكنها لا تكسب المعركة بأكملها.
وتعدّ الحرب استكمالًا للسياسة، وفي النهاية تحقيقًا للأهداف السياسية، والسبب في فوز الولايات المتحدة في كل الحروب حتى عام 1945 أنّها كانت تقليدية وبين الجيوش وبعضها بعضًا؛ لذا جاء انتصار الولايات المتحدة ساحقًا. والآن، 90% من الحروب التي تخوضها أميركا «أهلية».
وكانت أطول ثلاث حروب في التاريخ الأميركي بفيتنام وأفغانستان والعراق، وكلها حدثت في العقود الأخيرة، وكانت الولايات المتحدة قوية جدًا حتى الحرب العالمية الثانية؛ خاصة بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي.
لكن، يفشل الجيش الأميركي حاليًا في التكيّف مع الحقبة الجديدة من الحروب بالرغم من امتلاكه وسائل النجاح؛ كالأسلحة المتطورة والميزة التكنولوجية. وعندما بدأ القتال ضد «المتمردين»، كانت هناك حاجة إلى وسائل أخرى أكثر فاعلية؛ وهو ما أحبط الولايات المتحدة.
أحد أهم مصادر الإحباط أننا لم نعد نرى العدو بشكل واضح؛ فالعدو الحالي لم يعد يرتدي الزي الرسمي، ويختبأ وسط السكان المحليين. وبالرغم من قدرة الجيش الأميركي على تحديد أهدافه بدقة لا يستطيع التصرف؛ خاصة إذا لم يكن يعرف أين يختبئ العدو بالضبط.
في العراق -على سبيل المثال- اعتقدت أميركا أنّ الحرب ستنتهي بمجرد الإطاحة بصدام حسين والتأسيس لديمقراطية جديدة؛ لكنّ ما حدث بعد الحرب لم تتوقعه جيدًا، وهو صعود تنظيمات وجماعات مسلحة ذات أهداف متباينة؛ ما جعل أوباما يقول: «لا مزيد من الحرب في العراق»، وقرّر انسحاب الجيش الأميركي، كما كان التدخل الأميركي في ليبيا بعد 2011 أسوأ خطأ وقع فيه أوباما، وأدرك بنفسه ذلك.
ولا يتعلّم الرؤساء الأميركيون جيدًا من دروس التاريخ، فإذا كان بإمكانه التعلم من درس العراق جيدًا لما تدخّل في ليبيا؛ بالرغم من إدراكه جيدًا أن وجود الجيش الأميركي في العراق كان خطأ فادحًا.
وليفوز الجيش الأميركي في حقبة الحروب الجديدة عليه امتلاك بُعدي المهارات والخبرات الأخرى المميزة؛ كدراسة تاريخ الدولة المشارك على أرضها ولغتها المحلية، وتوفير التدريب الثقافي لأفراده؛ ما يعني التقليل من الأموال التي تنفق على الأسلحة، والاهتمام بالمستوى الثقافي للجنود.
أيضًا، الجيش الأميركي جيد في الإطاحة بالأشخاص والتنظيمات لكنه فاشل في ملء الفراغ؛ ما يؤدي إلى احتلال جماعات أخرى لهذا الفراغ، وغالبًا ما تكون أجندتهم معادية للأجندة الأميركية؛ لذا تجد نفسها في دائرة مفرغة، مثلما حدث في أفغانستان على سبيل المثال؛ إذ هُزم «طالبان» ثم عاد مجددًا بشكل أقوى، وكذلك تنظيم القاعدة في العراق حل محله «تنظيم الدولة»؛ وهكذا.
وفي النهاية، ستتراجع مشاركة أميركا في هذا النوع من الحروب، وتركّز أكثر مع القوى الصاعدة كالصين وروسيا. ولتفوز بالحروب المتورطة فيها حاليًا في الشرق الأوسط عليها أن تضع أهدافًا أقلّ وأحلامًا أقل؛ لتنتهي منها سريعًا.