سلّطت صحيفة «ديلي بيست» الضوء على التنسيق الأمني بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكيف كان يسير طوال المدة الماضية، ومدى تأثير قرار ترامب عليه، وأنّه أنقذ حياة مئات الإسرائيليين، خاصة المستوطنين، موضحة أيضًا أنّ التهديد بخفض التمويل للسلطة الفلسطينية والأونروا ليس في صالح هذا التنسيق إذا أرادت أميركا الحفاظ على الأمن والاستقرار الإسرائيليين.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ مصادر طبية فلسطينية أفادت أنّ جنديين احتلاليين يرتديان الزي الرسمي ضلّا الطريق وسط مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) مساء يوم الاثنين الماضي، وقابلهما عشرات السكان المحليين الفلسطنيين وأجبروهما على التوقف ورشقوا سيارتهما الجيب العسكرية بالحجارة. وفي خضم الصراع المرهق، شاهد فرد تابع للشرطة الفلسطينية المشهد؛ فسارع إلى محاولة الضغط على الفلسطينيين وأمرت قوات الأمن الفلسطينية بالانتشار في المكان، ما ساهم في إنقاذ الجنديين الاحتلاليين ونقلهما بأمان إلى السلطة الاحتلالية؛ وبذلك تفادى مأساة كبرة، وإن لم تكن أزمة سياسية أكبر.
لم يكن حدث الجنين المشار إليه منفردًا؛ ففي وقت سابق من هذا الشهر سلك مدني إسرائيلي بالخطأ طريقه إلى قرية خارج القدس، ثم تجمع حوله مائتا شخص فلسطيني، لكنّ قوات الأمن تدخلت وأنقذته من بين أيديهم. ووفقًا للأرقام الرسمية الفلسطينية، ففي 2017 وحده وصل أكثر من 500 إسرائيلي إلى مناطق خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية في الشفة الغربية، واحتجزوا جميعًا بأمان إلى أن أعيدوا إلى السلطة الاحتلالية دون أي إصابات.
هذا نوع من العمل يُطلق عليه «التنسيق الأمني الإسرائيلي الفلسطيني»، وهو مصطلح غامض لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن تعريفه أو قياسه. فبالإضافة إلى إعادة الإسرائيليين الذين ضلوا طريقهم، يشمل أيضًا التنسيق في جوانب أخرى؛ كتبادل المعلومات الاستخباراتية ومكافحة الإرهاب، والتنسيق أثناء الغارات الجوية التي تقودها «إسرائيل» على المناطق التابعة للسيطرة الفلسطينية، ومكافحة الشغب. وفوق كل هذا، يقف القرار الاستراتيجي للرئيس الفلسطيني محمود عباس «لا للعنف».
كما إنّ الضباط الإسرائيليين والفلسطينيين على اتصال مستمر ببعضهما بعضًا، يوميًا وأسبوعيًا. وقال مسؤول أمني كبير في السلطة الفلسطينية إنّ هذه الاتصالات لمناقشة التهديدات المشتركة في الضفة الغربية التي يمكن أن تؤثر على الوضع الأمني المستقر على الجانبين، وغالبًا ما تكون أنشطتهم العسكرية المشتركة ضد حركة حماس. فبحلول نهاية 2016، كانت قوات الدفاع الشعبي الفلسطينية مسؤولة عن ثلاثة أرباع الاعتقالات المشبوهة بحق أعضاء حركة حماس.
لكن، عندما تريد «إسرائيل» إدارة الأمور بيديها فقط فإنها تفعل؛ إذ تقود غارات اعتقال ليلية على المدن الفلسطينية، مثلما فعل جيش الاحتلال بمداهمات في منطقة جنين استهدفت خلية تابعة لحماس ومسؤولة عن قتل مستوطن إسرائيلي، واستغرقت المداهمة وقتًا قياسيًا تجاوز الـ15 ساعة داخل المخيم. وقالت تقارير إنّ المخابرات الفلسطينية ساعدت «إسرائيل» في ذلك.
كما تساعدهم السلطة الفلسطينية أيضًا في وقف أعمال التظاهرات الواسعة النطاق، خاصة في مناطق التماس الحساسة؛ مثل الطرق السريعة ونقاط التفتيش والمستوطنات، وليس من قبيل الصدفة في الشهرين الماضيين منذ خطاب الرئيس دونالد ترامب في ديسمبر، الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»؛ كان مستوى الاضطرابات فاترًا، وأفادت تقارير حينها بأنّ قوات الدفاع الشعبي عملت على وقف المتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى الخطوط الأمامية، ولم تسعَ السلطة الفلسطينية إلى تعبئة شعبها ضد القرار.
وكما قال مسؤول كبير في جيش الدفاع الاحتلالي لـ«الديلي بيست»، فالتنسيق الأمني مع قوات الدفاع الشعبي ازداد منذ خطاب ترامب؛ بالرغم من التهديدات الفلسطينية الأخيرة بإعادة النظر في هذه العلاقات. وعلى عكس الخطوة الفلسطينية التي اتخذت في الصيف الماضي، علّقت مؤقتًا التنسيق على المستويات العليا؛ حتى ترامب نفسه اعترف من قبل بالدور الحيوي الذي تؤديه قوات الدفاع الشعبي، وقال إنه يجب أن نواصل بناء شراكتنا مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لمواجهة الإرهاب وهزيمته، كما أشاد بالتنسيق الأمني المستمر للسلطة الفلسطينية مع «إسرائيل»، وأنه يحدث بشكل «جيد وجميل».
غير أنّ موقفه كان مختلفًا أثناء مؤتمر «دافوس» الشهر الماضي، عندما قال إنّ السلطة الفلسطينية لا تحترم الولايات المتحدة؛ في إشارة إلى رفضهم لقاء نائبه مايك بينس أثناء زيارته إلى المنطقة، وهدّد بقطع المساعدات الأميركية عن الفلسطينيين، وربط بين قبولهم للمفاوضات واستمرار تلقي المساعدات أو وقفها في حال رفضهم.
وفي أعقاب التعليق الجزئي للمساعدات الأميركية الممنوحة إلى الأونروا، أكّدت الصحيفة أنّ قرار ترامب في ذلك خاطئ تمامًا، وكذلك تهديده للسلطة الفلسطينية خاطئ تمامًا؛ فالدعم المالي للسلطة الفلسطينية والأونروا يساهم إلى حد كبير في تحقيق الاستقرار في الضفة الغربية وأمن «إسرائيل»، وهي الأمور التي أكّد ترامب عليها مرارًا. وفيما يتعلق بأموال المعونة الأميركية المباشرة، التي يبلغ مجموعها أكثر من 400 مليون دولار؛ فإنها تُستخدم في دفع فواتير الكهرباء والمياه ومشاريع البنى التحتية وغيرها من المشاريع الإنمائية، ويمكن استخدامها في جوانب الأمن.
وغير ذلك، تساعد أميركا قوات الأمن الفلسطينية في التدريبات العسكرية ومكافحة أعمال الشغب وغيرها من أعمال الشرطة المدنية. وبينما بلغت المساعدات في السنوات السابقة نحو مائة مليون دولار في السنة؛ فإنها الآن أقل من النصف. من جانبها، تمتلك وكالة الاستخبارات المركزية برنامجًا منفصلًا خاصًا بأجهزة المخابرات للسلطة الفلسطينية، لكنّ هذه المعونة في خطر أيضًا؛ وهو أمر سيؤدي إلى نتائج عكسية تمامًا لجميع الأطراف المعنية.
والواقع أنّ إعادة تأهيل قوات الدفاع الشعبي على مدى العقد الماضي تحت رعاية الولايات المتحدة، وعلاقة العمل القوية مع الإسرائيليين، يمكن القول بأنهما الجانبان الأكثر نجاحًا للنظام البيئي لـ«السلام» برمته. غير أن المسؤولين الفلسطينيين أوضحوا مرارًا أنهم لا يفعلون كل هذا لصالح «إسرائيل» أو أميركا؛ وإنما جزء من استراتيجية تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة.