تعدّ مصر والجزائر أكثر الدول المستوردة للأسلحة الألمانية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بمبيعات فاقت مليارات الدولارت في السنوات القليلة الماضية، ولألمانيا في ذلك هدفان: الأول رغبتها في حماية بوابة الصادرات الأوروبية إلى إفريقيا والشرق الأوسط؛ باعتبار مصر والجزائر من أكبر الدول المسيطرة على سواحل البحر المتورط والبحر الأحمر، بجانب مقاومة النفوذ الإيراني المتزايد؛ عن طريق تسليح الدول العربية السنية و«إسرائيل».
هذا ما يراه المحلل السياسي والعسكري الألماني «جوسي ميشلز» في تحليله بصحيفة «ذا ترامبت»، المعنية بالتحليلات السياسية، وترجمته «شبكة رصد»، موضحًا أنّ قضية الصادرات الألمانية من الأسلحة حسّاسة للغاية؛ بسبب ما أثار الحرب العالمية الثانية.
وهناك خطة جديدة تسمى «مذهب ميركل» لتغيير وضع القضية؛ بإعادة تأكيد نفوذ ألمانيا وسيطرتها عسكريًا من جديد، ولا تقتصر على توريد الأسلحة للدول فقط؛ بل مساعدة بعضها، مثل السعودية وتركيا، على إنتاج ترسانتها الخاصة بها، مستخدمة تكنولوجيا خبراء ومواد خام ألمانية؛ وبذلك تخضع هذه الجيوش للقوة العسكرية الألمانية.
وأفادت هيئة الإذاعة العامة الألمانية في 23 يناير الماضي بأنه أثناء المدّة التشريعية بين عامي 2014 و2017، صدّرت ألمانيا أسلحة أكثر من أيّ حكومة سابقة لها، وقالت «رويترز» في 23 يناير الماضي إنّ ألمانيا ثالث أكبر مصدر أسلحة في العالم؛ بالرغم من كون مبيعات الأسلحة قضية حساسة محليًا؛ بسبب تاريخها في الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من ذلك، وافقت الحكومة الألمانية في السنوات الأربع الماضية على مبيعات أسلحة حققت رقمًا قياسيًا، قدره 30.9 مليار دولار، وفقًا لبيانات سُرّبت من وزارة الاقتصاد، كما ارتفعت الصادرات إلى دولٍ خارج الاتحاد الأوروبي والناتو بنسبة 47% مقارنة بالمبيعات بين عامي 2010 و2013.
وكانت الجزائر من أكثر الدول المستوردة للأسلحة الألمانية، بمقدار 1.7 مليار دولار، وتتطلع ألمانيا إلى مزيد من التعاون معها في هذا الجانب تحديدًا؛ بسبب موقعها الاستراتيجي في إفريقيا، خاصة وأنّ ساحلها الطويل يجعلها شريكًا حاسمًا في مراقبة البحر المتوسط؛ لذلك باعت إليها ألمانيا فرقاطتين في عام 2017.
كما تعد مصر ثاني أكثر الدول التي صدّرت إليها ألمانيا أسلحة مؤخرًا؛ بسبب سيطرتها على البحر الأحمر وقناة السويس، التي تعتبر بوابة الصادرات الأوروبية إلى إفريقيا والشرق الأوسط، وتأمل ألمانيا أن يستخدم المصريون الغواصات التي اشتروها منها للحفاظ على أمن هذا الطريق التجاري.
وبالرغم من أنّ وجهات رئيسة في الشرق الأوسط تصدّر ألمانيا إليها الأسلحة، فإنّها ليست المنطقة الوحيدة التي تتشارك معها؛ إذ تتعاون ألمانيا مع مختلف البلدان للعمل على تطوير صناعات الأسلحة الخاصة بها، مثل السعودية، التي تصدّر إليها الأسلحة وحسب؛ بل يساعدها خبراء ألمانيون في صناعة الأسلحة بخبراتهم.
وبدأ «أندرياس شوير» في صناعة الأسلحة للسعودية هذا العام، وهو عضو مجلس الإدارة السابق في قسم التسليح بمجموعة «داسلدورف راينميتال»، ويشغل الآن الرئيس التنفيذي للصناعات العسكرية السعودية «سامي». وبمساعدة ألمانيا، تأمل السعودية أن تصبح منتجًا رئيسًا للأسلحة.
كما تبني تركيا مصنعها الخاص لتصنيع الخزانات بالتعاون مع شركة «راينميتال» الألمانية لصناعة الأسلحة، وتنتج تركيا بالفعل أسلحة عديدة بموجب تراخيص ألمانية. وإلى جانب الأسلحة الصغرى، تشتمل القائمة على «غواصات وفرقاطات وزوارق سريعة وسفن إزالة الألغام»، وساعد الإنتاج التركي على تفسير سبب انخفاض صادرات الأسلحة الألمانية بشكل طفيف في عام 2017.
ومؤخرًا، زادت ألمانيا تعاونها العسكري مع الأردن؛ ففي 14 يناير سلّمت معدات عسكرية بقيمة 22 مليون دولار لتحسين مراقبة الحدود داخله، وشملت المعدات طائرتي تدريب و125 شاحنة عسكرية، كما يتمركز 280 جنديًا ألمانيًا في الأردن للمساعدة في محاربة «تنظيم الدولة» وتحقيق الاستقرار للمنطقة.
وما تستهدفه ألمانيا من تصدير الأسلحة ومساعدة هذه الدول على إنتاجها أكثر من مجرد أرباح؛ إذ تستهدف أيضًا مساعدة حلفاء يمكنهم مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي الخطة التي أطلق عليها «مذهب ميركل»، التي تسعى إلى موانة السلطة الإيرانية بتسليح الدول العربية السنية و«إسرائيل»، وفي الوقت نفسه تستهدف برلين استخدام قوة جيشها بشكل أكثر ومتزايد.
في نوفمبر الماضي، تحدّث «حسنين كاظم» في مقال بصحيفة «شبيجيل أون لاين» الألمانية عن أنّ ألمانيا تدرك خطر الهيمنة الإيرانية على الشرق الأوسط، وتشعر بقلق عميق إزاء التقدم الإيراني؛ وكلما زادت سيطرتها على الشرق الأوسط زاد تهديد البوابات البحرية الاستراتيجية وزيادة تهديد الإرهاب.
وأضاف «جيرالد فلوري»، رئيس تحرير «ذا ترامبت»، أنّ شمال إفريقيا تحوّلت إلى ساحة قتالية ذات آثار وتبعات مهمة للغاية؛ متحدثًا عن انتشار الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، وحذّر من أن كل القوى تتنافس من أجل السيطرة على شمال إفريقيا؛ لموقعها الاستراتيجي المهم للغاية، متوقعا أن تصطدم كل هذه القوى مع بعضها بعضًا مستقبلًا.