ألقت وكالة بلومبرج، الضوء على تغيرات تشهدها الساحة السياسية؛ أبرزها إقالة خالد فوزي ومحمود حجازي وسجن سامي عنان، قالت إنها قد تمكن الإخوان من العودة مرة أخرى.
ولفتت الوكالة، في التقرير الذي ترجمته «شبكة رصد»، إلى أنّ الرؤساء المتعاقبين لمصر لم يستطيعوا الاستغناء عن جماعة الإخوان؛ وعاجلًا أم آجلًا سيلجأ إليهم السيسي باعتبارهم ركيزة من ركائز الاستقرار السياسي ومعادلة مهمة في الحياة السياسية بصفة عامة.
وتقول الوكالة، بعد أكثر من 4 سنوات من الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من السلطة، في انقلاب عسكري، وإعلانها منظمة إرهابية؛ أدخل عبدالفتاح السيسي تعديلات على اللاعبين الرئيسين في حكومته، بطرق يمكن أن تفيد جماعة الإخوان في النهاية.
وخلافًا للرئيس (الأسبق) حسني مبارك، الذي اعتمد في توطيد سلطته على الولاء المؤسسي، بما فيها القضاء والجيش والشرطة ورجال الأعمال، إضافة إلى الحزب الوطني الديمقراطي المدعوم من حكومته؛ فالسيسي يعتمد بشكل كامل على الدعم الموثوق فيه ويتلقاه من القوات المسلحة، في ظل انعدام الأحزاب السياسية القادرة على العمل بحرية داخل الدولة. وفي ظلّ تقزّم القطاع الخاص؛ وصلت مشاركة الجيش في الشؤون المدنية والاقتصادية والسياسية إلى أعلى مستوياتها.
لكنّ السيسي أقال، في الأسابيع القليلة الماضية، أفرادًا رئيسيين داخل الجيش، بمن فيهم محمود حجازي رئيس الأركان، وخالد فوزي رئيس جهاز المخابرات العامة، دون تفسير أو مبرر واضح؛ ومن المحتمل أن تضعف هذه التحركات الدعم المطلق الذي يتلقاه من القوات المسلحة ويعتمد عليه في توطيد أركان حكمه، وإقدامه على مخاطرة كهذه سيعود بفائدة كبرى على جماعة الإخوان.
أيضًا، هذه ليست المرة الأولى التي يستفيد فيها الإخوان من التحوّلات في السياسة المصرية؛ بدءًا من جمال عبدالناصر مرورًا بأنور السادات وحسني مبارك، وجميعهم ارتقوا إلى المنصب الرئاسي مستخدمين رتبهم العسكرية، وهو السرد المألوف والمتبع من الجميع؛ وعندما ينقلب اللواءات على بعضهم البعض غالبًا ما يتوجه الرؤساء إلى جماعة الإخوان المسلمين للحصول على الدعم السياسي.
على سبيل المثال؛ عندما قاد أنور السادات ثورة التصحيح في 1971 فصل عشرات اللواءات الناصريين، وأفرج عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من السجون وسمح لهم بممارسة السياسة؛ مقابل أن لا ينتقدوه علنًا. وكانت صفقة ناجحة للغاية؛ حتى وقّع السادات معاهدة «كامب ديفيد» مع «إسرائيل» عام 1979 التي انتهت باغتياله.
ولسنوات عديدة كانت جماعة الإخوان مشاركًا أساسيًا مثيرًا للجدل في تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، وهي حركة أُسست عام 1928 بهدف محاربة الاحتلال البريطاني، وانتشرت رسالتها بسرعة كبرى في جميع أنحاء المنطقة، وحافظت في هذه السنوات على أدوار متعددة داخلها، وأسست حزبًا سياسيًا يسعى لتحقيق مكاسب انتخابية، وهي في الوقت ذاته منظمة خيرية تروّج لبرامج الرعاية الاجتماعية والتعليم الديني؛ لكنّ منضمين إليها اتهموا في السنوات الماضية بارتكاب أعمال عنف، خاصة في العقود الثلاثة الأولى للجماعة؛ غير أنّ القيادة المصرية للجماعة لا تنتهج العنف واستبعدته تمامًا.
وعلى مرّ الأعوام، شكّلت جماعة الإخوان المسلمين تحديًا للحكومات المصرية المتعاقبة، وفي المنطقة أيضًا، في بلدان كالمغرب والأردن وتونس والسودان، ويعتبر الإخوان شريكًا سياسيًا معترفًا به، لكنهم محظورون الآن في دول أبرزها مصر والخليج، باستثناء قطر، وطوال تاريخها كانت علاقتها مذبذبة مع الحكومات الإقليمية.
أيضًا، أدرك كل الرؤساء في نهاية المطاف أنّ هناك حاجة إلى إدماج الإخوان في المشهد السياسي بطريقة معينة، وهم عامل مساهم في تحقيق الاستقرار السياسي، وكان حسني مبارك أكثر رئيس قادر على «هندسة» علاقته بجماعة الإخوان؛ بطرق سمحت لهم بالمشاركة السياسية؛ لكن بدرجات محدودة، على الرغم من حظرهم رسميًا.
والسيسي لا يختلف كثيرًا؛ ففي انعكاس تام لموقفه المناهض لجماعة الإخوان المسلمين، كشف عن وجود مساعٍ سابقة لإجراء مصالحة مع الجماعة، وقالت مصادر إخوانية إنّ مسؤولين في المخابرات العسكرية كانوا على اتصال بشخصيات من جماعة الإخوان المسلمين في السجن للتفاوض على صفقة يُفرج عنهم بموجبها مقابل تخليهم عن العمل السياسي.
ولفت السيسي إلى تحوّله في السياسة عبر قرارات أصدرها الأسبوع الماضي؛ بإقالة اللواء خالد فوزي، الذي تولى منصبه في ديسمبر 2014 أثناء مدة الاضطراب السياسي، ونُظر إليه على أنه معارض رئيس وقوي لجماعة الإخوان المسلمين، وأكّدت مصادر عسكرية أنّه كان الفاعل الرئيس في إفساد أيّ محاولة للتصالح معهم.
ومن بين العلامات الأخرى على بدء ظهور الإخوان من جديد، سجن السيسي رئيس هيئة الأركان الأسبق سامي عنان، المعروف بعلاقته طويلة الأمد مع جماعة الإخوان، وقيل إنّه تطلّع إلى الحصول على دعمهم في الانتخابات المقبلة؛ ويبدو أيضًا أنّ السيسي يعتقد أن المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين أمر لا مفر منه.
وإذا كانت هناك بالفعل مصالحة فسيُعزّز نفوذ الإخوان في جميع أنحاء الشرق الأوسط؛ ما أثار قلق دول خليجية، كالإمارات والسعودية، اللتين أعلنتا جماعة الإخوان منظمة إرهابية، وبدأتا في التواصل مع حزب الإصلاح المعروف بخلفيته الإخوانية في اليمن. والسؤال المطروح الآن: كيف ستواصل دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إعلان جماعة الإخوان منظمة إرهابية إذا قررت مصر عقد مصالحة معها؟
ختامًا، جماعة الإخوان حركة سياسية واجتماعية ودينية مثيرة للجدل، لكنها تحظى بدعم واسع النطاق داخل القطر المصري والمنطقة بأكملها، وإعادة إحياء نفسها من جديد مجرد مسألة وقت؛ وإدراكًا لذلك، ربما قرر السيسي أن يسير على خطى أسلافه؛ بالتوصل إلى تفاهم جديد معهم، والوقت فقط هو الكفيل بإثبات ذلك.