قالت صحيفة «لوموند» الفرنسية، إن هناك «توترات غير مسبوقة داخل الجيش المصري»؛ بسبب انتخابات الرئاسة المقررة في مارس المقبل، لافتة إلى أن العسكريين في الجيش «ليسوا كتلة واحدة خلف عبدالفتاح السيسي».
وأشارت الصحيفة، إلى أن «العسكريين في الجيش المصري بدءوا عرض خلافاتهم بصفة غير مسبوقة، وهو ما يشير إلى هشاشة السيسي، وإلى حدة الصراعات من أجل السلطة».
وحسب الباحث الفرنسي «جان بيير فيليو»، فإن «الانتخابات المقبلة، التي كان يتصور أن تكون تكريسا للسيسي، مع إعادة انتخابه، بصدد التحول إلى أزمة مفتوحة خفية؛ لأن منظور الرئاسيات أيقظ طموحات البعض ونزاعات آخرين، حتى على رأس المؤسسة العسكرية»، وفقا لما نقلته صحيفة «العربي الجديد».
ولفت «فيليو»، إلى أن «السيسي الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب قام به، في 2013، ضد محمد مرسي عضو الإخوان المسلمين الرئيس الوحيد الذي تم انتخابه ديمقراطيا في تاريخ مصر، شهد عصره قمعا غير مسبوق»، مشيرا إلى «إخماد الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب بالدم، في أغسطس 2013 (مذبحتي رابعة العدوية والنهضة)، مع سقوط ما يقرب من ألف قتيل مدني».
وأضاف «ثم وصل القمع، منذ تلك الفترة، إلى مستويات غير مسبوقة في مصر، مخلفة عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، وآلاف المفقودين، (وهي ظاهرة لم تكن معروفة من قبل)، فضلا عن الاستخدام المنظم للتعذيب».
وذكر «فيليو» أنه «تم انتخاب السيسي، في مايو 2014 بنسبة 94% من الأصوات، وهي نسبة وصفها منافسه الوحيد في هذه المهزلة الانتخابية بأنها إهانة لذكاء المصريين، والاستفتاء المترقب في مارس 2018، سيكون من من أجل إدراج ديكتاتورية السيسي في الزمن الرئاسي».
وبحسب الباحث الفرنسي، المتخصص بالشأن العربي، فإن «انتخابات الرئاسة التي يتصور أن تكون مجرد شكلية إجماعية، كشفت للنظام المصري عن سباق محفوف بالأخطار».
واعتبر أن «الفصل الأكثر إرباكا في هذا المسلسل الذي يفرض الترقب على المصريين هو اعتقال الجنرال سامي عنان، رئيس قيادة الأركان ما بين 2005 و2012».
وقال «فيليو» إن جريمة «عنان» تمثلت في التجرؤ على تقديم ترشحه للرئاسيات، وهو ما جر عليه الاتهام بأنه يزرع الانقسام بين الجيش والشعب، على الرغم من أن عنان هو الذي ضمن، في فبراير 2011، دخول «السيسي» إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وقد بدا «السيسي»، بحسب «فيليو»، «أقل أريحية» تجاه الشخصيات العسكرية السامية، مقارنة بما كانت عليه جماعة «الإخوان المسلمون» في عهد «مرسي».
وأضاف الباحث الفرنسي، أن انتخابات الرئاسة المصرية «قد أصبحت، على الرغم من طابعها الشكلي، رهانا مهما بما يكفي للسيسي، كي يعاقب، وبصرامة، سابقيه في المؤسسة العسكرية، عنان وشفيق»، بحسب الخليج الجديد.
ولفت إلى أن ذلك «يكشف في أسوأ الأحوال انعداما عميقا للأمن من جانب السيسي الذي يتجنب الظهور العلني مع الجمهور. وهو ما يفسر، رسميا، بأنه تواضع منه بينما السبب الأكثر قابلية للتصديق، هو أنه بسبب التهديدات التي ثبتت صحتها على شخصه».
وذكر «فيليو» بأن المرشح لمنصب نائب الرئيس «هشام جنينة»، في حال فوز «عنان»، تعرض للضرب، في وضح النهار، في أحد شوارع القاهرة، بعد أن أدار، خلال فترة طويلة، الجهاز المركزي للمحاسبات، مدينا فساد النظام المصري القائم.
ورأى الباحث الفرنسي، أن «انسحاب كل مرشح ذي مصداقية، أرغم السيسي على تجنب الترشح، وحيدا، وعلى أن يخرج في الدقيقة الأخيرة أحد أشد أنصاره (رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى) الذي سيقوم بالحملة من أجل السيسي أكثر مما يقوم بها لنفسه».
وأشار «فيليو» إلى أن «السيسي» عزل رئيس قيادة أركان الجيش «محمود حجازي»، في أكتوبر الماضي، من منصبه الذي يوجد فيه منذ مارس 2014، بعد يومين من مشاركته بواشنطن في اجتماع رؤساء أركان الدول المنخرطة في الحرب ضد الإرهاب.
ورأى أن «هذا العزل كان مفاجئا جدا، من حيث إن علاقات السيسي وحجازي كانت وثيقة طوال مسارهما المهني، كما أنهما مرتبطان، عائليا، عن طريق زواج أحد أبناء السيسي بإحدى بنات حجازي».
كذلك لفت إلى إقالة الجنرال «محمود فوزي» الذي كانت تربطه علاقة وثيقة جدا بـ«السيسي»، مؤخرا، من منصبه كمدير للاستخبارات العامة، الذي كان يشغله منذ ديسمبر 2014.
واستخلص الباحث الفرنسي أن «الاستخبارات العامة تمثل، من الناحية التاريخية، العمود الفقري للنظام المصري، بسبب كون هذا الجهاز العسكري يركز بين يديه سلطات قمع داخلي وكذلك الصفقات الخارجية باسم محاربة الإرهاب، طبعا، ولكن كذلك، بفعل ملف غزة، الذي يعتبر من اختصاصه».
وحتى الآن لم يعين «السيسي» سوى وكيل على رأس هذا الجهاز، وهو مدير مكتبه «عباس كامل»، و«هذا الفراغ على رأس الاستخبارات العامة يعزز من تأثير محمود السيسي، الابن الثاني له، الذي تتعدى سلطته رتبته العسكرية، كضابط»، بحسب «فيليو».
ورأى الباحث الفرنسي، أن «مراكمة هزائم الجيش المصري في مواجهة الجهاديين في سيناء لن تؤدي سوى إلى زيادة القلق على رأس المؤسسة العسكرية؛ ولكن الضربات غير المنتظرة في المسلسل الرئاسي يمكن أن تؤدي إلى خلافات جدية، حاصلة بسبب الحصيلة الكارثية للسيسي في ميدان الأمن كما الاقتصاد».
وختم «فيليو» مقاله بالقول إنه «من المؤكد، في كل الأحوال، أن جمهورية مصر، خلف واجهة الاستقرار القمعية المتطرفة، دخلت، من جديد، في عصر الاضطرابات».