في 6 مايو المقبل، يشهد لبنان انتخابات على المقاعد الـ 128 في مجلس النواب الذي يتقاسمه المسلمون والمسيحيون مناصفة، لكن حتى الساعة لم تنضج التحالفات بين القوى السياسية، مع كثرة الحديث عنها.
هذه الانتخابات التي ينص الدستور على إجرائها كل أربع سنوات، تأتي بعد سلسلة من التمديد للبرلمان الذي انتخب عام 2009، وانتهت ولايته في 2013.
لكن الأوضاع السياسية والأمنية التي تأثر بها لبنان جراء الخلافات الداخلية والأزمة السورية، أعطت مبررا للكتل النيابية لتمديد ولاية المجلس إلى مايو المقبل.
بعد طول انتظار، يترقب اللبنانيون هذه الانتخابات، وسيقترعون للمرة الأولى في تاريخهم، على أساس النظام النسبي.
وقسم هذا النظام لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، على أن يتم توزيع مقاعد كل دائرة على القوائم المختلفة، بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة في الانتخابات.
فيما أجريت كل الانتخابات السابقة في لبنان على أساس النظام الأكثري الذي أقر عام 1960 (قانون الستين).
ويعتمد النظام الأكثري على التصويت وفقا لتقسيمات إدارية ومحاصصة تراعي الخصوصية الطائفية للقوى السياسية، حيث يعتبر القانون القضاء دائرة انتخابية، والفوز بها بحسب نيل المرشح أكثرية الأصوات.
** «المستقبل» و«القوات» و«الوطني الحر»
الأهم من القانون الانتخابي في لبنان هو تحالفات القوى السياسية، والأكثرية النيابية التي ستفرزها صناديق الاقتراع.
ويُجمع معظم السياسيين والخبراء على أن العناوين السياسية الكبرى لتكتل «14 آذار» (بزعامة تيار المستقبل)، المدعوم من الدول العربية والغرب، وتكتل «8 آذار» (بقيادة حزب الله) الموالي للمحور السوري ـ الإيراني، ستغيب عن المشهد، بسبب تبدل التموضعات والتحالفات.
وتأثرت التحالفات السياسية بانتخاب العماد ميشال عون، حليف «8 آذار»، رئيسا للبنان في 31 أكتوبر 2016، بفضل دعم تيار المستقبل (تكتل 14 آذار) بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية المسيحي برئاسة سمير جعجع، لترشيح وانتخاب عون.
وأتى التغير الاستراتيجي في التحالفات بعد أزمة إعلان الحريري استقالته من السعودية في 4 نوفمبر الماضي، ما ساهم في تغيير المشهد الداخلي اللبناني، وعمّق العلاقة بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» المسيحي برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل، وهو التيار الذي كان يترأسه عون قبل انتخابه رئيسا للجمهورية.
فيما زادت الهوة بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» من جهة، وبين حزب القوات اللبنانية من جهة أخرى، بعد أزمة إعلان الحريري استقالته من الرياض، قبل أن يتراجع عنها لاحقا.
لكن اتصالات أخيرة ساعدت في ردم الهوة، إذ أفادت مصادر سياسية للأناضول بأن الأمور تعود تدريجيا إلى طبيعتها بين هذا الثلاثي.
وقال مصدر قيادي في حزب القوات اللبنانية للأناضول إن: «قيادة الحزب تسعى إلى إبرام تحالفات واسعة، والوضع مع تيار المستقبل يذهب نحو مزيد من الحوار، وإمكان التوافق الانتخابي بات أكبر، فهناك ثوابت سيادية تجمعنا».
وتابع المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: «كذلك الأمر بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، الذي يجمعنا به تفاهم معراب (تم توقيعه بينهما 16 يناير 2016 وأنهى الخلاف المسيحي)، وهناك بعض التفاهمات الانتخابية العريضة».
كما أفاد بأن «التفاهم يتقدم مع الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، وسيكون لنا ضمن الحلف الذي سينشأ في جبل لبنان الجنوبي ثلاثة مرشحين، واحد في كل من أقضية الشوف وعاليه وبعبدا، ويبقى إعلان الاتفاق النهائي رهن المشاورات والوقت».
ويسعى جنبلاط إلى الحفاظ على دور الأقلية الدرزية الموجودة في محافظة جبل لبنان، خصوصا بعد عودة الأحزاب المسيحية الرئيسية إلى منطقته.
** شرط «الكتائب»
ما يزال حزب «الكتائب اللبنانية» المسيحي المعارض يصر على اتخاذ موقع المعارضة، وقالت مصادر سياسية للأناضول، إنه لن يكون هناك أي تحالف مع أحزاب السلطة، وما زال حزب الكتائب يضع شرطا على حزب القوات وتيار المستقبل كي يتحالف معهما، وهو انسحابهما من الحكومة.
ويسعى رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، إلى قيادة حركة المجتمع المدني في الانتخابات.
وتحاول جماعات من الحراك المدني الذي انطلق صيف 2015 على خلفية انفجار أزمة تراكم النفايات في الشوارع، خوض غمار الاستحقاق الانتخابي.
وتواجه هذه الجماعات مشاكل عدة، أبرزها عدم توحدها في جبهة واحدة بقيادة موحدة، كما أن الشعب اللبناني يبدي بعض الحذر من تلك الجماعات، نتيجة اتجاه حركتها الاحتجاجية نحو العنف، ومطالبة بعضها بإسقاط النظام اللبناني دون طرح بديل.
** حزب الله وحركة أمل
يجري الحديث في الأروقة السياسية عن نية تحالف جماعة حزب الله الممثلة برلمانيا بكتلة الوفاء للمقاومة، وحركة «أمل» الممثلة بكتلة «التنمية والتحرير» بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، السيطرة على الغالبية البرلمانية، للتحكم بمفاصل السلطة.
لكن عضو كتلة «التنمية والتحرير»، عضو هيئة مكتب مجلس النواب، النائب ميشال موسى، نفى هذا التوجه قائلا للأناضول، إن «هذا الكلام ليس صحيحا إطلاقا، فالقانون الجديد القائم على النسبية لا يسمح لأحد بحصد الغالبية النيابية، كما أن لبنان قائم على التوافق، ولا يستطيع أي فريق الاستئثار بالسلطة».
وشدد موسى الذي يشغل أحد المقاعد في قضاء الزهراني جنوبي لبنان، على أن «كل التحالفات متغيرة، ولا تحالف نهائيا حتى الآن، والثابت الوحيد هو تحالف حزب الله وحركة أمل، وأسماء المرشحين تحتاج بعض الوقت لتتبلور»
في حين يحاول بعض الشيعة المستقلين الاستفادة من القانون النسبي لتحقيق خرق ما في لوائح حركة «أمل» و«حزب الله»، اللذين يبسطان سيطرتهما على الطائفة الشيعية، لكن لم تظهر حتى الساعة بوادر معارضة شيعية موحدة.
ويسعى الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) إلى استعادة المقاعد الشيعية التي كانت خارج سيطرته، وهما مقعدا العاصمة بيروت، ومقعدا زحلة (عاصمة محافظة البقاع) والبقاع الغربي، من تيار المستقبل الذي فاز بها نتيجة النظام الأكثري.
وقال أحد نواب المستقبل، طلب عدم نشر اسمه، للأناضول، إن «الوضع الانتخابي غير مفهوم بعد، ولا تحالف بين تيار المستقبل وحزب الله، والمفاوضات لبناء تحالفات محصورة بالرئيس الحريري».
وختم النائب بقوله: «وبالنسبة إلى التحالف مع التيار الوطني الحر، فإن الحريري سيعلن هذا الأمر عندما ينتهي منه، سواء كان سلبا أو إيجابا، لكن كل الاحتمالات مفتوحة، وباب التحالف واسع باستثناء حزب الله».
المصدر: الأناضول