انطلق مؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي دعت له روسيا في وقت سابق، بمشاركة الأمم المتحدة من خلال مبعوثها الأممي الخاص بسوريا، لتكون غطاء أمميا للمؤتمر الذي عارضته قوى المعارضة السورية وفصائلها.
وعلى الرغم من إعلان الهيئة السورية للمفاوضات مقاطعتها للمؤتمر ورفضها المشاركة به، إلا أن أعضاء من الهيئة والذين صوتوا إيجابيا للمؤتمر، خالفوا القرار النهائي للهيئة وأعلنوا مشاركتهم به، لتطرح الأزمة تساؤلات عدة، حول مؤتمر «الرياض2» الذي تمخض عنه تكوين الهيئة وبنودها في ظل عد التزام أعضائها بقراراتها، بالإضافة إلى تأثير حضورتهم على مخرجات الحوار.
بدء الانطلاق
وانتهت، صباح اليوم، الاستعدادات النهائية في المركز الإعلامي الرئيسي في مدينة سوتشي الروسية؛ حيث ستعقد الجلسة العامة لمؤتمر الحوار الوطني السوري، على أن تكون الجلسة الأساسية والختامية، غدا الثلاثاء.
وبدأت الوفود المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني السوري -الذي تقاطعه قوى الثورة السورية- بالوصول إلى مدينة سوتشي الروسية.
وكانت وسائل إعلامية نشرت مسوّدة البيان الختامي للمؤتمر، وتتضمن 12 بندا، مثّلت المبادئ نفسها التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، ونصت المسودة على اتفاق لتشكيل لجنة دستورية بمشاركة وفد النظام ووفد آخر يمثل طيفا واسعا من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن 2254.
عوار في مخرجات «الرياض 2»
القرارت التي اتخذتها الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، أمس، بمقاطعة المؤتمر، على الرغم من أنها لاقت ترحيبا كبيرا في أوساط النشطاء والسياسيين، إلا أن النسبة التي مرر بها القرار أثارت جدلا كبير وأسئلة حول إلزامية قرارات الهيئة لأعضائها.
وقال رئيس الهيئة التفاوضية السورية المعارضة، نصر الحريري: «لقد قرّرنا بتصويت حرّ ديمقراطي، كان قرار الهيئة عدم المشاركة في مؤتمر سوتشي»، مبيّنا أن «الشعب السوري دفع ثمنا باهظا خلال الفترة الماضية»، وأن الجهود ستتواصل لإيجاد حلٍّ مشترك للأزمة السورية.
وصوت على قرار الهيئة بـ26 صوتا رافضا لحضور المؤتمر مقابل 10 صوتوا بالموافقة على الحضور، إلا أنه ورغم إعلان المقاطعة، ظهرت شخصيات وافقت على دعوة روسيا، وبررت مخالفتها لقرار الهيئة بأن القرارات غير إلزامية لأعضائها، حيث قال قدري جميل عبر «تويتر»: «أعضاء هيئة التفاوض في فيينا 26-01 قمنا بالتصويت بنعم على الذهاب لسوتشي، وعددنا 10، والحضور هو 34، أي أن رافضي الحضور في سوتشي هم 24. وبما أن النسبة المرجحة لتمرير أي قرار في الهيئة هي 26 من 36، فإن هذا يعني أن الهيئة لم تتخذ قرارا بعدم الذهاب كما لم تتخذ قرارا بالذهاب».
وقال السياسي السوري خليل المقداد، عن قرار الهيئة الذي خالفه أعضاؤها: «هو رفض للمشاركة نظريا والمشاركة عمليا»، لافتا إلى أن هذا «يطرح أكثر من علامة استفهام ويضعنا أمام حقائق مهمة».
واعتبر المقداد، في تصريح لـ«رصد»، أن القرار «يعتبر ضحكا على اللحى، وذرا للرماد في العيون وتلميع لهيئة دحلانية بنكهة سورية فرضها وعين أعضاءها مؤتمر الرياض2 مهمتها تمرير التسوية المذلة والشرعنة لبقاء المجرم، ومنح صك براءة لروسيا التي تقتل وتدمر صباح مساء».
ورأى المقداد أنه يجب «محاسبة المشاركين من الأعضاء، وذلك بفصل المشاركين بصفة شخصية لأنهم لم يلتزموا بقرار تم التصويت عليه»، لافتا إلى أن «عدم فصلهم يؤكد الموافقة الضمنية للهيئة على المشاركة».
إلا أن الصحفي السوري أحمد كامل، أوضح أن القرار أتى بـ«10 من أصل 34 وافقوا على الذهاب لسوتشي يعني استخدموا ميزة الربع المعطل التي أعطاهم إياها مؤتمر العار بالرياض2 يعني قرار المقاطعة لم يحصل على الأغلبية المطلوبة وهي 26 صوتا، ولم ينص القرار على أي عقوبة للمشاركين».
وأوضح كامل، عبر «تويتر»، أن «هيئة الرياض وكبار الدجالين اللي فيها يلعبون بنا يقولون أن المشاركة في سوتشي جريمة، لكنهم يسمحون لمكونات الهيئة بارتكاب هذه الجريمة دون أن يترتب عليهم أي مسؤولية لو كانوا صادقين لقالوا: لن نشارك، ومن يشارك منا يصبح مفصول أو عضويته معلقة أو يخسر كل أو بعض مقاعده، أو بعض مقاعده».
وكانت المعارضة السورية، في 23 نوفمبر من العام الماضي، شكلت في مؤتمرها الموسع في الرياض «الرياض2»، «الهيئة العليا للمفاوضات» تضم 50 شخصا من المعارضين المستقلين و«الائتلاف الوطني» والفصائل العسكرية و«منصة القاهرة» و«منصة موسكو» و«هيئة التنسيق الوطني»، سيتم من خلالها تشكيل الوفد المفاوض في مفاوضات جنيف.
مشاركة الفصائل تسبب أزمة
مشاركة بعض المحسوبين على صفوف المعارضة السورية، سبب أزمة في الأوساط السياسية، وتداولت أسماء المشاركين من هيئة التفاوض في المؤتمر ومنها «سبسمة قضماني ومساعدها طارق الكردي (وكل منصة باريس) يوسف سليمان وعروبة مصري ومهند ذليقان وسامي الجابي (وكل منصة موسكو) جمال سليمان وفراس الخالدي وقاسم الخطيب (وكل منصة القاهرة) خالد المحاميد (وكل منصة أبوظبي)».
واعتبر المقداد أن «مشاركة نصف أعضاء الهيئة بما فيهم نواب الرئيس هو موافقة ضمنية على مؤتمر سوتشي ومن ثم فإن الرفض العلني يأتي نتيجة عدم القدرة على المجاهرة بقبول المشاركة».
وأوضح أن «إعلان المقاطعة لن يؤثر سلبا على المؤتمر، لأنهم فعليا مشاركون وسيبصمون في النهاية على التسوية ليقولوا لنا ليس بالإمكان أفضل مما كان»، مشيرا إلى أن «سوتشي لا تقل سوءا عن أستانا وحنيف فجميعها حلقات في مسلسل تصفية الثورة وتركيع الشعب السوري لكن هذا لن يحدث بمشيئة الله».
ومن جهته، اعتبر الكاتب السياسي السوري عبدالرحمن عبَّارة أن المشكلة الرئيسية تتمثل في مشاركة أكثر من 100 شخصية سورية سياسية وعسكرية تقيم في تركيا، بخلاف أعضاء الهيئة، لأنهم لا يعدون سوى 5 أشخاص في أحسن الأحوال.
وأوضح عبَّارة، في تصريح لـ«رصد»، إن هذه الشخصيات قد تشارك في المؤتمر بضغوط من أنقرة مراعاة لاتفاقات أستانا المشتركة بين تركيا وروسيا وإيران».
واعتبر عبَّارة أن «مشاركة المبعوث الدولي ديمستورا مشاركة شكليّة فيها الكثير من المجاولة لموسكو, دون أن يقدم اي تعهدات من أي نوع تعطي انطباعا أن سوتشي سيكون على حساب وأد مباحثات جنيف أو بديلا عنها».
وقال المعارض السوري، بسام جعارة، إنه «من يطلع على قائمة «المعارضين» المدعوين الى سوتشي يدرك كم هي الثورة “كاشفة فاضحة”.. مرتزقة».
وعلى جانب آخر، أعلنت القوى الكردية المحسوبة على «حزب الاتحاد الديمقراطي» مقاطعتها المؤتمر؛ بعد عملية «غصن الزيتون» التي بدأها الجيش التركي، في 22 يناير الجاري، ضد تنظيمات تصنّفها أنقرة إرهابية.