قالت صحيفة «الجارديان» إنّ الأوضاع داخل الأراضي السورية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، وأصبحت الأطراف الفاعلة هناك كثيرة للغاية، وهو ما ساهم في تعقيد الأمور للغاية، والضحية الوحيدة الشعب السوري، الذي قتل منه حتى الآن أكثر من نصف مليون شخص ونزح الملايين الآخرون؛ محذّرة من أن استمرار الأوضاع كما هي عليه حاليًا سيفضي في النهاية إلى وجود سوريا دون مواطنين، بل دول تحارب بعضها بعضًا على مناطق النفوذ والمزايا الاستراتيجية فقط.
ووفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أكّدت الصحيفة أيضًا أنه لا يمكن وصف ما يجري هناك بأنه «حرب أهلية»، بل ساحة معركة دولية تشارك فيها قوى عظمى وجيران إقليميون وقوى عراقية وفرق دينية وفرق وطنية، والجميع ضد بعضهم بعضًا؛ في سعي كلٍ منهم إلى فرض النفوذ والتأثير الاستراتيجي على الأرض والسلطة.
وبعد كشف النقاب عن خطط المشاركة الأميركية العميقة في سوريا ورغبتها في الوجود الدائم هناك من أجل حماية مصالحها، أوشكت الحرب على الدخول في مرحلة جديدة، بعدما خلّفت حتى الآن ما يفوق النصف مليون إنسان، وأكثر من 5.4 ملايين لاجئ و6.1 ملايين نازح داخليًا، ويزيد الأمر سوءًا يوما بعد يوم دون أي بوادر لتحسن الأوضاع.
وفي الأسبوع الماضي وحده، أجلي عشرات الآلاف من المدنيين من شمال غرب محافظة إدلب، وكثير منهم أجلي للمرة الثانية والثالية؛ بسبب الغارات الجوية الروسية والسورية، وتقول منظمات الإغاثة إنهم 20 ألف شخص، كما توقفت معظم المدارس والمستشفيات عن العمل، وتوقفت طرق الإمداد.
من المسؤول؟
طرحت «الجارديان» سؤالًا: من المسؤول عن الكارثة السورية التي لا تنتهي؟ وتجيب: الجميع تقريبًا؛ لكنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحصل على النصيب الأكبر من الأسباب؛ فمنذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015 دعم بشار لتأمين قواعد استراتيجية لروسيا على البحر الأبيض المتوسط، وأظهر استخفافًا قاسيًا بأرواح المدنيين، وظهر ذلك جليا في الغارات الجوية التي قصفت مناطق مأهولة بالمدنيين في البلدات والمدن السورية التي يسيطر عليها المعاضة؛ مثلما حدث أثناء حصار مدينة حلب في 2016، وذكرت تقارير أنّ ثمة تواطؤًا روسيًا في استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية؛ وبالتالي فإن بوتين مسؤول مثل بشار عن ارتكاب جرائم حرب.
واتهم المراقب الجماعات المعارضة أيضًا وحمّلها جزءًا من مسؤولية كارثية الوضع في سوريا، بالرغم من أن روسيا والنظام السوري صاحبا فكرة الهجوم على إدلب لتحريرها من «جبهة تحرير سوريا»، الجماعة الإسلامية المتعددة الجنسيات وقوامها 14 ألف شخص، وترتبط ارتباطًا وثيقا بتنظيم القاعدة، كما يوجد «هيئة تحرير الشام» التي اتخذتها قاعدة لها ومقرًا لقيادتها على غرار تنظيم الدولة؛ وبذلك وضعت المدنيين في خطر. وكما هو الحال منذ بدء الحرب السورية، استخدم النظام تكتيك «الاستسلام أو الموت جوعا»؛ تحت مبرر استئصال الإرهابيين الأجانب داخل إدلب.
ويمكن تحميل المعارضين السياسيين لبشار الأسد جزءًا من المسؤولية أيضًا؛ بسبب فشلهم في العمل تحت جبهة موحدة، وانتشار الانقسامات والخلافات التي تعكس بدورها التناقضات بين الجهات الراعية لهم، كإيران وتركيا والسعودية وقطر، وهي الدول التي تتبع خططًا متضاربة حاليا بشأن الوضع على الأرض في سوريا.
وغير ذلك، أفادت تقارير بأن أفرادًا من الجيش السوري الحر الموالي للغرب كان في واشنطن الأسبوع الماضي لطلب المساعدة من ترامب. ولكن، كما قال «ريكس تيرلسون» وزير الخارجية الأميركي، إنّ قمع إيران وسحق تنظيم القاعدة في سوريا أولويتان لإدارة ترامب حاليًا؛ ما يعني رغبة واشنطن في الوصول إلى تسوية سياسية، وبالتالي فشل مساعي أفراد الجيش الحر.
كما أنّ تركيا ساهمت أيضًا في الوضع الكارثي الحالي، غير أنها ساهمت بتحمل وطأة هجرة اللاجئين السوريين إلى أراضيها، وتوصف سياسة أردوغان داخل الأراضي السورية أنها متقلبة، وكان هدفها الأساسي قمع الأكراد السوريين، ويرى أردوغان أنّ الأكراد، سواء في سوريا أو تركيا أو العراق، إرهابيون، ويهدد حاليًا بغزو «عفرين» السورية القريبة من إدلب؛ ما يشير إلى تأزم الوضع أكثر فأكثر.
قائمة متسعة
وأكّدت «الجارديان» أنّ قائمة اللوم تتسع أكثر فأكثر، لكنها سلطت الضوء على ما وصفته بسوء أداء الأمم المتحدة وضعفه تجاه الوضع في سوريا. وكما قال «ديفيد مليباند»، وزير الخارجية البريطاني الأسبق، فإنّ بريطانيا كعضو دائم في الأمم المتحدة يجب أن تبذل جهدًا أكبر إزاء تحسين الأوضاع على الأراضي السورية.
أيضًا، بالرغم من ذلك، تعقيد الأوضاع على أرض الواقع في سوريا يقوّض الجهود التي تبذل من أجل إنهاء الصراع. كما تفتقر هذه الجهود إلى هدف غربي واضح إزاء الأوضاع هناك، كما أنها صامتة صمتًا مريبًا بالرغم من العدد المروع للقتلى المدنيين. وانتقدت الصحيفة أيضًا دور الاتحاد الأوروبي في مواجهة الزيادة المحتملة للاجئين السوريين، أو اتخاذ أي إجراءات بشأن «السلام السوري» أو حتى استئناف المحادثات.
وفي الوقت نفسه، يستغل الحرس الثوري الإيراني والفصائل الشيعية كل فرصة على أرض الواقع لتوسيع نفوذ طهران هناك، ومن غير المرجح في ظل هذه الأوضاع التوصل إلى تسوية سياسية عما قريب.
كما أنّ الولايات المتحدة تتحمل جزءًا من نصيبها؛ لتغاضيها عن دورها إبّان ولاية أوباما، وقبوله لمكائد بوتين هناك، لكنّ كل ذلك قد يتغير مع العام الجديد الجاري 2018؛ إذ تعهّد «تيلرسون» بالتزام عسكري أميركي دائم في سوريا، وبذل مزيدًا من الجهود لدعم اللاجئين والنازحين داخليًا، وتوسيع مبادرات تحقيق الاستقرار، داعيًا روسيا إلى إنشاء منطقة وقف تصعيد في إدلب على غرار التي أجريت في مناطق أخرى في سوريا مؤخرًا.
وأفضل ما يمكن فعله حاليًا البدء في اتخاذ خطوات إصلاحية لمعالجة الانقسام الذي مزق سوريا، وإذا لم تتغير الديناميكية التي تتعامل بها الدول جميعها على الأراضي السورية فالوضع سيزداد سوءًا أكثر فأكثر، ومن الممكن أن تتحوّل سوريا في وقت من الأوقات إلى منطقة غير مأهولة بالسكان، بل بجيوش دول تحارب بعضها بعضًا؛ سواء السعودية أو تركيا أو قطر أو تنظيم القاعدة أو روسيا أو إيران وبشار وأردوغان والأكراد وغيرهم.