بدأت حكاياتي مع انتفاضة الاقصى المباركة عندما كنت في الصف الثالث الثانوي، فبينما كان المعلم يشرح في الدرس واذا بنا نسمع خبرا يفيد بارتقاء عدد من الشهداء في باحات المسجد الاقصى المبارك بعد ان دنسه رئيس الوزراء الاسبق ارئيل شارون، حينها انطلقنا من المدرسة في مسيرات حاشدة نحن جموع الطلبة نهتف للانتقام لدماء الشهداء وبعضنا ذهب الى ما كانت تسمى وقتها قبل تحرير غزة بمستوطنة نتساريم جنوب قطاع غزة، لرجم الاحتلال بالحجارة والعبوات النارية التي يطلق عليها (المولوتوف)..الى ان اشتعلت الاشتباكات وحمي الوطيس حتى أصبح الشهداء يرتقون واحدا تل والاخر..حتى حوصر الطفل محمد الدرة وأبية في تلك المنطقة الى ان أفرغوا في قلبه عددا من الرصاصات غير آبهين بصراخه وهو في حضن ابيه.. وكانت هذه الحادثة بمثابة اشارة فارقة في اشتعال الانتفاضة في قطاع غزة..
استمرت سنوات الانتفاضة واشتدت عمليات المقاومة حتى تطورت المواجهة بيننا وبين الاحتلال الصهيوني فاتجهنا لتصنيع صاروخ قسام 1 وهو أول صاروخ محلي الصنع في قطاع غزة تفكر به كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، وبدأ هذا الصاروخ يتطور حتى أصبح يشكل توازن للرعب، فباتت المحال التجارة الصهيوني والمصانع والشركات في بعض المستوطنات المحاذية للقطاع تغلق أبوابها خوفا من تلك الصواريخ بدائية الصنع، بل ان المدارس والجامعات أيضا أصبحت تغلق أبوابها، فكل شيء تعطل هناك.
وقتها أدرك الصهاينة ان تلك الصواريخ أصبحت تهدد كل شيء عندهم فعكفوا على مواجهتها بكل ما أوتوا من قوة من خلال الاجتياحات البرية والاغتيالات وقصف الاهداف …الخ
حتى أن مدينة بيت حانون تعتبر من اكثر المدن اجتياحا في قطاع غزة طيلة فترة الانتفاضة لأنها المدينة التي تخرج منها الصواريخ باتجاه البلدات المحتلة، نظرا لقربها من الحدود والمغتصبات..
وعن تجربتي الشخصية فقد سكنت تلك المدينة ما يزيد عن ثلاثة سنوات تعرض بيتي خلالها لحصار الدبابات والمدرعات والجرافات الصهيونية..حتى انهم ذات يوم اجتاحوا بلدة بيت حانون واقتحمت مجموعة من القوات الخاصة الصهيونية بيتي وكانوا وقتها يعتقلون الشباب من هم دون الـ40 عاما من اجل استجوابهم عن اطلاق الصواريخ، وكان معروف عني انتمائي لحركة حماس، فأقدت هذه القوات الخاصة مدججة بالسلاح واقتحمت بيتي، وكنت وقتها أسكن الطابع العلوي وحدي واخي كان وأبنائه في الطابق السفلي، حتى أنني هيئت نفسي للاعتقال واعتبرت انه لا مفر منه، فتوضأت وصليت ركعتين وقرأت سورة يس بنية ان يصرف الله أبصارهم عني مع ذكر الادعية الخاصة بملاقاة الاعداء..ولحسن التدبير الالهي .. لا اريد ان أقول حدثت معجزة معي،،، بل هي كرامة من كرامات الله عز وجل..حينما انتظرت صعود القوات الخاصة الصهيونية للطابق العلوي..تفاجأت بخروجهم من البيت دون الصعود الي شقتي وكأن الله قد عمى أبصارهم عني..حتى أنه بعد انصرافهم.. تعجب أخي وقال بأن الجنود قد ترددوا في الصعود الى الطابق العلوي فأصبح بعضهم يقدم خطوة الى الامام وخطوة الى الخلف الى ان أبلغهم قائدهم بانه لا يوجد أحد في الطابق العلوي وعلينا الانصراف..والحمدلله ان صرف الله ابصارهم عني فقد كنت صائما يومها وقد كانت والدتي حفظها الله تدعوا لي في كل لحظة..حتى ان جيراني علمت لاحقا انهم رفعوا أكفهم ودعوا الله ألا يلحق بي الصهاينة أي أذى.
في تلك الأيام العصيبة كانت معركة أهل الجنة المشهورة وقد حوصر عدد من المجاهدين في مسجد ام النصر الذي هدمه الاحتلال، وقد كنت على تواصل دائم معهم وكان مسئول المجموعة صديقي ..فقد نفذت ذخيرتهم أثناء ملاقاة العدو والاشتباك معه وقد حوصروا من جميع الجهات ولم يبق اماهم سوى الشهادة ولقاء الله عزو جل ولا مجال أبدا للاستسلام..
لقد توهم جيش الاحتلال ان المجاهدين موجودين في داخل مسجد ام النصر وتلك كانت خطة لصرف نظر الاحتلال عن المكان الاصلي لوجود المجاهدين وهو في عمارة خلف المسجد..فاقدم الجيش على هدم المسجد فجعله ركام..ليتفاجأ بعدم وجود احد بداخله..في هذا الوقت كان صديق لي هو احد مجاهدي القسام اسمه صهيب عدوان قد أطلق رصاصاته وكل ذخيرته صوب عدد من الجنود وأصابهم بجروح مختلفة وكان بجوار المسجد إلا ان القناصة قد شاهدته فأطلقت عليه رصاصاتها فأردته شهيدا رحمه الله.
في تلك اللحظات انطلقت مكبرات الصوت من المساجد تناشد نساء غزة المجاهدات بالذود عن مجاهدينا المحاصرين وانقاذهم من قبضة الاحتلال، حتى تم التخطيط لعملية قسامية نوعية معقدة انقذت مجاهدينا من قبضة الاحتلال بعد دخول هؤلاء النساء وتلك الاخوات بين ارتال الدبابات يواجهون الموت دفاعا عن المجاهدين وقد اطلق عليهم فدائيات الحصار، واستطاعوا ان يفكوا الحصار عن المجاهدين واخفائهم بين جموع الاخوات الذين اتجهوا بمسيرة نحوهم.
تلك كانت محطات سريعة في انتفاضة الاقصى المجيدة ولا يستع المجال للكثير من المحطات والمواقف العظيمة التي عاشها أبناء شعبنا الفلسطيني المرابط..
وانا أرى ان انتفاضة الاقصى بالتأكيد قد نحجت في تحقيق اهدافها فشارون الذي كان يقول عن مستوطنة نتساريم التي كانت في غزة قبل التحرير هي تل أبيب، اليوم هو بنفسه من يطالب بالانسحاب منها ومن باقي المغتصبات في غزة، لتتحرر غزة من الاحتلال ، ولتختلف موازين الرعب لتصبح ضربات المجاهدين قادرة على الردع وبقوة.. الى غير ذلك فان انتفاضة الاقصى قد نجحت في انحسار المشروع الصهيوني الكبير الذي يحلم بدولة اسرائيل من النهر الى البحر.. فها هو اليوم أصبح يتقوقع في جدار يلتف من حوله بدلا من أن يتوسع ويتمدد.. إضافة الى ان جميع قادة العدو الصهيوني قد فشلوا فشلا ذريعا في تحقيق أي مأرب وأي هدف نادوا به.. فشارون تعهد بالقضاء على تلك الانتفاضة في 100 يوم وفشل.. وجاء بعده نائبه ايهود اولمرت ليمسك برئاسة الوزراء ويشن حربا على غزة بحجة القضاء على حماس وانهاء حكمها وانهاء اطلاق الصواريخ ولكنه أيضا فشل..فقد خرجت الصواريخ صوب البلدات الصهيونية واراضينا المحتلة بينما كان يلقي اولمرت مؤتمره الصحفي بإنهاء الحرب..وعوضا عن ذلك فقد حاصروا الفلسطينيين حتى يتنازلوا عن ثوابتهم ومبادئهم ولكنهم أيضا فشلوا..
لذلك فان المعركة مع المحتل الصهيوني باقية وستبقى طالما ظل بقي هناك مغتصب صهيوني واحد جاثيا على أرضنا..