قالت صحيفة «ميدل إيست آي» إنّ الاحتجاجات التونسية آخذة في التصعيد، ردًا على سياسات الحكومة التقشفية التي اتبعتها مؤخرًا في محاولة لتعافي الاقتصاد الذي دُمر في المدة الماضية، كاشفة في مقال للدكتور «ماكس غالين»، أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية لندن للاقتصاد، أنّ إقرار قانون المالية الجديد مطلع الشهر الجاري كان بمثابة نقطة الانطلاق التي اتخذها محتجو تونس.
وقال، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ لتونس علاقة بالاحتجاجات ونقلها إلى الدول المحيطة، كما حدث في 2011، وأرسل شتاء ربيع إلى العالم العربي، ومعظم دول شمال إفريقيا الآن ترزح تحت وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة ومعدلات البطالة والتضخم؛ وهو ما يلفت إلى احتمالية تصاعد الأحداث فيها كما يحدث في تونس.
وبدأت الاحتجاجات التونسية الأيام الماضية بشكلٍ سلمي، قبل أن يبدأ المتظاهرون في الاشتباك مع قوات الأمن؛ وقُبض على أكثر من مائتي شخص حتى الآن، وتوفي متظاهر.
مطلبهم الأساسي
خرجت التظاهرات اعتراضًا على ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة وسياسات التقشف التي اتبعتها الحكومة التونسية، ويتمثّل مطلبهم الأساسي في مراجعة قانون المالية الجديد، الذي دخل حيز التنفيز في الأول من يناير الجاري؛ وهو القانون المسؤول عن الارتفاع الأخير في الأسعار.
وأطلقت مجموعة شبابية في تونس حملة تحت عنوان «فاش نستناو»، أي «ماذا ننتظر؟»، داعية إلى احتجاجات عارمة في جميع أنحاء تونس في الأيام القليلة الماضية.
ويأتي القانون الجديد ضمن السياسات الاقتصادية المؤسفة التي شكّلت مرحلة ما بعد الثورة في تونس، وكانت خطوات الحكومة مدفوعة بمطالب صندوق النقد الدولي، الذي أجبرها على اتباع استراتيجية للإصلاح الاقتصادي، تهدف إلى خفض معدلات الإنفاق الحكومي وتخفيض قيمة العملة.
ولأنّ تونس مستورد أساسي للمواد الغذائية، ومع فقدان الدينار جزءًا من قيمته؛ زادت الضغوط على المواطنين التونسيين بعد ارتفاع تكاليف المعيشة وتفاقم معدلات التضخم.
وبحلول عام 2017، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسب الثلث منذ ثورة يناير 2011، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسة 50%، وأوقفت الحكومة التعيينات في جهازها الحكومي بشكل تام؛ وتركت هذه الظروف كثيرًا من الشباب التونسي عاطلًا عن العمل.
قانون المالية المثير للجدل
ومع العوامل السابقة، جاء قانون المالية الجديد ليشكّل عامل ضغط آخر على التونسيين؛ فبناء عليه سيُخفّض عجز الميزانية التونسية إلى أقل من 5% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يستتبعه جرعة أخرى من التقشف. وبالفعل، أُقرّت زيادة في ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب زيادة الضرائب الأخرى بنسبة 10% داخل قطاعات متعددة، بما فيها توكيلات السيارات ومحلات السوبر ماركت وغيرها.
وهكذا مع بداية العام الجديد ارتفعت الأسعار مرة أخرى، بجانب زيادة أسعار البنزين والاتصالات، جنبًا إلى جنب مع السلع المنزلية؛ و«جاءت كل أفكار صندوق النقد الدولي وخططه لتونس سيئة»، فالدفع نحو برنامج إصلاحي شامل دون اعتبار العواقب التوزيعية يطلب من المواطنين تضحيات إضافية، أو بمعنى آخر «يعطون أكثر مما يأخذون».
وسارت خطابات الحكومة في المدة الماضية في طريق أنّ الأوضاع الحالية لن تستمر؛ لكنّ المحلل السياسي توقّع أن يكون العام 2018 عامًا صعبًا على التونسيين، بسبب التزامات خدمة الديون في تونس في السنوات المقبلة، ولأن المواطنين التونسيين فقدوا الثقة في حكومتهم.
احتمالية للتصعيد
من قراءة الأوضاع على الأرض في تونس، يبدو أنها آخذة في التصاعد، وجعل رد الحكومة على الاحتجاجات بالقمع من التصعيد أمرًا منطقيًا، ومن المفاجئ حدوث تغيرات جوهرية في السياسة التونسية ما لم يتح المقرضون الدوليون للحكومة التونسية مجالًا للمناورة، وحتى لو ألغي قانون المالية فالدينار آخذ في الانخفاض، ولم يبدأ سوق العمل في التعافي، وسيستمر الانخفاض في تعيينات الجهاز الحكومي.
لكنّ الأزمة الراهنة كشفت شيئًا آخر، وهو ضعف المشهد السياسي القائم على توافق الآراء في تونس. وغير أنه وفقًا للمراقبين الدولين، تبدو الجماعات السياسية داخل تونس أكثر قدرة على التوافق والتجانس، وهو ما يحدث الآن؛ إذ اتفق الجميع على الاعتراض على سياسات التقشف الأخيرة، لكنه ينذر بقدوم خطر آخر على الحكومة التونسية، وهو خطر الانفصال بين الحكومة التونسية وشعبها.
وبفقدان ميزة التوحد، من الممكن للحكومة التونسية أن تسيطر على الاحتجاجات، كما تمكّن بورقيبة من فعلها في احتجاجات 1984 وقتل فيها نحو مائة شخص. وبالرغم من كل ما سبق، شتاء تونس أرسل الربيع في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وحاليًا ليست تونس وحدها من تجاهد تحت مظلة غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المعيشة؛ بل كل دول شمال إفريقيا تقريبًا.