يبدو أنّ النظام الإيراني يحاول تصحيح المسار في العلاقة بينه وبين الشعب، خاصة قطاع المعارضة الذي يواصل الاحتجاجات منذ 28 ديسمبر الماضي؛ فبدأ الأسبوع الماضي بإطلاق وعود لاتخاذ إجراءات إصلاحية اقتصادية طالب بها المحتجون، لكنّ هذه الوعود لم تسفر عن هدنة بين الطرفين؛ ليقدّم النظام قربانًا جديدًا للشعب الإيراني، وهو قانون لتخفيف العقوبة على المدانين بقضايا إعدام.
وقال الدكتور محمد عباس ناجي، رئيس تحرير «مختارات إيرانية» بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إنّ «إيران بالطبع تحاول التهدئة، لكن باستحياء؛ فهي حتى الآن لم تقدّم سوى وعود بإصلاحات اقتصادية وقانون يخفف العقوبة عن تجار المخدرات»، متسائلًا: «ما علاقة المحتجين بتجار المخدرات؟».
وأضاف، في تصريح لـ«رصد»، أنّ «التظاهرات الإيرانية لن تهدأ، وربما يتطوّر الأمر سريعًا؛ خاصة وأنّ هناك دعم غربيًا كبيرًا استغل الأزمة الحالية وحالة الانتفاضة الشعبية بدعم سياسي، وربما تكون هناك أنواع أخرى من الدعم المقدمة؛ لأنها ستكون الفرصة للتخلص من إمبراطورية ولاية الفقيه».
وبعد التعديل في القانون بإلغاء عقوبة الإعدام لبعض جرائم المخدرات، من الممكن أن ينجُ آلاف الإيرانيين اليوم من أحكام بالإعدام؛ إذ قال رئيس الهيئة القضائية إنّ جميع القضايا التي حُكم فيها بالإعدام يمكن مراجعتها.
ويُتوقع أن تطبق الخطوة الجديدة بأثر رجعي، وهو ما يعني أنّ خمسة آلاف سجين قد ينجون من الموت،؛ لأنّ إيران تعدم المئات كل عام، غالبتهم مدانون في جرائم مخدرات.
وفي أغسطس 2017، رفع البرلمان الإيراني كمية المخدرات التي تستوجب عقوبة بالإعدام. ففي القانون السابق، كان امتلاك 30 جرامًا من الكوكايين يستوجب الإعدام؛ لكنّ هذه الكمية رفعت إلى كيلوجرامين، وقال رئيس السلطة القضائية الإيرانية «آية الله صادق لاريجاني»، لوسائل إعلام محلية، إنّ عقوبات الإعدام ستخفض إلى أحكام مطولة بالسجن.
ورحّب محمود أميري مقدم، من منظمة «حقوق الإنسان في إيران»، وهي جمعية أهلية مستقلة ومقرها النرويج، بالتغييرات التي أدخلت على القانون. وقال لـ«بي بي سي»: «إذا نُفّذ القانون بصورة مناسبة فهذا التغيير سيمثل واحدة من أهم الخطوات في اتجاه الحد من استخدام عقوبة الإعدام في جميع أنحاء العالم»، لكنه أعرب عن قلقه من أنّ أولئك الذين ينتظرون تطبيق العقوبة عليهم قد لا يحصلون علي فائدة تذكر.
وأضاف: «نظرًا لأن غالبية الذين حكم عليهم بالإعدام بسبب جرائم المخدرات ينتمون إلى أكثر فئات المجتمع الإيراني تهميشًا، فمن غير المُسلّم أنهم يعرفون كيفية تقديم (طلباتهم) لتعديل الأحكام».
وعود اقتصادية
ومع انفلات يد السلطة الإيرانية في الشارع الإيراني، خرجت الحكومة في 30 ديسمبر الماضي لتعلن عن خطط اقتصادية؛ في محاولة منها لتهدئة الأجواء. وأعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية «محمد باقر نوبخت» عن خطط اقتصادية مستقبلية للحكومة الحالية في العام القادم في ظل مظاهرات خرجت في مدن إيرانية احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية.
وقال «نوبخت»، في مقابلة مع القناة الثانية الإيرانية، إنّ «فصلًا كاملًا وضع ضمن ميزانية العام القادم لإيجاد فرص العمل وأُدخلت 650 ألف فرصة عمل إلى السوق العام الماضي». كما تحدّث عن مشاريع لتحسين واقع المواصلات في البلاد بالقول إنه «نُسّق مع المحافظات لإخراج 40 ألف وسيلة مواصلات من الخدمة في العام القادم كونها أصبحت قديمة»، مؤكدًا أنّ هناك تسهيلات كثيرة اُتخذت لتحسين واقع السكن وتسليم المنازل للمسجلين عليها ضمن مشروع «مهر» السكني القريب من طهران.
وشهدت مدن إيرانية، من بينها العاصمة طهران، مظاهرات شعبية؛ للتنديد بالأوضاع الاقتصادية والبطالة المستشرية، ونشرت وكالات إيرانية مشاهد لمتظاهرين هاجموا فيها الممتلكات العامة من بينها البنوك، وتأتي هذه المظاهرات بالتزامن مع إحياء ذكرى إخماد الاحتجاجات التي انطلقت في ذلك العام ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي سمحت للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية على حساب منافسه الإصلاحي حسين مير موسوي.