أكدت صحيفة «ميدل إيست آي»، أن المشكلات التي تواجه إيران حاليا، لا تنبع من الرئاسة أو البرلمان أو أي مؤسسة لصنع القرار، بل تنبع من ولاية الفقيه، والتي تتدخل في شؤون المواطنين الخاصة، وهي من تختار مرشحي الرئاسة والبرلمان وحتى التصديق على قراراتهم، مؤكدة في مقال للمؤرخ السياسي بشير نافع، أن كل ما تغير بعد الثورة الإسلامية عام 1979 هو التخلص من نظام والإتيان بنظام أكثر قمعا منه.
وأوضح الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنه نظام لن يسقط بسهولة، فبرغم مساوئه إلا أن جزءا عريضا من الشعب الإيراني ما زال يؤمن بالجمهورية الإسلامية، إضافة إلى أن نظام الفقيه يسيطر على مقاليد الدولة منذ الثورة الإسلامية، وأصبح يمتلك الآن أدوات قمع غير مسبوقة، مسلطا الضوء أيضا على كيفية بدء الحركة الاحتجاجية الحالية والمسار المتوقع لها أن تسلكه وأبرز الخيارات المتاحة أمامها.
الوضع الاقتصادي السيئ
وأوضح الكاتب، أن الرؤى حول الاحتجاجات في أيامها الأولى، تلخصت في وجهتي نظر؛ الأولى اتهام المحافظين باستغلال الغضب الناجم عن الصعوبات الاقتصادية، واستخدامها كأداة لتحريك المعارضة الشعبية ضد الرئيس الحالي حسن روحاني، ووجهة النظر الثانية، دفعت بأن الاحتجاجات السلمية حق دستوري، وتتفهم الحكومة الإيرانية حجم المشكلة الاقتصادية الحالية وطبيعة المظالم التي خرج بها المواطنون.
إلا أنه بعد أيام تحول الخطاب العقلاني للحكومة الإيرانية إلى خطاب أكثر حدة، وألقت باللوم على جهات خارجية، وهددت المتظاهرين وأحكمتهم بالقبضة الأمنية، ومن حينها بدأ القتلى يتساقطون في الشوارع.
وتعيش إيران حاليا حالة اقتصادية بالغة الصعوبة، رغم الإفراج عن أصول إيران المتجمدة والتي قدرت بمليارات الدولارات، وفشلت الدولة في تحسين وضع غالبية المواطنين الإيرانيين، ويعزي بعض المراقبين الوضع الاقتصادي السئ في إيران إلى الحصار والعقوبات والتي أضعفت البنية التحتية الصناعية والتقنية للبلد.
إلا أن الكاتب، أكد أن السبب بعيد عن الحصار والعقوبات؛ فعلى سبيل المثال نجحت إيران في تطوير صناعة عسكرية نووية رغم العقوبات الدولية، على النقيض موضحا أن المشكلة لها أسباب وجذور أخرى، تعود إلى سقوط الشاه عام 1979؛ حيث لم يتم وضع نهاية لحكم الأقلية وهيمنتها على السلطة والثروة، أحد أبرز مشكلات قبل الثورة.
وما حدث بالفعل، هو استبدال أقلية بأقلية أخرى تسيطر على مجريات الأمور، وأسهم الحصار والعقوبات في المزيد من الانقسام وتفاقم مستويات الفساد.
الأولويات الإيرانية الخاطئة
وأرجع الكاتب أن الأزمة الإيرانية الحالية تتعلق أيضا بأولويات الجمهورية الإسلامية التي دائما ما تجيء في غير محلها، موضحا أن الطبقة الحاكمة هناك تعيش في وهم إمبريالي متضخم ومتشابك، ولتحقيق حلمها هذا، قامت الجمهورية بشن حملة توسعية محلية كلفت الاقتصاد المحلي، وشملت تلك التوسعات في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
واستجابة للتهديدات المتصورة وغير الحقيقية، قامت إيران بإنفاق الميارات على أسلحة غير ضرورية، بدءا من برنامجها النووي إلى تطوير قذائف صاروخية متوسطة وطويلة المدى، وانتظر المواطنون الإيرانيون وقتا كافيا بعد توقيع الاتفاق النووي، في انتظار تحسن الأحوال المعيشية، إلا أن مساعيهم باءت بالفشل مما أصابهم بإحباط كبير.
وكان ذلك، أحد الدوافع الرئيسية وراء الانتفاضة الحالية، وأكثر ما أزعج المسؤولين الإيرانيين حيالها، أن توسعت بشكل سريع وغير مسبوق، وأصبحت مضادة للنظام السياسي بأكمله والسلطة الدينية، وهنا تمكن معضلة مزمنة.
معضلة المشهد الإيراني الحالي
جاء تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد ثورة شعبية اطاحت بنظام الشاه عام 1979، ومنذ أن ولدت الجمهورية من رحم الثورة، تبخرت أحلام الملايين الذين خرجوا والآلاف الذين قتلوا، وتحولت عن إردة الشعب الحقيقية إلى أن تعمل ضده، ولم يتحقق الوعد أبدا، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل الثورة، وأصبحت ولاية الفقيه هي المتحكمة في كل مجريات الأمور، بدلا من سلطة الشعب.
وخلال فترة التغيير الحرجة من نظام الشاه إلى الجمهورية الإسلامية، هيمن على الأمور من يؤمنون بولاية الفقيه، ويمكن وصف ما حدث بأنه إعادة إحياء للشيعة، والذين لم يجدوا أي حل للوضع الإيراني، سوى إخضاع الجمهورية لولاية الفقيه الأعلى.
وبعبارة أخرى، ظهر النظام الجمهوري بطريقة مغايرة لما كان قبل الثورة إلا اختلاف في المسميات، فمن ناحية تجري إيران انتخابات رئاسية وبرلمانية بشكل منتظم إلا أن هناك إرادة أخرى تحل محل الناخبين، وهي إرادة الفقيه، ولا يقتصر الأمر على تحديد من يصلح أن يكون مرشحا رئاسيا أو برلمانيا، فسلطة الفقيه أيضا هي من تصدق على القرارات الرئاسية والبرلمانية هناك.
مشكلة إيران الحقيقية
يعرف الإيرانيون جيدا أن مشكلة جمهوريتهم هي أنها ليست جمهورية بالمعنى الحقيقي، ويفسره قمع أي انتفاضة ضد نظام الحكم هناك، كما حدث في احتجاجات 2009 التي اندلعت بعد تزوير الانتخابات، وتحولت إلى حركة شعبية واسعة، إلا أن النظام حينها استطاع قمعها بطرق وحشية.
ويعتقد جزء عريض من الشعب الإيراني، أيضا، أن معاناة الشعب لا تنبع من الحكومة أو الرئاسة او البرلمان، فهي مؤسسات لا تصنع القرار، بل المشكلة متمثلة في ولاية الفقيه، ومن المبالغة الاعتقاد بأن الاحتجاجات الشعبية الحالية، قادرة على إسقاط النظام، فالإيرانيون منقسمون سياسيا في الداخل ولا يستطيعون التوافق حاليا على قرار موحد، وغير ذلك هناك قطاع عريض من الناس يؤمنون إيمانا عميقا بالجمهورية الإسلامية رغم مساوئها.
والأهم من ذلك، فإن قدرة النظام على القمع حاليا، لم يسبق لها مثيل.، إلا أنه من ناحية أخرى فشرعية النظام الحالي آخذة في التآكل.