دعت شبكة «سي إن إن» المجتمع الدولي إلى ضرورة إقرار حلول واتخاذ مواقف عاجلة بشأن انتشار تجارة الرقيق في ليبيا، وبيع المهاجرين غير الشرعيين وشرائهم؛ داعية إلى مساءلة المتسببين في ذلك وعقابهم، دون الاقتصار على الإدانة والتعبير عن الرفض الأخلاقي.
وقالت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إنّ هناك أشكالًا مختلفة من الرِق، غير بيع البشر وشرائهم؛ أبرزها في مجالات الزراعة والتعدين وصيد الأسماك والمطاعم وغيرها، والظروف الاقتصادية ليست وحدها عاملًا لانتشار الرق؛ بل إخفاء الحقوق الأساسية عن مواطني الدول الفقيرة، وعدم إنفاذ القوانين، وحرمانهم من الخدمات الاجتماعية والصحية.
ولن يهمّ الغضب الصريح للمجتمع الدولي بعد التحقيق الأخير للشبكة، الذي كشفت فيه عن سوق الرقيق الذي يبيع المهاجرين في ليبيا؛ إلا إذا أسفر عن ردة فعل من شأنها إيقاف بيع البشر وشرائهم.
وجاءت الاستجابة الفورية حينها في هيئة حثّ ليبيا على وقف تجارة الرقيق والدعوة إلى إعادة المهاجرين إلى أوطانهم في بلدان غرب إفريقيا. وبالرغم من ضرورة اتخاذ الخطوتين؛ فإنهما غير كافيتين للحد من تجارة الرقيق، بل مطلوب استراتيجية تقضي عليها من جذروها.
ولا يوجد سوق واحد للرقيق في ليبيا؛ بل أسواق، ويجب مساءلة مرتكبي جرائم الرق هناك والمتسببين فيها، وضرورة توفير الحماية للضحايا أو إعادتهم إلى ديارهم. لكنّ إغلاق سوق الرقيق أو حتى بعضها لن يساهم في معالجة أشكال العبودية الأخرى، التي وإن بدت أقل وضوحا فإنها أكثر شيوعًا؛ حيث تنتشر في مجالات التجارة والزراعة والبناء والتعدين والمنسوجات وصيد الأسماك والمطاعم، وغيرها.
ظروف يائسة
وكثير من المهاجرين المستغلين في ليبيا من غرب إفريقيا، من دول مثل غانا والنيجر والسنغال، التي قضت على أشكال العبودية منذ مدد كبرى؛ لكنّ الهجرة المقلقة لشبابهم غالبًا ما تفضي في النهاية إلى استغلالهم في أعمال الرق، ومعظم من اضطرتهم الظروف للسفر بحثًا عن عمل انتهى بهم الحال مقبوضًا عليهم أو مباعين في ليبيا.
أيضًا، ظروف مجتماعتهم المحلية مضطربة ويعيشون وضع بائس. كما إنّ معاقبة تجار الرقيق أو إعادتهم إلى أوطانهم لن تغيّر الواقع الذي دفع المستغلين إلى الهجرة. وكذلك، يعيش أسرهم وأصدقاؤهم داخل بلدانهم الأصلية في وضع مماثل؛ لذا من الضروري التفكير في العبودية على أنها مرض يصيب المجتمعات الضعيفة، وليس الأفراد.
فالرق ينبع من الضعف، وغالبًا ما يستهدف تجار الرقيق أفراد القرى والأحياء الأكثر فقرًا والمهمشة.
الرق في الوطن أيضًا
وفي المجتمعات الضعيفة غرب إفريقيا، تظهر العبودية بطرق عديدة؛ ففي دولة مثل ليبيا مثلًا يحصلون عليهم من المهاجرين غير الشرعيين. وفي مالي، يترسّخ الاسترقاق في مناجم الذهب والزراعة والنقل والتسول والاتجار في الجنس.
وفي غانا، تعتبر مجالات الدعارة وصيد الأسماك والحمّالين «الشيالين» في الأسواق من الأكثر شيوعًا في الرق. وفي النيجر، يتمثل الرق في العمل القسري في مجالات التعدين والزواج القسري، وفي السنغال يُنتظّم الأطفال في عصابات للتسول، وهكذا.
لذا؛ التركيز على شكل واحد من أشكال الرق لن يُحدث فرقًا كبيرًا في معالجة المسألة؛ لأن هناك أشكالًا متعددة من الرق في القرية الواحدة.
استراتيجية المقاومة
وما يحتاج إليه العالم الآن معالجة الأسباب الجذرية؛ فالفقر وحده لا يفسّر العبودية، فهناك قرابة 700 مليون شخص لا يجدون قوت يومهم ويحصلون على دخل أقل من دورين في اليوم، بينما يوجد 40 مليون عبد.
لكنّ الرق يحدث عندما يمتزج الفقر بعوامل أخرى.
تتلخص هذه العوامل في عجز تأكيد حقوق الإنسان الأساسية، وحرمان الأفراد من الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأساسية؛ لا سيما المدارس والرعاية الصحية والائتمانات، وفشل سيادة القانون وغياب التأهيل لضحايا الرق الذين أنقذوا.
وقدّمت «سي إن إن» أدلة دامغة على أنّ اتّباع نهج شامل يقوم على معالجة الأسباب الجذرية سيؤدي في نهاية المطاف إلى مقاومة المجتمع المحلي لأشكل العبودية المتعددة.
وثمّة «مفاتيح» للقضاء عليها؛ مثل تعزيز عمل المنظمات المحلية التي تحمي المجتمعات الضعيفة؛ حتى يعرف الجميع حقوقهم وتأكيدها، وتعبئة المجتمعات المحلية عبر تنظيم لجان لمكافحة الرق، وتعمل بمثابة «مراقب حي» ضد تجار البشر، وزيادة فرص الحصول على الخدمات الأساسية؛ لا سيما المدارس ودور الرعاية الصحية وخدمات الائتمان، وتعزيز إنفاذ القوانين، وضمان حصول الناجين من أسواق الرقيق على الرعاية اللازمة؛ حتى لا يُستعبدوا ثانية.
ودعت الأمم المتحدة إلى وضع حدّ للرق بحلول عام 230، واستغرق الأمر 20 عامًا من التجربة والخطأ للكشف عن طريق أمثل للقضاء على العبودية، وتصاعد السخط الأخلاقي المجتمعي والدولي ضد أشكاله.