بين الحين والآخر تخرج التصريحات الرسمية من بين الجانبين المصري والتركي، والتي ترحب بإزالة الخلافات والتقارب بين البلدين، ولكن تنتهي هذه التصريحات والمبادرات بالفشل، في ظل تأزم العلاقات بين البلدين.
رغبة مصرية
وكان آخر هذه التصريحات حديث وزير الخارجية المصري سامح شكري؛ حيث زعم أنّ «بلاده تستمع من حين لآخر إلى رغبات من بعض المسؤولين الأتراك للتقارب، لكن مستوى التدخّل في الشؤون الداخلية المصرية والإساءة ليس بالوتيرة السابقة»، واصفا العلاقات بين مصر وتركيا بأنّها «ما زالت على ما هي عليه»، مشيرا إلى أنّ «هناك رغبة في تجاوز أي توتر، ولكن على أساس مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر».
وكشفت مصر عن رغبتها في استئناف العلاقات المصرية التركية جاء ذلك على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري في حوار قامت بنشره صحيفة أخبار اليوم الحكومية، السبت؛ حيث أكد شكري أن بلاده تعرب عن أملها في عودة العلاقات مع تركيا، لافتا إلى أن مصر لديها رغبة مستمرة في تخطي كل العقبات وتجاوز أي خلاف.
وأوضح شكري، خلال حديثه، أن هناك علاقة قوية تربط الشعبين وصلات مصاهرة وتراث مشترك بين تركيا ومصر، منوها بأن بلاده دائمة التأكيد على أملها بعودة العلاقات وتجاوز التوتر.
وقال الوزير المصري: «الأوضاع مع تركيا ما زالت على ما هي عليه ولكننا نؤكد على رغبة بلادنا في تجاوز أي توتر، ولكن على أساس مبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وعدم الإساءة بأي شكل من الأشكال لها».
وأشار الوزير إلى أن هناك رغبات تصدر من بعض المسؤولين الأتراك بعودة التقارب بين البلدين على أساس النفع والمصلحة بين تركيا ومصر .
ليست الأولى من نوعها
تصريحات سامح شكري، وزير الخارجية، لم تكن الأولى من نوعها، سواءً على مستوى المسؤولين المصريين، أو الأتراك، ففي أغسطس من عام 2016، حرك إعلان رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، عن رغبة حكومة بلاده تطوير علاقاتها مع مصر -خاصة في الجانب الاقتصادي- ملف علاقات بلاده التي ظلت تتراوح بين التأزم والجمود مع مصر، منذ يوليو 2013 وعزل الدكتور محمد مرسي وأطاح بأول رئيس مصري منتخب.
وفي 3 من سبتمبر، قال بن علي يلدرم، إنَّ حكومته تتبع سياسة «الإكثار من الأصدقاء وتقليل الأعداء» في سياستها الخارجية، وتسعى إلى تحسين العلاقات مع كثير من الدول بعد تطبيعها مع روسيا وكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومنها دول مثل مصر وإن تركيا بدأت محاولات جادة لتطبيع العلاقات مع مصر وسوريا.
ولم تتأخر القاهرة في تلقف الرسالة التركية حريصة على البناء عليها، ورد عبدالفتاح السيسي، أول أمس، على تصريحات يلدرم بالقول: «لا يوجد ما يستوجب العداء بين الشعبين التركي والمصري».
ولا تبدو مهمة تحسين العلاقات بين مصر وتركيا سهلة في ظل الاختلافات الجوهرية بين نظامي الحكم فيهما، سيما وأن كثيرا من المواقف التي اتخذها الطرفان خلال الأعوام الثلاثة الماضية قد زادت من سمك جدار الجليد بينهما.
زيارات اقتصادية
الزيارات الاقتصادية بين البلدين استؤنفت بشكل رسمي، في يناير الماضي، حين زار وفد اقتصادي تركي رفيع المستوى برئاسة رفعت هيسار أوغلو، رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية، القاهرة، في 29 من شهر يناير الماضي، للمشاركة في منتدى الأعمال المصري التركي الذي انعقد يومي 29 و30 في القاهرة.
وقالت السفارة، في بيانها، إن الوفد ضم 10 من كبار المسؤولين بالشركات التي تعمل في مجالات الصناعات الهندسية والكيميائية والنسيجية والطاقة والزراعة والخدمات، إضافة إلى كبار المستثمرين الأتراك بهدف تنمية الاستثمار وتنشيط حركة التجارة في مصر.
وخلال الكلمة التي ألقاها خلال المنتدى، قال هيسار أوغلو، رئيس اتحاد الغرف والبورصات التركية: «الوفد التركي الموجود يرغب في الاستثمار بقوة في مصر، ونسعى إلى مزيد من الأعمال، فالصداقة الجافة بين أنقرة والقاهرة لا تنفع، ولا بدّ من أن نسهم في تنمية الدولتين وتعزيز العلاقة الاقتصادية بينهما».
تبادل الزيارات
وخلال الأسبوع الأخير من نوفمبر الماضي، استضافت تركيا المؤتمر الاقتصادي التركي المصري المشترك «هيا نصنع معا». المؤتمر جاء بمشاركة رجال أعمال من البلدين، وأسفر عن توقيع اتفاقيات بقيمة نحو 51 مليون دولار.
من جهته، قال أحمد توي، عضو مجلس إدارة الجمعية، مستثمر تركي في صناعة الأثاث، إن هذه الصناعة «تعد أحد أهم الصناعات الواعدة بتركيا».
وقال أتيلا أطاسَفَن، رئيس جمعية رجال الأعمال الأتراك-المصريين «تومياد» (أهلية)، السبت، إن الجمعية تستضيف، يومي الأحد والإثنين، بمدينتي الإسكندرية والقاهرة، وفدا تركيا من شركات صناعة الأثاث والأخشاب.
وأوضح، في بيان، أن «الهدف من عقد هذه اللقاءات، إتاحة الفرصة للمستثمرين المصريين والأتراك، لاستعراض ومناقشة إمكانية التعاون الاقتصادي وفرصه بين الجانبين».
تعاون مشروط
ومن جانبه، قال بشير عبدالفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن العلاقات بين مصر وتركيا تشهد حالة من الهدوء، وخروج مثل هذه التصريحات تشير إلى رغبة الطرفين في استمرار هذه الحالة، في ظل المصالح الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
وأضاف عبدالفتاح، في تصريح خاص لـ«رصد»، أن هناك تعاونا بين الجانبين على المستوى الأمني والاقتصادي، وأن كل طرف حريص على استمرار هذا التعاون، ولكن الخلاف بين أردوغان والسيسي لم ينتهِ، فالأول لا يريد الاعتراف بالآخر إلا بشروط، والأخير يرفضها.
وأكد عبدالفتاح، أن موقف أردوغان ما زال ثابتًا؛ فهو يرفض الاعتراف باستيلاء عبدالفتاح السيسي على الحكم، ولديه شروط بعودة العلاقات بين الدولتين، وهي: الإفراج عن جميع السجناء الذين اعتقلوا بعد 30 يونيو عام 2013 وعلى رأسهم الدكتور محمد مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية حرة في البلاد، ولكن هذا لم يمنعه من عدم مهاجمة النظام خلال الفترة الأخيرة، وخروج التصريحات بين البلدين والتي تشير إلي تحسن العلاقات حفاظا على المصالح المشتركة.
وأضاف عبدالفتاح «أعتقد أن العلاقات بين الدولتين لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، ولكن ستشهد تطورا ملحوظا خلال الأيام المقبلة، على المستوى الاقتصادي من حيث الاستثمارات وحركة التجارة، ولكن لن تصل إلى مرحلة الدعم والمساعدة والتحالف».
تهدئة متبادلة
من جهته، أكد الصحفي المصري في التلفزيون التركي سمير العركي، أن «من يتابع علاقة البلدين خلال الفترة الماضية يلاحظ بوضوح أن هناك تهدئة متبادلة بين الجانبين، ورغبة واضحة في تعظيم المكاسب المشتركة خاصة في المجال الاقتصادي».
وأشار العركي، في حديثه، إلى بعض جوانب ذلك التقارب، موضحا أن تركيا شهدت خلال الأسبوعين الماضيين مؤتمرا اقتصاديا استضافت فيه مجموعة من الصحفيين المصريين، وأطلعتهم على التجربة التنموية الاقتصادية.
وأضاف أن «مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الذي عقد بصفة استثنائية في إسطنبول بناء على دعوة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، شهد حضورا مصريا رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية، سامح شكري».
وأكد العركي أنه «ولذا فمن الضروري تقييم تصريحات شكري في هذا الإطار».
واستدرك قائلا: «ولكن احتمال تطبيع العلاقات بين البلدين لا أظن أنه سيتم دون حل عدد من الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف اعتقال الرئيس محمد مرسي، وبقية المعتقلين، الذين تطالب أنقرة بضرورة الإفراج عنهم».