نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية مقالًا للكاتب الصحفي ستيفن بريتشارد عن أوضاع حرية الصحافة في مصر، وكيف وصلت إلى المركز الثالث عالميًا في تدهور حريتها بعد تركيا والصين، ودور الحكومة في ذلك، والمعاناة التي يتكبّدها الصحفيون إذا سردوا قصصًا إخبارية تخالف هوى الحكومة؛ موضحًا أنه في أحيان يُزجّ بهم خلف القصبان وفي أحيان أخرى يُوصفون بأنهم «إرهابيون».
وتطرق الكاتب، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، إلى الهجوم الذي طاله في المنتدى العالمي للشباب بشرم الشيخ بعد حديثه عن أوضاع الصحفيين وحرية الصحافة في مصر بشكل خاص، واتهامه بتلقي أموال لتشويه المؤتمر.
فقدان للهوية
بدأ الكاتب مقاله قائلًا إنّ الأخبار ليست مجرد سجل يومي للأحداث، وبالرغم من أنّ السرد جزءٌ من حياتنا فهو يحدد منْ نحن وكيف تندمج الدول في قصة أوسع من العالم. وكما يحدث في أنظمة قمعية، تبدأ الأمة في فقدان هويتها بمجرد منع هذا السرد.
وأيّ نظام يقمع الصحافة والإعلام في بلده لا يحرم المواطنين من الهواء النقي وحسب؛ بل يحرم العالم أجمع من أيّ فرصة لفهم هذه الأمة ويحلّ محله الريبة؛ ما أدى بدوره إلى الكراهية وحتى الصراع.
وإذا أرادت دولة أن تُفهم وأن تُقبل وأن تتاجر بالحرية في المعرفة، عليها أن تقبل بالتدفق الحر للمعلومات والحقيقة؛ لكنّ الحقيقة أنّ دولًا لا تريد أن يفهمها العالم بوضوح. وفي سبيل ذلك، تشرع في منع الأخبار وقمع الصحفيين وسجنهم، الذين يُدلون بحقائق غير مريحة.
إنّ التطور الذي أصاب نقل المعلومات وإمكانية الوصول إلى المعلومات العالمية هو أعجوبة حديثة؛ لكنها لا تأتي دون ثمن لهؤلاء الذين يكتبون الأخبار ويحررونها، فوفقًا للجنة الدولية لحماية الصحفيين، قُتل 34 شخصًا هذا العام حتى الآن، وزُجّ بـ259 صحفيًا داخل السجون، وفُقد 55 آخرين.
وفي العام الماضي، ذكرت اللجنة أنّ تركيا لديها ما لا يقل عن 81 صحفيًا وراء القضبان، وقالت إنّ الصين التي تعدّ أسوأ مكان احتجاز في العالم انخفضت بين عامي 2014 و2015 إلى المركز الثاني مع 38 صحفيًا فقط في السجن، بينما جاءت مصر في المركز الثالث بـ25 صحفيًا داخل السجون، وقالت تقارير أخرى إنّ عددهم 29 صحفيًا وليس 25.
انتهاكات صارخة
منذ زيارتي الأخيرة إلى القاهرة منذ ثلاث سنوات تقريبًا لكتابة موضوع صحفي، كانت الزيادة في انتهاكات حقوق الإنسان صارخة؛ فهناك ما يقدّر بـ60 ألف سجين سياسي خلف القضبان، بينما يُحاكم المعارضون أمام محاكم عسكرية. وبجانب ذلك، القتل خارج نطاق القانون آخذ في الارتفاع، وتقول هيومن رايتس ووتش، التي حُظر موقعها في مصر، إنّ التعذيب أصبح روتينيًا وممنهجًا في سجون البلاد؛ وهو ما يشكّل جريمة ضد الإنسانية.
وتقول مصادر موثوقة إنّ الصحفيين الذين يجرؤون على التساؤل عن سرد النظام الرسمي وما يفعله يتعرّضون إلى المضايقات والاعتقال، وفي حالات يُعذّبون، ويوصف من ينجحون في التعبير عن آرائهم بأنهم إرهابيون، وكذلك أيّ صحفيين يحاولون نقل الأخبار وسرد القصص.
وكمحرر للقراء، غالبًا ما يُطلب مني التحدّث عن أخلاقيات وسائل الإعلام والمساءلة والصحافة، وسبق لي السفر إلى البوسنة وكوسوفو وتركيا وقبرص الشمالية وهنغاريا ومقدونيا وكولومبيا، وهي دول جميعها لديها سجلات مشكوك فيها بشأن حرية الصحافة؛ للمشاركة في المناقشات، وأعتقد أنّه من الأفضل الدخول في حوار ومحاولة تقديم أفكار ودعم للصحفيين بدلًا من الابتعاد عنهم، و«لكن، يمكن أيضًا إفساح المجال أمام الاتهامات بالتواطؤ، كما اكتشفت مؤخرًا في ما وصفته بالمنتدى العالمي للشباب شرم الشيخ».
وفي المنتدى، اجتمع الآلاف من الشباب في العالم تحت عنوان «نحتاج إلى التحدث». ولكن، في يوم واحد، فهمتُ أنّ المنتدى محاولة لتجميل صورة مصر أمام العالم بدلًا من إجراء مناقشة عالمية جادة، ومضيفًا أيضًا: «على الرغم من المناقشات بشأن حرية الصحافة وضرورة أن يدافع عنها الشباب في بلادهم، وجدت نفسي في مناقشة عامة عن الصحافة المصرية».
وحاولتُ وضع الأمور في سياقها العالمي، وقدّم المشاركون خريطة عن أوضاع حرية الصحافة وتصنيفها في العالم الذي أعدته «مراسلون بلا حدود» وجاءت مصر في المركز 161 من أصل 181 دولة. لكن، للأسف لن يعلم المصريون ذلك؛ فمواقعهم الإخبارية حُجبت. وهناك تشريعات تمنع وسائل الإعلام من مباشرة مهامها في معظم الدول، ولا شيء مما قلته يضاهي ما يتعرض إليه الصحفيون في مصر.
ولم أستطع عرض ذلك بشكل واضح؛ بسبب المداخلات التي قاطعتني، واُتّهمت بتلقي أموال كي أتحدث في المنتدى عن أوضاع حرية الصحافة في مصر. وأتعجّب من مدى سرعة تحوّل النوايا الحسنة إلى سيئة، بعد حديثي عن حقائق حرية الصحافة في مصر ومعاملة الصحفيين «في هذه الأراضي المضطربة».
وقال «روبرت ماهوني»، نائب المدير التنفيذي للجنة الدولية لحماية الصحفيين، إنّ وابل الخطاب المناهض للصحافة من دونالد ترامب أيضًا يقوّض دور الصحافة ويعرّض الصحفيين إلى الخطر، مستشهدًا بالهجوم الرهيب على مسجد الروضة في سيناء، قائلًا: «وصم الأخبار التي لا تعجبك بأنها أخبار وهمية ترسل إشارات إلى قادة الاستبداد العالمي بأنه من المقبول القضاء على الصحافة، وهو ما فعلته وزارة الخارجية المصرية، التي هاجمت سي إن إن، أسوة بترامب؛ في محاولة للتغطية على الحادثة الأهم في الروضة».