لم يخفى على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يكون هناك ردود فعل غاضبة بشأن إعلانه أن القدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي أو نقل السفارة الاميركية إليها، وهو الأمر الذي جاء كضربة قاسية لكافة الشعوب العربية والإسلامية، وتحديا صارخا لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
ودأب ترامب منذ توليه السلطة على محاباة إسرائيل ودعمها أكثر من سابقيه، وهو ما أكد عليه خلال حملته الانتخابية، إلا أن قرار القدس صدم العالم الغرب قبل الإسلامي، ما جعلهم يحذرون من تداعيات تلك الخطوة التي قد لا يحمد عقباها.
قرارات قاسية ضد فلسطين
عدد من القرارات والإجراءات تتخذها واشنطن خلال الفترة الحالية، تمثل حربا على فلسطين، وعداءا واضحا للشعوب الإسلامية، التي لا تزال تقاوم رغم محاولات الحكام الامتثال للكيان الصهيوني فالقدس وفلسطين تعتبر قلب العالم الإسلامي.
ولم تكتف الإدارة الأميركية بما أشعلته تسريبات قرارات تتمثل في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإعلانها عاصمة لإسرائيل، بل بدأت في اتخاذ خطوات لمشروع قانون يوقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية.
وصوت مجلس النواب الأمريكي بالإجماع الثلاثاء، على مشروع قانون لوقف مساعدات أميركية للسلطة الفلسطينية، وسببت القرار بأن الحكومة تدفع أموالا لعائلات فلسطينيين، اعتقلتهم إسرائيل بعد أن «اعتدوا على أميركيين وإسرائيليين» على حد زعمها.
واللافت في القانون أن التصويت جاء بإجماع من الكونجرس، في صوة تمثل توافقا كبيرا بين الديموقراطيين والجمهوريين بشأن فلسطين.
ونص القانون الذي أطلق عليه «تايلور فورس» «وقف مساعدات أمريكية للفلسطينيين، إلى حين تأكيد وزير الخارجية أن السلطة الفلسطينية ، اوقفت دفعات مالية، تعطيها لفلسطينيين سُجنوا بعد محاكمة أو لعائلاتهم».
ويتزامن التصويت مع اشتعال الأجواء بالعالم إثر قرار يتخذه ترامب اليوم بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، بعد أن نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أمريكيين نيته في ذلك قبل أيام.
تحذيرات دولية
وأمس أبلغ ترامب عددا من زعماء الدول العربية، نيته نقل السفارة الأميركية في «إسرائيل» إلى القدس المحتلة، ما دفع إلى سيل من التصريحات الغاضبة والبيانات التي حذرت من تداعيات الخطوة .
ردود الفعل أتت على مستوى العالم سواء الدول العربية أو الغربية، وتضمنت التصريحات مغبة القرار الذي ينوي ترامب اتخاذه، ليس فقط على الفلسطينيين والشعوب الإسلامية ولكن على العالم بأسره الذي يتخوف من انتفاضة شاملة تعصف بهدوء واستقرار بعض الدول.
وسارعت الدول الغربية من تحذير ترامب ودفع إلى العدول عن قراره، فحذر وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، واشنطن من عواقب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث أكد أمس أنه «لا يمكن حل مشكلة القدس إلا بمفاوضات بين طرفي الصراع».
ومن جهته شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة بحث وضع القدس في إطار محادثات السلام التي ستجري بين الفلسطينيين وسلطات الاحتلال، معربا عن قلقه من اتخاذ واشنطن قرارا من طرف واحد.
الاتحاد الأوروبي شارك ماكرون قلقه، بعد أن أكدت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد، فيدريكا موغيريني، أن القرار من شأنه تقويض جهود السلام الرامية لإقامة دولتين منفصلتين للإسرائيليين والفلسطينيين تماماً.
وقالت موغيريني، التي كانت تتحدث وهي تقف إلى جوار وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، في بروكسل: «يتعين إيجاد سبيل من خلال المفاوضات لحل مسألة وضع القدس كعاصمة مستقبلية للدولتين»، مؤكدة “دعم الاتحاد الأوروبي لجهود كسر جمود محادثات السلام».
أردوغان
حدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلسلة خطوات ستقدم عليها بلاده حال أصرت على قراراتها منها: البدء بتوجيه تحذير إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من عواقب هذه الخطوة، والتوجه إلى المجتمع الدولي، ومتابعة هذه المسألة إلى النهاية بكون تركيا رئيسة الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامي، ثم دعوة العالم الإسلامي إلى تنظيم فعاليات مهمة، وقطع علاقات تركيا الدبلوماسية مع إسرائيل.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إن اعتراف الولايات المتحدة المرتقب بالقدس عاصمة لإسرائيل أو اعتزامها نقل السفارة الأمريكية إليها، سيشكلان في جميع الأحوال قرارًا غير قانوني من شأنه تعقيد المشاكل في المنطقة.
وأوضح يلدريم خلال مؤتمر صحفي أن ثمة أنباء عن اعتزام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الإدلاء بتصريح يغيّر وينتهك الوضع القانوني للقدس، وأن الولايات المتحدة تتحدث عن نيتها نقل سفارتها إلى القدس أو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وسارعت الدول العربية بإصدار بيانات وتصريحات رسمية تدين القرار الأميركي، واعتبرت الخارجية المغربية في بياننها أن القرار، « يهدد أمن واستقرار منطقة تعمها أصلا حالة متقدمة من الاحتقان والتوتر»
وحذرت الوزارة من «تأجيج مشاعر الغضب والإحباط والعداء وتغذية مظاهر العنف والتطرف في حالة اتخاذ هذا القرار» مشددة على «ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني والسياسي للقدس».
حذرت الجامعة العربية، الثلاثاء 5 ديسمبر 2017، من “العبث بمصير مدينة القدس المحتلة”، وتأثير ذلك على تأجيج مشاعر التطرف ونعرات العنف والعداء والكراهية في المنطقة.
وطالبت الجامعة العربية، في البيان الختامي للاجتماع، الولايات المتحدة بـ”لعب دور نزيه ومحايد” لتحقيق السلام الدائم والشامل في الشرق الأوسط.
واعتبر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أن أي إعلان أمريكي بشأن وضع القدس «سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر في المنطقة».
وشدد في اتصال هاتفي مع ترامب «على أن من شأن هذه الخطوة الخطيرة استفزاز مشاعر المسلمين كافة حول العالم، نظرا لمكانة القدس العظيمة والمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين».
وجددت قطر رفضها لأي تغيير يطرا على الوضع في القدس، من شأنه أن يثبت من احتلالها، وأعرب وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن رفض الدوحة أية إجراءات تدعو للاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
وعلق حيدر العبادي، رئيس الوزارء العراقي، خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع الحكومة الأسبوعي ببغداد، على القرار مؤكدا أن «مجلس الوزراء (العراقي) يرفض نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ويحذر من تداعيات الموضوع».
ووصفت قيادة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، في لبنان، تهديدات ترامب بأنها « تشكّل تعبيرا وقحا عن الانحياز الأمريكي الكامل للاحتلال الصهيوني».
وقالت في بيان مشترك إن «القدس ستظل عاصمة الدولة الفلسطينية، رُغما عن الاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية».
واشنطن تستعد لغضب عربي
ردود الفعل أثارت التخوفات التي تعصف بالعالم جراء الغضب الشعبي إذا اتخذ ترامب قراره بشأن القدس، فحذرت وزارة الخارجية الأميركية من العنف المحتمل، واندلاع مظاهرات في السفارات الأميركية في أنحاء العالم.
وأرسلت الخارجية برقيتين سريتين أرسلتا إلى سفارات وقنصليات الولايات المتحدة للتأهب للخطر المحتمل، وتشديد الأمن.
وأعلنت حركة التحرير الفلسطينية «فتح» الاستنفار في قواعدها التنظيمية، ودعت إلى تسيير مسيرات رفض واحتجاج.
وأعلنت القوى السياسية الفلسطينية «الأربعاء والخميس والجمعة» أيام غضب شعبي شامل، ودعت إلى التجمع في كل مراكز المدن والاعتصام أمام السفارات والقنصليات الأميركية.
وأمرت وزارة الخارجية الاميركية في بيان موظفيها بتجنب زيارة المدينة القديمة بالقدس والضفة الغربية، وذلك بعد دعوات فلسطينية إلى التظاهر ضد القرار المرتقب لترامب، وأصدرت توجيهات جاء فيها «مع الدعوات الواسعة للخروج في مظاهرات من 6 ديسمبر في القدس والضفة الغربية، لا يسمح للموظفين الحكوميين الأميركيين وأفراد عائلاتهم، حتى إشعار آخر، بالسفر بشكل شخصي إلى مدينة القدس القديمة والضفة الغربية».
وحذرت القنصلية العامة الأميركية بالقدس موظفيها وعائلاتهم من التحرك والسفر داخل البلدة القديمة بالقدس المحتلة وأراضي الضفة الغربية، بما فيها مدينتا بيت لحم وأريحا، بدءا من اليوم الأربعاء وحتى إشعار آخر.
وطالبت بعدم التحرك قرب تجمعات فيها وجود عسكري، بسبب احتمال خروج تظاهرات فلسطينية