قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» إنّ «فلاديمير بوتين» و«دونالد ترامب» اتّفقا على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية؛ بعد أن اتّبع باراك أوباما سياسة «فك الارتباط» عن الشرق الأوسط لصالح روسيا وإيران.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ هذا التنسيق الاستراتيجي غير المحتمل بين القوتين العظمتين يعد نداءً لإحياء الجبهة الكبرى المناهضة لإيران للدول السنية البراجماتية «السعودية والإمارات ومصر»، التي أعلن عنها «ترامب» أثناء زيارته إلى الرياض. وهذه الجبهة لم تتعدّ الكلمات؛ بسبب -جزئيًا- أزمتها مع قطر، وموقف مصر المتناقض تجاه إيران، بعد أن عزّزت علاقتها بموسكو ومواءمة موقفها من سوريا مع حليفتها الجديدة.
تهديد الشرق الأوسط
وكانت استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من السعودية نداءً للعالم ووسائل الإعلام بأنّ إيران على وشك اجتياح لبنان، ولا يشكّل هذا تهديدًا للسعودية وحسب؛ بل للشرق الأوسط بأكمله.
وحطّمت آثار الربيع العربي أيضًا الآمال في تحقيق قدر أكبر من الديمقراطية، وبشّرت بموجة من الإسلام الراديكالي السني؛ ما أدى إلى إسقاط دول قومية مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، وعرقلة العودة إلى الاستقرار الإقليمي. والآن، تؤدي القوى العالمية والدول العربية دورًا خطيرًا في سوريا؛ فالحرب الأهلية التي طال أمدها لم تجلب سوى معاناة للشعب.
كما أنّ الوضع العام الإنساني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي مرهق لدرجة أنه سيستغرق سنوات حتى يسترد البلد عافيته، إن كان ممكنًا أصلًا؛ فالأغلبية السنية لن يقبلوا بسهولة العيش مرة أخرى في ظل نظام ديكتاتوري علوي، كما سيرفض الأكراد رؤية تفكيك حلمهم بالحكم الذاتي؛ خاصة بعد دورهم في مكافحة تنظيم الدولة.
بينما ترفض إيران وروسيا وبشار إجراء انتخابات تحت إشراف دولي من شأنها تسليم البلاد إلى الأغلبية السنية، التي تضمن محاكمته وطرد الدولتين من سوريا. كما يمكن إلغاء الاتفاقات التي تسمح لروسيا بالحفاظ على وجود عسكري في البحر الأبيض المتوسط.
ومع أخذ هذه العوامل في الاعتبار؛ لا يمكن أن تكون هناك تسوية شاملة للأزمة السورية إلا اتفاقات محدودة للغاية.
تخفيض التصعيد
وهناك تفاهمات بشأن ما يسمى «تخفيض التصعيد» أو «المناطق الآمنة» التي ينتهي القتال فيها ويمكن أن يعود المدنيون المشردون، وستُنفّذ بالتعاون بين روسيا وإيران وتركيا، باتفاق ضمني من الولايات المتحدة ودعم مصر؛ وبالتالي وجود إيران في سوريا سيُعترف به رسميًا.
واُتُّفق على عدم التصعيد في أربع مناطق، لكنها لم توقف جيش بشار -بمساعدة إيران وروسيا- من الاستفادة من ضعف قوات المتمردين للتعدي عليها، وإيران هي الفائز بلا منازع في ظل الوضع الراهن؛ فهي الآن راسخة بقوة في سوريا، ومن الصعب طردها، ومُقْدِمة على هدفها بالوجود في قلب الشرق الأوسط؛ بينما لا تفعل روسيا وأميركا شيئًا حيالها.
كما إنها موجودة بقوة أيضًا في العراق واليمن ولبنان، ويمكنها نقل مليشياتها الشيعية الموالية لها عبر العراق وسوريا ولبنان، مع تزويد المتمردين الحوثيين في اليمن بمعدات عسكرية متطورة.
وعلى الجانب الآخر، السعودية مضطربة على نحو متزايد، ويبدو أنها محاصَرة من جميع الجهات. ويرى الخميني أنّ السعودية العائق الوحيد أمام تطلعاته لفرض نظام شيعي في المنطقة؛ لكنه ما زال يسعى بقوة إلى تحقيق هدفه، محققًا نجاحات كبرى، مثل توقيع الاتفاق النووي الإيراني الذي أعطى طهران حرية.
أما عبدالفتاح السيسي، الذي تبنّاه الرئيس الأميركي، فغيّر وجهته إلى روسيا، وطوّر علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية وثيقة معها، ووقف إلى جانبها فيما يتعلق بسوريا؛ ما أدى إلى انقلاب الرياض عليه؛ مما يضر بالاقتصاد المصري الذي ساندته السعودية. واستضاف السيسي اجتماعات للمعارضين السنة لحثهم على المشاركة في قمة عاصمة كازاخستان في أستانا، حيث تستعد روسيا وتركيا وإيران لرسم الخريطة المستقبلية لسوريا.
وأملت المملكة العربية السعودية في أن يحيي ترامب الجبهة السنية القديمة ويستخدم القوة ضد إيران كما فعل في أفغانستان ضد تنظيم الدولة، وفي سوريا عندما أمر بضربات جوية ضد مطار الشيرات الذي يستخدمه الجيش السوري لقيادة هجمات كيماوية على بلدة خان شيخون؛ لكن دون جدوى. والآن، تسير أميركا جنبًا إلى جنب مع روسيا وتعترف بوجود إيران في سوريا؛ ما يدل مرة أخرى على غياب عزم أميركي لأن تكون عاملًا مهمًا في المنطقة، للإحالة دون استيلاء إيران وحلفائها على الشرق الأوسط.
كما تخلّت الولايات المتحدة أيضًا عن الأكراد، حليفها المخلص الآخر، ولم يقتصر الأمر على معارضتها للاستفتاء الكردي؛ بل أيّدت خطوة الجيش العراقي من أجل منعه. وهكذا، جُهّز العراق والأكراد، الحليفان الأميركان، ودرّبا على يد أميركا وقاتلا التنظيم معها؛ وبعد قتالهما بعضًا كان موقف واشنطن محايدا، وحتى لم تحاول التوفيق بينهما.
ولا تستطيع الرياض مواجهة إيران عسكريا في اليمن، لكنّ موقعها الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط وتأثيرها البارز على تحديد أسعر النفط عاملان يمكن منهما جذب الغرب إلى جانبها.
وتوجّه الرئيس الفرنسي إلى الإمارات للحصول على تقرير عن سعد الحريري، الذي يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط، وحتى على أوروبا؛ نظرًا للاستثمارات الفرنسية هناك وخطر نشوء موجة جديدة من اللاجئين. أما الغرب، الذي رفض منذ زمن طويل أن يرى استيلاء حزب الله على لبنان، لم يعد بإمكانه تجاهل ما يجري؛ خاصة بعد تقارير عن تدريب مليشيات شيعية في معسكرات حزب الله في وادي البقاع.
بينما تراقب «إسرائيل» الأنشطة الإيرانية عن كثب، ولن تسمح بتطوّر جبهة إرهابية جديدة بعد إحبطاها جهود حزب الله في إقامة قاعدة بالقرب من مرتفعات الجولان.
وفي أعقاب الضغط الشديد في موسكو وواشنطن، وقّعت السلطتان والأردن مذكرة لردّ القوات غير السورية «حزب الله والإيرانيين والمليشيات الشيعية والمعارضين السنة مثل فتح الشمس» على بعد 20 كيلومترًا من جنوب غرب سوريا، على طول الحدود مع الأردن والجولان، ولا يزال الأمر قريبًا من سلامة «إسرائيل» وأمنها.
وستواصل السعودية و«إسرائيل»، وهما الهدفان الرئيسان لإيران، محاربة العدوان الإيراني، كلّ على طريقته الخاصة؛ على أمل أن تفي أميركا بالتزاماتها تجاه حلفائها قبل فوات الأوان وبدء دورة جديدة من العنف.