تصريحات متعددة تخالف توجهات واشنطن بشأن أزمة إقليم أراكان المسلم شمال ميانمار، والذي يتعرض لإبادة وتطهير عرقي، دون ان تتحرك لوقف هذه المأساة في الوقت الذي تحمل أوراق ضغط على كافة الحكومات، تستطيع فرض سياستها، ما يبعث بشكوك حول جديتها في حل الازمة ودعمها بشكل غير مباشر للعنف ضد الروهينجا.
ضد فرض العقوبات
وفي آخر تصريحاتها، التي تحمي بها المتورطين في العنف بميانمار، اعترضت الإدارة الأمريكية على فرض عقوبات جديدة على ميانمار (بورما)، على خلفية عمليات التطهير التي تمارسها بحق أقلية الروهينجا المسلمة في إقليم أراكان غربي البلاد.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، الأربعاء: «إن فرض عقوبات شاملة ليس بالشيء الذي أنصح به في الوقت الحاضر».
وأضاف تيلرسون، الذي كان يقف إلى جانب زعيمة ميانمار أونغ سان سو تشي، في مؤتمر صحفي بالعاصمة نايبييداو: «سندرس كل ذلك بكثير من الحذر لدى عودتي إلى واشنطن».
ووصف تيلرسون ما يحصل ضد الروهينجا بـ«الفظيع»، داعياً إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة قال إنها «ستكون مفيدة للجميع».
ويعد خيار اللجنة الخاصة بالتحقيق، غير مجدي، وسبق أن ترأس كوفي عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، لجنة استشارية قدمت تقريرا لها عما يحدث في الإقليم إلا أنه لا يزال حبرا على ورق ولم يتحرك مسؤول لتنفيذ توصياته.
اغتصاب جماعي لنساء الروهينجا
أتت تصريحات تيلرسون، في الوقت الذي اتهم تقرير صادر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية، الأربعاء، القوات الحكومية في ميانمار، بارتكاب جرائم اغتصاب واسعة النطاق، كجزء من حملة تطهير عرقي ضد مسلمي الروهينجا بإقليم أراكان.
وقال التقرير الصادر عن المنظمة «كان الاغتصاب سمة بارزة ومدمرة في حملة التطهير العرقي التي شنها الجيش البورمي ضد الروهينجا، وخلفت عدداً لا يحصى من النساء والفتيات اللاتي تعرضن للضرر الوحشي والصدمات النفسية».
وأوضح التقرير، أن «منذ 25 أغسطس 2017، وجيش ميانمار يواصل أعمال القتل، والاغتصاب، والاعتقالات التعسفية والحرق الجماعي للمنازل في مئات من القرى في ولاية راخين الشمالية (أراكان)، ما أجبر أكثر من 600 ألف من الروهينجا على الفرار لبنجلادش».
وشددت المنظمة على أنه «إذا لم تعمل الدول الأعضاء معاً للضغط على بورما لإنهاء الفظائع وضمان محاسبة المتورطين، فإن الهجمات العسكرية المستقبلية على أبناء الروهينجا تبدو حتمية».
تجاهل لأزمة اللاجئين
ونحت واشنطن يدها بعيدا عن أزمة اللاجئين الروهينجا في بنجلاديش، واكنفت بتصريح حثت فيه الحكومة في ميانمار لتهيئة الأجواء لعودة الروهينجا، غير معنية لسوء الاوضاع في القرى المهجرة، أو الطرق المحفوفة بالالغام لمنع عودتهم.
وسبق أن تجاهل ترامب أزمة اللاجئين الموجودين في مخيمات بنجلاديش عندما استوقفته رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة ، للحديث بشأن تدفق مسلمي الروهينجا على بلادها من ميانمار.
وقالت حسينة عقب اللقاء: «أمريكا أعلنت بالفعل أنها لن تسمح باستقبال أي لاجئين.. ما الذي يمكن أن أتوقعه منهم، خاصة الرئيس. لقد حدد بالفعل موقفه.. لذا ما الذي يجعلني أطلب (المساعدة منه)؟».
وعلى الرغم من أن واشنطن تملك مقومات الضغط على حكومة ميانمار لوقف أعمال العنف ضد الروهينجا المسلمة، إلا أنها لم تفعل واكتفت بعدد من التصريحات، حول قلقها من استمرار الأزمة، او الإشارة غلى أنها تتابع عن كثب، وفي أفضل التصريحات، تطالب الحكومة بإعادة الروهينجا المسلمة إلى البلاد.
وأشارت صحيفة الواشنطن بوست إلى أن زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى آسيا، خلت تماما من أي تصريحات لها علاقة بأزمة الروهينجا أو حقوق الإنسان في المنطقة التي بها عدد من القضايا المشتعلة بهذا الشأن، مضيفة إلى أنه اكتفى بعقد صفقات تجارية والحديث عن كوريا الشمالية.
3 أدوات أميركية لوقف العنف في أراكان
وتمتلك واشنطن عدد من الأدوات يمكنها أن تضغط بها على حكومة ماينمار أولها اتخاذ خطوات فعلية في اتجاه سن تشريعات بهدف فرض عقوبات على المسؤولين والمتورطين في العنف ضد المسلمين في إقليم أراكان.
كما يمكن لواشنطن التحرك في مجلس الأمن، وهي التي لها سيادة داخله، وتستطيع أن تحرك فيه مقتراحاتها كما تشاء إن أرادت ذلك.
وتستطيع واشنطن التحرك في اتجاه وقف الدعم الإسرائيلي لحكومة ماينمار بالاسلحة، وهو ما كشفته صحيفة هآرتس بأن إسرائيل واصلت بيع الأسلحة إلى ميانمار خلال المجازر التي يرتكبها جيش ميانمار ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية أراكان غربي البلاد منذ أواخر أغسطس الماضي.
وقالت الصحيفة إن جيش ميانمار اعترف رسميا عبر صفحته على فيسبوك بتزويد إسرائيل بلاده بالأسلحة خلال الحرب على الروهينجا والتي أسفرت عن قتل المئات وتهجير أكثر من نصف مليون آخرين إلى بنجلاديش المجاورة.
وعلى الرغم من تلك الادوات إلا أن أميركا لم تأخذ خطوات جدية فيها، وهو ما لفتت إليه الوكالة الاميركية «أسوشيتد برس»، في تقرير لها بأن مؤشرات ممارستها ضغطا ضد رئيسة البلاد أونج سان سوتشي، وحكومتها تبدو ضئيلة.
وقالت الصحيفة أن واشنطن تعتبر ميانمار شريكا وليس خصما، ما يعرقل اتخاذ خطوات فعلية أمام الأزمة في الإقليم ذو الأقلية المسلمة.
تاريخ الأزمة
حسب منظمة العفو الدولية فقد استمرت معاناة مسلمي الروهنجيا من انتهاكات لحقوق الإنسان في ظل المجلس العسكري البورمي منذ سنة 1978، وفر العديد منهم إلى بنغلاديش المجاورة.
وقد فر الآلاف من روهينغيا على مدى السنوات الماضية إلى تايلاند. هناك ما يقرب من 111,000 لاجئ يقيمون في تسع مخيمات على طول الحدود التايلاندية الميانمارية. وهناك اتهامات بأنهم ارسلوا مجموعة من اللاجئين في سفن حيث طردوهم من تايلاند وتركوا في عرض البحر. وظهرت أدلة في فبراير 2009 على قطر الجيش التايلاندي لسفينة تحمل 190 من لاجئي الروهينجا إلى البحر، حيث روت المجموعة التي انقذتها السلطات الاندونيسية في فبراير 2009 قصصا مروعة من القاء الجيش التايلاندي القبض عليهم وضربهم ثم أرسالهم إلى عرض البحر حيث تركهم هناك
وأصدرت الحكومة البورمية سنة 2016 بيانات التعداد السكاني الخاصة بالدين والعرق لعام 2014، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 33 عامًا، بعد عامين من التأخر، لتظهر تلك البيانات تراجعاً في نسبة مسلمي البلاد، من 3.9% من إجمالي تعداد السكان لعام 1983، إلى 2.3%، في حين لم يشمل التعداد حوالى 1.2 مليون نسمة من مسلمي الروهينغا. وأشارت نتائج التعداد إلى أن المسلمين المسجلين، يقدرون بمليون و147 ألف و495 نسمة، من تعداد سكان البلاد البالغ 51.5 مليون نسمة.