كشفت صحيفة «ذي إنترسيبت» عن وثائق مسرّبة من بريد السفير الإماراتي لدى واشنطن «يوسف العتيبة» لخطة إماراتية للإيقاع بقطر ماليًا وقيادة حرب مالية ضدها.
شملت هذه الحرب الاقتصادية محاولات لتوقيع العملة القطرية؛ عن طريق التلاعب في السندات والمشتقات المالية، بمساعدة مجموعات عالمية كبنك «هايفنلاند»، المملوك لأسرة الممول البريطاني المثير للجدل «يديفيد رولاند»؛ عبر تخفيض قيمة سندات قطر وزيادة كلفتها التأمينية، وهو ما يخلق أزمة عملة لها تستنزف احتياطات النقد الأجنبي لدى قطر.
وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ لـ«يديفيد» علاقات وثيقة مع قيادات دولة الإمارات، خاصة مع ولي العهد «محمد بن زايد». ويعمل البنك حاليًا على إنشاء مؤسسة مالية جديدة بالتعاون مع صندوق الثروة السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما كشفته الرسائل والعقود المتبادلة بين البنك والإمارات.
وبحسب التسريبات، سُمّيت الخطة الإماريتة «عملية قطر»؛ واستهدفت رفع ديون قطر الخارجية، والتأثير على اختيارات التمويل المتاحة لها خارجيًا. ووصفتها الصحيفة بأنّها «استهداف اقتصاد أمة؛ عن طريق التلاعب المالي، وهو ما يمثًل انحرافًا جذريًا عن المعايير التقليدية للدبلوماسية؛ بل وحتى بمثابة إعلان للحرب».
وقال محللون تابعون للصحيفة اطّلعوا على الخطة: يبدو أنّ واضعها شخص لديه «خبرة قليلة أو معدومة بأسواق الائتمان والعملات».
ولا توجد أدلة قاطعة حتى الآن على أنّ الخطة بُدئ تنفيذها؛ ويبدو الحصار المفروض حاليًا ضد قطر، والضغط الحالي الذي تتعرّض إليه العملة القطرية، أكثر فاعلية من تلك الخطة الموضوعة، وله تأثير تخريبي على الاقتصاد القطري، مضيفة أنّ «نشر هذه الخطة حاليًا يعني قطع الطريق على الإمارات إذا رغبت في تنفيذها».
وتواصلت الصحيفة مع «ديفيد رولاند» وسؤاله عن محتوى التسريبات، فأجاب: «لا أستطيع إبداء أي تعليق»، مؤكدة أنّه بعد الاتصال تواصل «هربرت كوزلوف»، محامي شركة ريد سميث المملوكة لرونلاد، مع الصحيفة مرة أخرى، ونفى تداول البنك المشار إليه السندات القطرية أو الأوراق المالية، مضيفًا أنّ «البنك تابع لمجموعة مصرفية مرموقة ولن يُستدرج في أي قضية سياسية».
ويأتي المشروع المقترح ضمن الأزمة الإقليمية التي شهدتها منطقة الخليج في يونيو الماضي بفرض حصار جويّ وبريّ وبحري ضد قطر بقيادة السعودية والإمارات ومصر والبحرين، بتشجيع من الرئيس الأميركي «دونالد ترامب»؛ بينما فشل «ريكس تيرلسون» في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في جولة طاف فيها على دول الأزمة.
وأرجعت الصحيفة اتخاذ «ترامب وكوشنر» جانب الإمارات والسعودية إلى صفقات تجارية خاصة بهما في الإمارات، بينما كانت محاولاته للحصول على المال القطري أقلّ نجاحًا. ففي عام 2010، سافر «ترامب» إلى قطر مع ابنته «إيفانكا»؛ في محاولة لتأمين مصدرين مختلفين للتمويل الاستثماري، ورفضه كلاهما على نحو غير متعمد.
ومؤخرًا، سعى كوشنر إلى الحصول على إنقاذات بقيمة 500 مليون دولار من قطر كجزء من خطة لإعادة تطوير استثماره الرائد في نيويورك، التي كثيرًا ما تأتي من الخليج، غير أنه فشل أيضًا.
وبعد اندلاع بوادر الزمة، قالت الصحيفة إنّ كوشنر، وهو صهر ترامب، شارك في «تسخينها» ضد قطر، وأشاد بخطوة ترامب في دعم النزاع. كما أكّد كبير المستشارين السابقين في البيت الأبيض «ستيف بانون» أنّ ترامب أعرب عن ارتياحه للحصار، وقال بانون في مؤتمر صحفي: «لا أعتقد أن ذلك حدث بعد أسبوعين من القمة؛ لكنه بدأ من قبل ذلك».
وفي هذا الأسبوع حدثت توترات إقليمية أخرى؛ بعدما قاد ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان» حملة اعتقال لعشرات من الأمراء وغيرهم من كبار المسؤولين ورجال الأعمال، في مساعيه نحو توطيد سلطته، إضافة إلى تهديده بقيادة حرب ضد إيران.
وأثّر الحصار الاقتصادي مباشرًا على قطر؛ ما أدى إلى تدهور التجارة والسفر وتدفقات التمويل داخلها وخارجها، وأمدّ صندوق الثروة السيادية في قطر مؤخرًا البلاد بـ20 مليار دولار لدعم النظام المصرفي، كما أنّ العملة تظهر علامات على التوتر المالي.
وارتفعت تكلفة تأمين الديون القطرية بنحو 70% منذ مايو، وانخفضت سوق الأسهم بنسبة 24% هذا العام؛ لكنّ احتياطي النقد الأجنبي تضاعف، وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إنّ «عوائد السندات القطرية لا تزال منخفضة نسبيًا بالنسبة إلى بلد سوق ناشئ؛ ما يعكس احتياطيات النفط الهائلة للبلاد وما يصحبها من ثروات».
ويشتهر بنك «هافنيلاند» بدوره الشهير في إفلاس أيسلندا، وله سمعة مثيرة للجدل في الأوساط المالية. وأطلق «ديفيد رولاند» بنك هافيلاند بمساعدة صديقه الأمير أندرو، وكان ديفيد حليفًا نشطًا لحزب المحافظين البريطاني، ويقال إنّه قريب من «ديفيد كاميرون» رئيس الوزراء البريطاني السابق، وقيل إنّه دفع 20 ألف جنيه إسترليني للحصول على صورة لكاميرون في حملة لجمع التبرعات من حزب المحافظين، وعُيّن مدة أمينًا لصندوق المحافظين في عام 2010 قبل أن ينسحب وسط جدل.
تفاصيل الخطة
في أواخر سبتمبر الماضي، عُممت الوثائق المسربة، المسماة «سرية»؛ وتكشف خطة الهجوم المالي على قطر بين بنك هافيلاند والسفارة الإماراتية في واشنطن.
وشملت الخطة إنشاء البنك صندوق استثمار خارجيًا جديدًا لإخفاء روابطه مع دولة الإمارات، على أن يحمل سندات قطرية مملوكة من الإمارات، إضافة إلى ديون إضافية يمكن أن يشتريها؛ وأيضًا يشتري مقايضة عجز الائتمان، التي من شأنها أن ترتفع بالقيمة مع تراجع الديون القطرية.
ودعت الخطة أيضًا إلى تسريع تشغيل الديون عبر صفقات خفية لتقليل سعر سندات قطر، وهي تقنية التلاعب المعروفة باسم «رسم الشريط»؛ إذ يبادل اللاعبون الأدوات ذهابًا وإيابًا لخلق مظهر كاذب عن الحجم الكبير للصفقات، وهو ما يعطي مؤشرًا إلى أن الأوضاع المالية للدولة مضطربة ما يدفع المستثمرين إلى النفور منها، وخلق مزيد من الذعر والبيع. ووفقًا للخطة، ستعمل الإمارات، بعد أن اشترت مقايضة عجز الائتمان مقابل الدين، على رفع قيمة التأمين؛ إذ تُحوّل الديون القطرية.
وشملت الخطة أيضًا خلق هبوط إضافي على تداول السندات وترتيب العملات، ومن شأن انخفاض أسعار الدين وارتفاع تكاليف المقايضة الافتراضية الإشارة إلى أزمة جديدة في الأسواق؛ ما يضغط على العملة القطرية، فالريال القطري مرتبط بالدولار الأميركي؛ إذ تنخفض قيمته الخارجية، وستضطر الدولة إلى إنفاق مليارات الدولارات من احتياطياتها لدفعه.
وبعبارة أخرى، تعتزم دولة الإمارات العربية المتحدة أن تقصّر قطر، ثم تقودها إلى الأرض؛ عبر التلاعب في الأسواق المالية الدولية، في الوقت الذي تحصل فيه على نفوذ دبلوماسي ضد منافستها. والخطة ليست مصممة لإفلاس مجموعة أو شركة؛ بل «دولة ذات سيادة تتطلع إلى تقويض دولة مجاورة»، مؤكدة أغراضها السياسية، وتقول الوثيقة إنّ هذه الخطة إذا نجحت ستُضعف قطر من الناحية المالية.
وبشأن مدى بعد الخطة عن الواقعية، قال «فرانك بارتنوي»، أستاذ في المالية والقانون بجامعة سان دييجو، إنّه «من الصعب جدًا التلاعب في منحنى العائد السيادي لبلد، لم نرَ هذا إلا في أفلام جيمس بوند؛ فعمليًا الأمر غير ممكن التحقيق».
ومن النتائج التي كان يأملها واضعو الخطة شراء مقايضات التخلف عن السداد على الدين القطري، وازدياد قيمة الصكوك من حيث القيمة مع تراجع السندات؛ ما يسمح للإمارات بالاستفادة من انهيار العملة القطرية.
وقالت الصحيفة إنّ الوثائق المسرّبة تتحدّث بلغة غامضة، ولا تحتوي على أيّ تحليل للسندات القطرية أو أسواق العملات أو تقدير إجمالي القوة الاقتصادية التي يمكن أن تجنيها الإمارات من وراء الخطة. وكانت الفرضية الأساسية لها أن تنفق قطر مليارات الدولارات للتعويض عن الألم الناجم عن الحصار وإظهار أن عملة البلد ضعيفة. وتملك البلاد حاليًا ما يقل عن 24 مليار دولار من الاحتياطيات؛ على الرغم من أنّ المناورة الحاسبية الأخيرة تُضاعف تقريبًا هذا الرقم.
خطة بلا معنى
ولأنّ قطر غنية بشكل لا يصدق، تملك احتياطياتها الرسمية مقدار الأموال التي تستطيع بها أن تدافع عن عملتها، ويمكن للحكومة في أضعف الحالات أن تستعين بصندوق الثورة السيادية والاستثمارات الموجودة فيها ومواطنيها لتحقيق الاستقرار في العملة أو دعم الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، أدّت إعادة 20 مليار دولار من أموال صندوق الثروة السيادية من الحسابات الدولية إلى البنوك البرية إلى إنقاذ النظام المالي القطري بشكل فعال، كما أنّ أموال الحكومية تبيع بالفعل أصولًا.
قد تنفق قطر عشرات المليارات من الدولارات لمكافحة الآثار الاقتصادية للحصار، ولكنّ لديها أكثر من ذلك بمئات المليارات، وتؤكّد قطر أنّ لديها احتياطيات كافية لإبقاء عملتها مربوطة بالدولار. ونتيجة لذلك؛ الخطة الموضوعة ليس لها معنى.
ووصف «بارتنوي»، أستاذ جامعة سان دييجو، الخطة الموضوعة بـ«الفظيعة»، وتشمل المرحلة الثالثة منها تعزيز جهاز العلاقات العامة لانتزاع قطر دوليًا، واستخدام ذريعة ضعفها المالي. وجاء في الخطة، بحسب الوثائق، أنّ «التركيز على احتمالات تقييد الوصول إلى الدولار الأميركي والاستقرار المشكوك فيه حاليًا بحق قطر يجب أن يتزامن مع زيادة المواقف بتغذية المخاوف بانخفاض الأسعار، بجانب الأخبار السيئة المصنعة».
ودعت الخطة دولًا كمصر والسعودية إلى الإدلاء بتصريحات جريئة تساهم في تعميق المشكلة لقطر.
إشارات حمراء
وقال «جاكوب فرينكيل»، محام سابق في هيئة الأوراق المالية والبورصات ومدّعٍ جنائي اتحادي عمل شاهدًا خبيرًا في قضايا التلاعب في السوق، إنّ الاقتراح يثير إشارات حمراء خطيرة؛ لأن الخطة من المرجح أن تنطوي على صفقات في الأسواق الأميركية، وهي جريمة جنائية تدخل في نطاق ولاية المدعي العام الأميركي.
وقال «جاكوب»، وهو شريك في مكتب المحاماة ديكنسون رايت، إنّ الاتفاقات بشأن توقيت الصفقات وتسعيرها أمر شائع في مخططات التلاعب، وقال إنّ استخدام الكيانات المنشأة لغرض الانخراط في معاملات لخلق تصوّر لمصلحة السوق المستقلة هو سمة موجودة في أنشطة السوق المتلاعبة.
وقالت الصحيفة إنّ استخدام «العتيبة» لحساب هوتميل في الأعمال الدبلوماسية الحساسة كان أمرًا مشكوكًا فيه، واستمرار التسريبات حتى الآن أمر محيّر، ولم يردّ العتيبة على هذه التسريبات من قبل.
وكان من ضمن أهداف المخطط أيضًا إجبار قطر على التخلي عن استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، وتدعو الاستراتيجية الواردة في الوثيقة إلى استخدام حملة للعلاقات العامة لتوجيه الهيئة الدولية لكرة القدم «فيفا» إلى احتياطيات قطر المتناقصة من النقد؛ ما يجعل قدرة قطر على استضافة الحدث أمرًا مشكوكًا فيه.
وتأمل دولة الإمارات العربية المتحدة أن تستضيف الحدث الرياضي العالمي. وفي 20 أكتوبر، أطلقت حملة ممولة بشكل جيد تهدف إلى انتزاع تنظيم كأس العالم من قطر.