نشرت «ميدل إيست مونيتور» مقالًا للكاتب البريطاني «آسا وينستالي» سلّط فيه الضوء على وعد بلفور الشهير وتبعاته على العرب والفلسطينيين، في ضوء مئوية هذا الوعد المشؤوم، متناولًا الأساليب الشيطانية التي اتّبعتها الحركة الصهيونية وحلفاؤها لسحق الحقائق التاريخية المتعلقة بالأراضي الفلسطينية وما حدث في المائة عام الماضية بهدف عزل الناس عن الحقيقة وتضليلهم؛ لتجنب الضغوط السياسية بهدف الاستمرار في الجرائم التي ترتكبها يوميًا بحق الفلسطينيين.
وقال، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، إنه بات من أكثر المواضيع حضورًا في الدعايا الحديثة لدولة الاحتلال، خاصة في الغرب، الترويج لفكرة أنّ الصراع العربي الصهيوني أمرٌ في غاية «التعقيد». هذه الفكرة يعمل على نشرها بعض من مجموعات تسمي نفسها «أصدقاء إسرائيل»، خاصة شركاءها في العمل في «إسرائيل»، إلى جانب مجموعات أخرى تحسب على التيار الليبرالي في الصهيونية.
ويرى «آسا» أنّ الهدف الكامن وراء هذه الأسطورة التي تروّج لها فئات بعينها هو خلط الأمور وإرباك الناس لإبعادهم عن الوضع الحقيقي للصراع القائم؛ ومن ثم تتمكن دولة الاحتلال من المضي قدمًا في احتلالها للأراضي العربية والفصل العنصري وجرائم الحرب دونما أن تحمل أيّ قلق بشأن الضغطين السياسي والشعبي من أجل وقفها.
وقال إنّ استطلاعات رأي سابقة أظهرت أنّ هذا كان له بعض التأثير، وإن كان محدودًا للغاية، وأظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث السياسة اليهودية مؤخرًا أنّ خُمس المستطلعين، أي غالبية من أفصحوا عن رأيهم، وافقوا على القول بأن «إسرائيل دولة فصل عنصري».
وفي حين أنّ هذه الإحصائية تُظهر بوضوح حدود الدعاية الإسرائيلية، وأنها ليست الصورة كاملة؛ كانت الأغلبية الإجمالية، بنسبة 62%، غير متأكدة أو رافضة تحرير إجابات للأسئلة، في وجه آخر من هذا الاستطلاع، قد يكون ناتجًا عن خوف المجيبين من الاستبيان؛ إذ يمكن وصفهم «معادين للسامية».
ولكن، بشكل عام، يظهر حجم الارتباك الذي يحدث عند عامة الناس عن الحقائق الأساسية عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين والإسرائيليين، وأحد أسباب ذلك موضوع الدعاية الإسرائيلية المشار إليه سابقًا، ومفاده أنّ وضع الفلسطينيين «معقّد».
من جانب آخر في أنّه من المعروف أنّ في تاريخ أيّ شعب أو أمة هناك أمور يشوبها كثير من التعقيدات التي تحول دون فهم تفاصيل معقدة؛ ومن ثم التعامل معها. وفي نواحٍ كثيرة، الوضع في فلسطين هو الأكثر تعقيدًا في العالم.
حقائق أساسية على الجميع تذكّرها
الأولى: منذ ما يقرب من 70 عامًا، في عام 1948، قُسّمت فلسطين بالقوة ضد إرادة أغلبية فلسطينية عربية، وطردت المليشيات الصهيونية، التي كانت حجر الأساس لجيش الاحتلال، أغلبية الشعب الفلسطيني عبر السلاح.
واستخدمت هذه المليشيات الصهيونية التفجيرات والعنف والإرهاب والمجازر، وحتى الاغتصاب في حالات. وطُرد أكثر من 750 ألف فلسطيني من وطنهم أو هربوا خشية المجازرة. واليوم، هم وذريتهم يُقدّرون بالملايين ولا تزال «إسرائيل» تمنعهم من العودة إلى وطنه.
الثانية: منذ 50 عامًا، في عام 1967، قادت «إسرائيل» حربًا عدوانية ضد جيرانها، واحتلت بشكل غير قانوني الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك مرتفعات الجولان السورية.
الديكتاتورية العسكرية التي فرضتها «إسرائيل» هناك لا تزال قائمة حتى اليوم، ويُحرم الفلسطينيون الذين يعيشون في هذه المناطق من حقوق الإنسان الأساسية بصورة منهجية على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يدير نظامًا متعمّدًا للتمييز العنصري هناك، وتسجّل المحاكم الإسرائيلية للفلسطينيين في الضفة الغربية معدل إدانة نسبته 99،7%.
الثالثة: قبل مائة عام، وفي مثل هذا الأسبوع، أصدرت الحكومة البريطانية «وعد بلفور» السيئ السمعة، ووعدت بتسليم أرض فلسطين إلى حركة الاستعمار الاستيطانية «الصهيونية».
كُتب الوعد أثناء الحرب العالمية الأولى، بينما كانت بريطانيا لا تزال في حالة حرب مع الإمبراطورية العثمانية؛ فلم تكن فلسطين حتى الآن محتلة من البريطانيين، فهي مثل أراضٍ أخرى تحتلها القوى الإمبراطورية الغاضبة؛ وساعدت بريطانيا على سرقة البلاد من سكانها الأصليين بالقوة.
ما نحتاجه الآن
إنّ إعلان بلفور الإمبريالي هو أصل الصراع الكامل بين فلسطين والإسرائيليين، الذي تستمر تبعاته حتى اليوم، وهناك علاقة استمرارية قوية بين بلفور والتطهير العرقي الموقّع في عام 1948، وكذلك احتلال أراضٍ عربية متبقية عام 1967.
إنّ إعلان بلفور ليس شيئًا يدعو إلى الاحتقال؛ إذ يجب علينا بدلًا من ذلك إطلاق حملة لإلغائه. في الأرض الذي عُقد الوعد بشأنها، هناك حاجة ماسة إلى ديمقراطية حقيقية؛ إذ يمكن لجميع الناس الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط أن يعيشوا في مساواة ومن دون حكم عسكري أو أنظمة عنصرية للتمييز أو حروب مستمرة من العدو.
فالفكرة الرجعية عن إقامة «دولة يهودية» في فلسطين، وهي أرض لم تكن غالبيتها العظمى من اليهود، يجب أن تنقلب فلسطين التاريخية ما بين النهر والبحر. حتى الآن، ليست هذه الأراضي اليهودية الأغلبية. وحتى مع التزاحم العنيف ما بين «1947 و1949»، لم تتمكن الحركة الصهيونية من تحقيق الحالة الطائفية التي تدّعيها تمامًا. إنها فكرة استعمارية ولدت من سياسات الإمبريالية البريطانية القديمة؛ حيث التقسيم والحكم.
أليس من المستغرب اليوم أنّ أكبر حلفاء دولة الاحتلال الإسرائيلي وأصدقائه من اليمين المتطرف الأبيض، مثل «ريتشارد سبنسر» و«ستيف بانون» وحركات العنف التي تنمو بشكل مثير للقلق في أوروبا؛ فليس من أجل أي شيء يطلق سبنسر على نفسه «الصهيوني الأبيض».
واختتم الكاتب مقاله داعيًا إلى ضرورة تبديد هذا الوضع القائم على العنف والفصل العنصري، واستبداله بما نحن بحاجة ماسة إليه: الوحدة والديمقراطية في فلسطين كما هو الحال في كل مكان من العالم.