مثل ملايين المصريين، أصيب عامل البناء المصري محمد ثابت، 27 عامًا، بالصدمة والاشمئزاز بعد ورود أنباء عن العثور على 13 جثة لعمال مصريين في شرق ليبيا على بعد مائتي كيلو جنوب طبرق، وفق موقع «ميدل إيست أون لاين».
وأضاف، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ المواطنين المصريين المعثور على جثثهم في سبتمبر عبروا الحدود الليبية بحثًا عن عمل، وعثر عليهم ملقيين على الأرض بجانب سيارة متعطلة، ويعتقد أيضًا أنهم ماتوا بسبب الجوع والعطش.
قدم «محمد» من مدينة أسيوط في جنوب مصر، وعمل في سبها بليبيا، لكنه عاد إلى مصر قبل عامين تقريبًا بسبب الوضع الأمني المتدهور هناك؛ لكنه قال إنه يعتزم العودة إلى ليبيا مرة أخرى للانضمام إلى أصدقاء له يعملون هناك، بالرغم من الخطر.
وأضاف، وهو أب لطفلين: «بحثت عن وظيفة لمدة عامين؛ لكن دون جدوى، وليس أمامنا إلا ليبيا، ولا يوجد شيء آخر لشخص مثلي يفعله».
وسَعت مصر طوال المدة الماضية إلى زيادة التأمين على طول حدودها مع ليبيا؛ في محاولة لوقف تهريب الأسلحة والجهاديين الذين يدخلون. لكنّ «المصريين اليائسين»، بحسب الصحيفة، ما زالوا يحاولون الهروب إلى هناك بمساعدة مهربين، وحذّرت وزارة الخارجية المصرية المواطنيين مرارًا بألا يذهبوا إلى هناك، وزوّد حرس الحدود أعداد الدوريات لمنعهم من العبور.
لكن، نظرًا لطول الحدود مع ليبيا التي تبلغ 1150 كيلومترًا، فإنّ نتائج هذه الجهود محدودة للغاية.
وفرضت مصر حظرًا كاملًا على السفر إلى ليبيا منذ فبراير 2015، بعدما قطع تنظيم الدولة رؤوس 21 قبطًا مصريًا على بعد 400 كيلو جنوب طبرق، وهو مؤشر كبير على اليأس الذي أصاب العمال المصريين بمقدار المخاطر التي يواجهونها، وقالت وزارة القوى العاملة إنّ نحو مليون مصري يعملون في ليبيا، وانخفض هذا العدد من ثلاثة ملايين مصري عملوا هناك قبل انتفاضة 2011 التي أطاحت بمعمر القذافي.
واستهدف المسلّحون، خاصة تنظيم الدولة، العمال المصريين؛ انتقامًا من دعم القاهرة الجنرال الليبي «خليفة حفتر» وجيشه. وقال محللون إنّ الغارات الجوية التي قادتها مصر ضد أهداف مسلحة في ليبيا هذا العام زادت من التهديدات التي يواجهها المصريون هناك.
بينما يقول الاقتصاديون إنّ التصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية ضد السفر إلى ليبيا أو التدابير المشددة من حرس الحدود لمنع المواطنين من العبور إلى هناك يمكن أن تساهم. لكن، على نحو آخر، الجهود المبذولة لتوفير فرص عمل لهم في مصر أكثر أهمية من أيّ إجراءات أخرى تتخذ في هذا الشأن.
وقال إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد في أكاديمية السادات للعلوم الإدارية: «نحن بحاجة إلى خلق مزيد من فرص العمل هنا؛ ليتمكّن هؤلاء الراغبون في السفر إلى ليبيا من العيش. هم لا يريدون الذهاب إلى ليبيا؛ لكنهم لا يستطيعون العثور على عمل هنا».
تصريح إيهاب يتّفق بشكل كبير مع ما قاله «خالد أبو شوشة»، شقيق عامل مصري لقي مصرعه في ليبيا في يوليو الماضي، قائلًا: «الشباب بيسافروا ليه؟ عشان يرموا نفسهم في النار؟ هما بيسافروا عشان مش لاقيين فرص هنا».
وبينما بدأت الحكومة المصرية مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تهدف إلى زيادة فرص العمل، لا تزال نسب البطالة مرتفعة؛ إذ بلغ معدل البطالة 12% في الربع الأول من عام 2017، وفقًا لما ذكره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وفي جنوب مصر ترتفع البطالة أكثر بشكل خاص، بما في ذلك أسيوط؛ بالرغم من استراتيجية الحكومة لتنمية محافظات الصعيد.
وبالرغم من ذلك، فإنّ عديدًا من مواطني الصعيد على استعداد للمخاطرة بحياتهم من أجل فرصة عمل في ليبيا. وتقول «ميساء عطوة»، عضو لجنة القوى العاملة بالبرلمان المصري، إنها وزملاءها يناقشون سبل إقناع العمال بالبقاء في مصر أو حتى طلب البحث عن عمل في الخارج في دول أخرى غير ليبيا.
وأضافت: «نشجع وزارة القوى العاملة واتحاد العمال على تكثيف جهودهما لمساعدة هؤلاء العمال في العثور على وظائف في مصر أو دول أخرى مستقرة»، مضيفة أيضًا أنّ البرلمان يناقش حاليًا تشريعات تسعى إلى إلزام الحكومة بتقديم التدريب لخريجي الجامعات والعمال لإعدادهم للعمل في مصر أو لأسواق العمل التنافسية خارج البلاد.
وما زال العامل المصري محمد ثابت يعتقد أنه من الأفضل إيجاد فرصة عمل في دولة أخرى غير ليبيا؛ فلا احد هناك يدقق في تأشيرات العمل ولا يوجد ما يسمى نظام الكفيل، وفي مدينة سبها (غرب ليبيا) يعمل مصريون دون مشاكل.
وقال محمد: «الراتب الذي كنت أتلقاه هناك ثلاثة أضعاف ما أتلقاه هنا إذا تمكّنت من العثور على عمل. صحيح أنّ ليبيا خطرة؛ لكنّ أبنائي سيموتون جوعًا إذا بقيت هنا».