شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مضاوي الرشيد: الإسلام المعتدل يعني لـ«ابن سلمان» قمع المعارضين.. وسعيه للانفتاح «كاريكاتير مضحك»

رسم جداري لمحمد بن سلمان ولي العهد السعودي

سلّطت الكاتبة الصحفية مضاوي الرشيد، في مقال بصحيفة «ميدل إيست آي»، الضوء على تصريحات محمد بن سلمان الأخيرة لتصوراته عن الإسلام المعتدل والتغيّرات التي أعلن عنها، واصفة إياها بالوهمية في ظل القمع الممارس ضد نشطاء وكتاب سعوديين، وسعيه إلى السيطرة على المجتمع.

وأضافت الكاتبة، وفق ما ترجمته «شبكة رصد»، أنّ الأمير الشاب صوّر قصة النجاح المتوقعة للتحول الاقتصادي المبني على رؤية 2030 أنها ستتحقق اعتمادًا على خطته المتمثلة في «سأعود بالسعودية إلى الإسلام الوسطي» كما أعلن أهمية تلازم الإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي.

أهداف بعيدة المنال

كان الهدف الرئيس دعوة المجتمع الدولي إلى المساعدة في جعل المملكة مجتمعًا منفتحًا مرة أخرى، كما لو كانت المملكة في تاريخها الحديث مجتمعًا منفتحًا حقًا مع ازدهار الإسلام المعتدل في ماضيها، ويبدو أنّ الأمير غابت عنه الجوانب الهامة للإسلام المعتدل ومبادئ المجتمع المنفتح.

وفي الواقع، كان النظام السعودي دائمًا، ولا يزال، عدوًا قويًا للإسلام المعتدل والمجتمع المنفتح. إنّ ظهور الإسلام الإصلاحي، إن جاز التعبير، من قبل السلطة ووجود قاعدة مجتمعية منفتحة هي أهداف بعيدة المنال؛ نظرًا للواقع الحالي وممارسات النظام.

وطيلة السنوات الثمانين الماضية، اعتمد النظام الحاكم في السعودية على تفسيرات راديكالية للإسلام؛ بهدف ترويض السكان العرب المتعددين والتحكم فيهم وإجبارهم على قبول النظام الحاكم بقوة الدين، وهذه المرة الأولى في التاريخ الإسلامي نواجه تراثًا دينيًا راديكاليًا متعصّبًا باسم «الوهابية»؛ ليصبح بعد ذلك الهوية الدينية لدولة، وبالطبع تم ذلك اعتمادًا على السيف والبترودولار.

حفل استقبال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مكة المكرمة يوم 21 يونيو الماضي – رويترز

كهنة الوهابية

تاريخيًا، لم تنمُ التفسيرات المتطرفة للإسلام وتترعرع إلا في الصحاري البعيدة والمعزولة والجبال في العالم الإسلامي؛ لأنّ أصحابها طردوا هناك. هذه الحركات الراديكالية مثل الخوارج وغيرهم ممن تحدوا القيادة الإسلامية وتحولوا إلى طوائف عنيفة سرعان ما فشلوا في جذب جموع المسلمين إليها.

ولكن، في السعودية، استمر الاتجاه الطائفي الفريد من نوعه باسم الوهابية، الذي يطلق عليه خطأ تصحيح الإسلام أو حركة «الصحوة»، منذ منتصف القرن الثامن عشر؛ وأجبر السكان السعوديون المتنوعون على التعامل مع الله من منظور أنه إله عظيم وغاضب لا يرحم.

وأولئك الذين تولوا تفسير كلماته أصبحوا من أعيان الدولة، وهي طبقة كهنوتية عالية تتمتع بسلطات واسعة لإبعاد المجتمعات والأفراد بأسرهم عن ممارسة الشعائر غير التقليدية، وفقًا لما يعتقدون. ولتجنّب مزيد من التنافس بين كهنة الوهابية؛ استهدف الحكام قمع الصحوة، وهي حركة إسلامية دعت في التسعينيات إلى العودة إلى صحيح الإسلام في الدولة السعودية المعاصرة.

لم تضمّ الصحوة الجهاديين المتطرفين فقط، بل ضمّت أناسًا يريدون التخلص بشكل سلمي من التراث الثقيل للعقيدة الوهابية، خاصة الخضوع التام إلى القادة الاستبداديين؛ مثل الملوك السعوديين. بينما أراد آخرون في «الصحوة» العودة إلى الميثاق الأصلي بين الوهابيين والسعوديين؛ فالصحوة مسؤولة عن تقوى الشعب، والسعودية مسؤولة عن التعامل مع السياسة والاقتصاد.

الإصلاح الديني

لم يتّضح بعد كيف سيُحدث النظام إصلاحًا دينيًا سعوديًا حقيقيًا؛ خاصة وأنّ عددًا كبيرًا من النشطاء ورجال الدين والمهنيين والشعراء الذين ليسوا جميعًا متطرفين أو منتقدي رؤيته الجديدة سجنوا في آخر موجة من الاعتقالات منذ بضعة أشهر.

ولكي يكون الإصلاح الديني قائمًا، يجب أن يكون نتاج مناقشات داخل الأوساط الإسلامية خالية تمامًا من سيطرة الدولة. لا يولد لاهوت التحرير دائمًا في محاكم الملوك والاستبداديات؛ ولكن لدى اعتبار الأمير شيء آخر: اللاهوت الملكي الذي يجرّم الانتقادات والمعارضة، وحتى النشاط السلمي.

لدى الإسلام صفة تميّزه، وهي قدرته على إصلاح نفسه بذاته. فمدارسه الفقهية المتعددة التي تسترشد بتفسير الشريعة، والنصوص الغنية التي تتناسب مع الاجتهاد الإنساني، وتقليد الكلام، والنقاش في الدوائر الدراسية؛ اختفت جميعها تحت حكم آل سعود.

والنتيجة النهائية فرض تفسير إسلامي واحد وإغلاق أبواب الاجتهاد؛ للحفاظ على الملكية المطلقة. يبدو أنّ الأمير يريد الآن الإسلام القمعي سياسيًا الذي يجرّم عصيان المستبد، جنبًا إلى جنب مع النظرة الليبرالية التي تقبل تشييد موسيقى البوب ​​والرقص.

زائر يلتقط صورًا لروبوت أثناء معرض نيوم الذي افتتحه محمد بن سلمان في الرياض يوم 25 أكتوبر الجاري – رويترز

ما هو الإسلام المعتدل؟

هل يعني الإسلام المعتدل إلغاء عقوبة الإعدام، ومنع تعدد الزوجات، والسماح للنقاش الديني في الحكم الوراثي، وطبيعة الحكومة الإسلامية، وبطلان شرعية الملكية في الإسلام؟

هل يعني الإسلام المعتدل السماح للمجتمع المدني ونقابات العمال بالازدهار لأن هذه إصدارات حديثة من النقابات الإسلامية القديمة التي تحمي المجتمع والمهنيين والحرفيين من تجاوزات السلطة والإساءة؟

هل هذا الإسلام المعتدل المتوقع يعني المشورة الحقيقية، الشورى، التي تترجم إلى جمعية وطنية منتخبة، حكومة تمثيلية، ودستور أقرب إلى الوثائق القديمة للمدينة؛ حيث أنشأ النبي محمد أول دولة إسلامية؟

الإسلام المعتدل لدى منطق الأمير هو مشروع محدد جديد يُسكت الأصوات المعارضة، والنشطاء موقوفون وراء القضبان، ويضطر النقاد إلى الخضوع. إنه الإسلام المعتدل الذي يبرر بشكل مثير للسخرية، ويثني على الممارسات الحكومية الأكثر راديكالية ويشيد بها. ولكن، لاحظْ أنّ هذا الدين المعتدل لديه مجال واسع للترفيه والمرح.

ومؤخرًا، سمح الدين الجديد فجأة للمرأة بالقيادة، وربما أيضًا لدفع نفسها إلى السجن، إذا كانت تشكك في السياسة الاقتصادية للنظام أو جدول الأعمال الاجتماعي. لكنّ عليهم أن يفرحوا لأنهم سيكونون قادرين على الرقص في الشوارع والاختلاط بالرجال علنًا، ويعتقد أنّ هذا الإصلاح ضروري للنهضة الاقتصادية والاقتصاد القائم على التكنولوجيا التي تبدو وكأنها ديزني لاند.

أحدث روبوت صوفيا مزيدًا من الزخم المتعلق بالاقتصاد الموعود، وهي الآن مواطنة سعودية ورمز للتغييرات الجذرية التي ينتظرها السعوديون المعتدلون. صوفيا ليست ملزمة بارتداء الحجاب كما الدمى البلاستيكية التي يُقطع رأسها الصغير في محلات الأزياء كما كان في العهد السابق.

في المستقبل، قد يتطلع النظام إلى تحويل المواطنين السعوديين إلى روبوتات لا تشوبها شائبة؛ فأناس يؤيدون عن طيب خاطر وتقدير «ديزني لاند» وأمورًا أخرى جديدة وليس الإسلام المعتدل فقط.

وعد بالـ«يوتوبيا»

«مجتمع منفتح» هو يوتوبيا أخرى وعدت بها رؤية الأمير لتحل محل اليوتوبيا الإسلامية التي قامت على التفسيرات الأكثر تطرفًا للإسلام. فمعظم الناس العاقلون سيفهمون المجتمع المفتوح على أنه يحمل ديمقراطية كاملة؛ إذ  تُحمى الحقوق المدنية والسياسية ضد أعدائهم.

ولكن، حتى الآن، أثبت النظام مرارًا وتكرارًا أنّ آخر شيء يريده هو مجتمع منفتح؛ فمع وجود قيود خطيرة على حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات، وحتى حرية الدين وعدم الدين؛ كان هذا المتوقّع من المجتمع المنفتح المعتدل، بينما صار الأمر كاريكاتيرًا مضحكًا.

نعم السعودية تفتح أحضانها لرأس المال الدولي لإنقاذها ضد المخاطر، اعتمادًا على سلعة نفطية واحدة مع أسعار متقلبة. كما أنها مفتوحة للأعمال التجارية الدولية لإنشاء متجر في المملكة، المنتجات الاستهلاكية تغمر الأسواق مع وعود لتدريب النساء على فن الماكياج؛ وبالتالي خلق فرص عمل جديدة. ولكنّ المجتمع المنفتح لا يزال بعيدًا عن هدف رؤية 2030 أو إصلاح الإسلام.

وبغضّ النظر عن الضجيج الذي يرافق الأمير إعلاميًا، يجب أن نخفف من توقعاتنا وآمالنا. ومن دون إعطاء الناس صوتًا، ستبقى السعودية مجتمعًا منغلقًا تسيطر فيه الدولة على الدين؛ وهو مشروع قديم لم ينتهك الدولة بمبادئ أخلاقية وعادلة ولا يغير الدين.

في الواقع، السيطرة السعودية على الدين أفسدت الإسلام وحوّلته إلى أداة أكثر راديكالية، وأعطى الإسلام والمسلمين اسمًا سيئًا.

مجتمع الأعمال الدولي يقف مثل المتسولين على أبواب القصر، في انتظار مزيد من الإعلانات للاستفادة من كل هذه المشاريع؛ ويبدو أن هذا المجتمع لا يقدّر قوتها؛ لأنها وحدها يمكن أن تحقق حلم الأمير.

ومن دون تعرّض لأي خسارات على صعيد الأرباح، يجب على الشركات أن تفي بمسؤوليتها وتصرّ على الانفتاح الحقيقي، وليس على النوع الكاذب من الانفتاح الذي وعد به الأمير؛ ومن المؤكد أن بيئة عملهم ستكون أفضل إذا كان هناك احترام لحقوق الإنسان في المملكة وحكم رشيد، حتى مع الجوانب البدائية للديمقراطية. وستتعرض حياتهم وموظفوهم إلى الخطر في ظل ظروف قمعية وضبابية.

قد تبدو الأعمال التجارية وردية وحالمة في ديكتاتورية في وقت قصير. ولكن، على المدى الطويل، هذه يوتوبيا غير قابلة للاستمرار يهدمها بإصرار القمع. تذكّر أنك يمكن أن يُلقى بك خارج البلاد في أي وقت؛ لأنك في دولة لا تحتكم إلى قواعد القانون، بل إلى هوى الأمير الشاب.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023