نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني مقالا؛ تطرق فيه إلى تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط «الأمر الذي ترك السعودية في حالة ضعف غير مسبوقة»، وهو ما دفعها إلى الدخول في لعبة مع الأكراد من أجل الحد من النفوذ الإيراني.
وقال المقال الذي كتبه الصحفي المعروف ديفيد هيرست وترجمته «عربي21»، إنه «منذ اللحظة التي أعلن فيها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني عن الدعوة للاستفتاء، كان من المعروف من هي الدول التي ستشكل تحالفا للقضاء على هذا المشروع قبل ولادته».
دعم إسرائيلي
وأضاف هيرسيت أن «ما كان غامضا في ذلك الوقت هو من هي الدول التي سوف توافق على هذا المشروع وتدعم مسعود بارزاني، وكانت إسرائيل الطرف الوحيد في المنطقة الذي أعلن عن هذا الدعم بشكل علني، حين قال بنيامين نتنياهو إن بلاده تدعم الجهود المشروعة للشعب الكردي لإقامة دولته المستقلة».
وأشار المقال إلى أن «إسرائيل رغم اعتبارها حزب العمال الكردستاني تنظيما إرهابيا، فإن يائير جولان النائب السابق لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي قال في مؤتمر صحفي بواشنطن: عندما تنظر إلى إيران ناحية الشرق، وترى انعدام الاستقرار في المنطقة، فإن إقامة كيان كردي مستقل وموحد وسط هذه الفوضى ليست فكرة سيئة».
وأكد المقال أن هذا التفكير الذي عبر عنه يائير غولان «ليس غريبا تماما عن تفكير دولة أخرى مؤثرة في المنطقة، لديها مصلحة في استخدام الأكراد من أجل قص أجنحة تركيا وإيران والعراق، وهي السعودية».
مبعوث السعودية
ويلفت الموقع إلى أن الملك سلمان اتخذ موقفا كلاسيكيا أمام وسائل الإعلام، حيث عبر عن دعمه لوحدة العراق، «ولكن وراء الكواليس أرسلت الرياض سلسلة من المبعوثين من أجل تشجيع بارزاني في مشروعه الهادف لتقسيم العراق وتهديد وحدة الأراضي التركية والإيرانية».
ويكشف هيرست أن واحدا من هؤلاء المبعوثين «هو الجنرال المتقاعد في الجيش السعودي أنور عشقي، الذي يشغل الآن منصب مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية ومقره مدينة جدة».
ويضيف الصحفي البريطاني في تقريره أن عشقي «كان واضحا في شرح الموقف السعودي، حيث قال لمجلس العلاقات الخارجية بأن العمل على إنشاء دولة كردستان الكبرى عبر الوسائل السلمية سوف يحجم الأطماع الإيرانية والتركية والعراقية، إذ سيسلب هذا المشروع ثلث مساحة كل واحدة من هذه الدول».
ويورد التقرير أن عشقي جدد دعمه لانفصال كردستان في مداخلة هاتفية مع وكالة سبوتنيك الروسية حيث قال إن السعودية «لا تقف في طريق إرادة الشعوب» وهو «مؤمن بأن الأكراد لديهم الحق في دولة خاصة بهم».
ويضيف عشقي حسب هيرست أن «العراق تمادى في تهميش الأكراد، وأن بارزاني صرح بأنه ليس موافقا على الدستور الذي يقسم العراقيين بحسب الأعراق والطوائف، وإذا ما واصلت الحكومة العراقية السير في هذا النهج فإن الأمر لن يتوقف عند تقسيم العراق إلى دولتين، بل سينقسم إلى أجزاء أخرى».
ويلفت المقال إلى أن هناك إشارة أخرى تم إرسالها في مارس من هذا العام من قبل مستشار القصر الملكي السعودي، حيث صرح الدكتور عبد الله الربيعة لصحيفة عكاظ بأن «كردستان العراق تمتلك قدرات اقتصادية وثقافية وعسكرية وسياسية عالية، وهي مؤهلات لا يمكن لإيران وتركيا تقويضها».
وكان الربيعة التقى مسعود بارزاني في وقت سابق وقال بعد اللقاء إن «كردستان العراق تمتلك كل الأساسيات الضرورية لإعلان الاستقلال والدفاع عن وجودها».
أبو ظبي والفوضى
أما عن موقف الإمارات الحليف الأكبر للسعودية، فيشير المقال إلى أن أبو ظبي «تتبنى نفس الموقف، حيث تؤكد مصادر مطلعة أن مسرور ابن مسعود البارزاني، وهو رئيس مجلس الأمن القومي في الإقليم، قام بزيارة سرية إلى أبو ظبي قبل شهر واحد من تاريخ الاستفتاء في 25 أيلول/ سبتمبر».
والجدير بالذكر أن السعودية بعثت بإشارات عديدة حول تبدل سياستها في المنطقة، حيث زار الوزير السعودي للشؤون الخليجية ثامر السبهان، مدينة الرقة السورية قبل أيام، وظهر في صورة بصحبة مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الحضور الكردي، في رسالة مضمونة الوصول إلى تركيا.
ويبين هيرست أن الفوضى التي شهدتها مدينة كركوك في الأيام الماضية هي آخر دليل على الفوضى العارمة التي تعاني منها المنطقة التي تمثل مجال نفوذ الولايات المتحدة.
ويتابع: «في الأثناء فإن كلا من تركيا ومقاتلي البيشمركة والعراق والسعودية يعتبرون حلفاء استثمرت الولايات المتحدة جهودا كبيرة لدعمهم، ولكن كل هذه التحالفات انهارت الآن، وأصبح هؤلاء الحلفاء لا يثقون في بعضهم، تماما كما كانت الدويلات الأوروبية المتناحرة تتصرف في القرن الـ18».
الربح و الخسارة
ويذهب المقال إلى أن «الرابح الأبرز من تطورات الأيام الأخيرة هو بالطبع إيران، حيث بدا واضحا أن زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني لعب دورا يتجاوز حدود المنطق، في التوصل إلى اتفاق مع عائلة الطالباني عند وصول قوات الحشد الشعبي».
ويتابع: «هذا ما يعني أن إيران بعد يومين فقط من تهديدات ترامب بإجهاض الاتفاق النووي، نجحت عبر أذرعها في المنطقة في كسب المزيد من النفوذ في منطقة أخرى استراتيجية من العراق، وسيطرت على عدد إضافي من آبار النفط».
أما الخاسر الأبرز بحسب تعبير هيرست فهو «السعودية التي خرجت أكثر ضعفا من ذي قبل»، متسائلا: «هل ستتعلم من أخطائها السابقة وهزائمها المتكررة في لعبة صراع العروش التي تمارسها؟».