قالت صحيفة «بلومبرج» إنّ الإمارات سعت إلى توسيع نفوذها في غزة لتحلّ محل قطر، المانحة الرئيسة للقطاع وقدّمت مساعدات إنسانية لمواطنيه في المدد الماضية؛ وأرادت الإمارات أخذ هذا الدور بواسطة دحلان، رئيس الأمن السابق في السلطة الفلسطينية والمقيم عندها منذ سنوات.
وأضافت، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ المصالحة عقدت أيضًا بواسطة أهم حلفاء «إسرائيل» في المنطقة: عبدالفتاح السيسي، الذي تعاون معها في الضغط على «حماس»، وأمر قواته بتدمير الأنفاق على الحدود، التي كانت بمثابة الشريان الرئيس للمواطنين داخل القطاع، موضحة أنّ مصر سعت إلى المصالحة منذ عام 2011؛ لكنها فشلت بسبب تخلي «إسرائيل» عنها.
ردود فعل مختلفة
وبخصوص الولايات المتحدة و«إسرائيل»، جرت العادة أن تكونا في الخندق نفسه. عندما يتعلق الأمر بالمصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين حماس وفتح، وإلى أن تقرر حماس التخلي عما يصفه المحتل بـ«الإرهاب» وتتجرد من السلاح؛ عارضت واشنطن ودولة الاحتلال الإسرائيلي اندماج حماس في السلطة الفلسطينية.
ولهذا السبب؛ من المهم أن يكون رد الفعل من الولايات المتحدة و«إسرائيل» مختلفًا في تناولهما أخبار آخر صفقة بين حماس وفتح. وكتب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، عبر صفحته على فيس بوك، أنّ «التصالح مع جماعات القتلة جزءٌ من المشكلة وليس من الحل، ونرحب بالسلام، لا بمصافحة حماس».
ونقارن ذلك مع تصريحات مع المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيثر نويرت: «نرحب بالجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية لاضطلاع بالمسؤوليات كاملة في قطاع غزة، ونرى أن هذا يشكّل خطوة هامة للحصول على المساعدات الإنسانية هناك، ونتابع التطورات عن كثب».
ومن المحتمل، نتيجة للحكومة الفلسطينية الموحدة، أن تصبح منظمة بعينها -مثل حماس- قادرة على الحصول على مساعدات دولية، شريان الحياة الذي باتت الحاجة إليه ضرورية تحت ضغط شديد من مصر و«إسرائيل». وفي الوقت نفسه، ستسمح المصالحة للسلطة الفلسطينية بالعودة مجددًا إلى قطاع غزة؛ بعد أن خضعت إلى حماس منذ سيطرتها على السلطة وجناحها العسكري عام 2007.
للوهلة الأولى، تتراءى ردود الفعل المختلفة من «إسرائيل» والولايات المتحدة في ظلال العودة بالعلاقات بينهما إلى مدة المخاطر المحدقة في إدارة الرئيس باراك أوباما. ولكنّ هناك مزيدًا من التقد، وقال دبلوماسيون أميركيون وعرب إن «إسرائيل» اطّلعت على وضع المفاوضات بين حماس وحركة فتح منذ بدئها في الصيف، ولم تعترض عليها بالقدر نفسه من الخطورة التي أعلنها نتنياهو.
مصر والإمارات والسعودية
هذه المرة، رعى اتفاق التسوية أحد أهم حلفاء «إسرائيل»: عبدالفتاح السيسي. إذ تعاونت مصر و«إسرائيل» بهدوء مع حماس وجماعات معارضة في سيناء، كما فرض السيسي ضغوطًا كبرى على حماس، وأمر جيشه بتدمير الأنفاق تحت الأرض بين قطاع غزة وسيناء، وإغلاق الحدود بين البلدين حتى أغسطس. وتوسّطت مصر في آخر محاولة للمصالحة في 2011؛ لكنّ علاقتها آنذاك مع «إسرائيل» كانت أقل متنانة مما هي عليه اليوم.
وتأتي هذه الصفقة الجديدة في الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات إلى الاستعاضة عن قطر؛ باعتبارها الراعي الرئيس في غزة، وتمنحه المساعدات الإنسانية وتساعد في تطوير البنية التحتية، وكان ممثل حركة فتح في محادثات المصالحة في القاهرة محمد دحلان، مسؤول سابق في السلطة الفلسطينية يعيش مؤخرًا في الإمارات.
وقال نائب مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «جوناثان شانزر»، لـ«بلومبرج»، إنّ اتفاق المصالحة الأخير «جزءٌ من محاولة شاملة لتشكيل الهيكل الإقليمي». وأضاف أنّ هذه تعدّ مناورة للاستيلاء على السلطة من أيدى تركيا وإيران وقطر وإعادة تأكيد دور القوى العربية السنية المعتدلة مثل مصر والسعودية والامارات، وقال إنّ «هناك قدرًا معينًا من التنسيق الهادئ؛ وهذا يلفت إلى إمكانيات تنسيق أعمق بين إسرائيل والدول العربية السنية».
ويتمثل أحد أطراف هذه الصفقة في جعل حماس، التي لديها ما يكفي من أزمات سياسية واقتصادية، أكثر توكّلًا على الدول العربية السنية؛ التي بدورها ستحاول أن تظهر لينًا واعتدالًا أكثر مع الراديكاليين.
«إسرائيل» والخطوط الحمراء
على الأقل، هذه هي النظرية المطروحة، ويقول «جوناثان» إنّ حماس رفعت هذا الشهر صالح العاروري إلى قيادته الثانية، وهو العقل المدبر لاستهداف المراهقين اليهود عام 2014 واختطافهم؛ وهو ما أشعل الحرب الأخيرة بين حماس و«إسرائيل»، وهو أيضًا مؤسس لواء «القسام»، الجناح العسكري لحماس.
إضافة إلى ذلك، الشروط الأولية للمصالحة لا تعترض الخطوط الحمراء لـ«إسرائيل»، وهي نزع السلاح والتخلي عن المقاومة المسلحة، كما يحظر الكونجرس تمويل الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية إذا دخلت حماس في اتفاق تقاسم السلطة؛ إلا إذا أجرت حماس «إصلاحات».
وعلى الرغم من إجبار حماس على المفاوضات، فإنها تمثّل تحوّلًا كبيرًا للجماعة، وهي فرع من الإخوان المسلمين، لقبول المفاوضات التي تستضيفها حكومة السيسي، الذي انقلب عسكريًا على السلطة ورئيسا من الإخوان المسلمين المنتخب في بلاده عام 2013.
وفي مقابلة أجراها دحلان مع «وكالة أسوشييتد برس» في يوليو، قال إنه تمكّن من إيجاد أرضية مشتركة مع رئيس حركة حماس الجديد في قطاع غزة يحيى سينوار، ونشأ كلاهما معًا في مخيم خان يونس للاجئين في قطاع غزة.
وهذه الأرضية المشتركة أمر هام؛ إذ سيطرت حماس على السلطة في غزة 2007، ما نتج عنه مشاحنات وخلافات بلغت مدى بعيدًا من العنف بين حماس وفتح، وهذا مشهد حدث وتكرر في التسعينيات وبداية الألفينات، واستهدفت مهمة دحلان حماس من أجل السلام. وعندما استولت حماس على أجهزة الأمن الوقائي، حرصت على تسريب الوثائق الرسمية ومقاطع الفيديو الذي تثبت تورط نواب دحلان في التعذيب وغيره من الجرائم.
هذا التاريخ المفرط في الانقسام والعنف أحد أسباب فشل جهود المصالحة السابقة بين حماس وفتح. ويجب أخذ ذلك بعين الاعتبار في الأسابيع المقبلة؛ فالفصائل الفلسطينية تتغاضى عن بعضها بعضًا بالقدر نفسه من الكثافة التي يتعاطف معها الاحتلال الإسرائيلي. والسبب في ذلك أنّ انفتاحهم على بعضهم بعضًا، كما هو الواضح، قد يكون أكثر هشاشة؛ كما يتخيّل للمتطلعين إلى الاستقرار في المنطقة.