من أعلى زواية في شارع، يظهر وجه عبدالفتاح السيسي مبتسمًا للمارة؛ كتعبير عن السلطة الأبوية، وأسفل الصورة كُتب «تحيا مصر». هذه ليست القاهرة؛ إنه قطاع غزة في الشمال الشرقي من فلسطين، الذي وصفته صحيفة بلومبرج بأنه معدم، وتشكّل اللافتة دليلًا على نجاح السيسي في التوسّط للمصالحة الفلسطينية التي طال أمدها. لكن، لماذا سعى السيسي إلى إتمام هذه المصالحة؟
وأضافت الصحيفة، وفق ما ترجمت «شبكة رصد»، أنّ السيسي يريد تحقيق مصالح أمنية لمصر، ووقف تدفق المسلحين بين غزة وسيناء؛ إذ دمّر تنظيم «ولاية سيناء» التابع لتنظيم الدولة السياحة في مصر، وكانت ضد ما وصفته بالانتعاش الاقتصادي الدائم الذي يريده السيسي، كما يساهم إنهاء الصدع بين صفوف الفلسطينيين في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، ويعزز من محاداثات السلام مع «إسرائيل». وبوضع العوامل معًا، فإنها تترجم إلى أن مصر تريد أن تصبح قوة إقليمية فاعلة.
وقال «مايكل وحيد حنا»، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، إنّ هناك رغبة مصرية في إعادة تأسيس دورها في المنطقة وتنشيط سياستها الخارجية.
الربيع العربي
منذ أوائل السبعينيات، كان القادة المصريون الاستبداديون متحالفين مع الولايات المتحدة وتلقّوا مليارات الدولارات من المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وحطّموا آمال الشرق الأوسط بإجرائهم محاداثات سلام مع «إسرائيل» بعد حرب أكتوبر. وبعد ثورة يناير، تغيّرت القيادة السياسية أكثر من ثلاث مرات؛ ما ساهم في حدوث تراجع اقتصادي بشأن تركيز مصر نحو الداخل.
وأضافت الصحيفة أنّ السيسي اُنتُخب في عام 2014 بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح فيه بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب، وحصل بسبب ذلك على مساعدات مالية كبرى من الخليجيين الذين أرادوا التنكيل بالإسلام السياسي، كما حصل على قرض من صندوق النقد الدولي. وبجانب ذلك، قاد السيسي حملة شرسة ضد الآف المعارضين، سواء بالسجن والتعذيب؛ وشملت هذه الحملات الحقوقيين والمنظمات الأهلية المحلية والدولية، رفضًا لانتقاداتهم.
وقالت الصحيفة إنّ هذه المِحن دفعته للتحوّل إلى السياسة الخارجية من أجل وضع حد للعنف؛ خاصة فيما يتعلق بجيران مصر، الذين يرى أنهم يحاولون تقويض استقرارها.
وغير غزة، انضمت مصر إلى روسيا في مساعدة خليفة حفتر في محاولة منهما لإنهاء التصدع العنيف بينه والحكومات المدعومة من الولايات المتحدة في طرابلس، بينما توقفت دول الخليج والإمارات عن دعمها المالي، واتهمت قطر بأنها تدعم الجماعات المعارضة وإقامتها علاقات وثيقة مع إيران.
الآن، يخوض السيسي في قضية شائكة؛ في محاولة للتوفيق بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
مصالح مشتركة
في الأسبوع الماضي، سلّمت حركة حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ أكثر من عقد، السيطرة الإدارية إلى السلطة الفلسطينية المعترف بها دوليًا؛ بموجب اتفاق توصّل إليه بوساطة مصرية في مقابل المساعدة في وقف تدفق المسلحين والأسلحة عبر الأنفاق الممتدة بين غزة ومصر، وفي مقابل ذلك أيضًا خففت مصر من القيود المفروضة على معبر رفح، الذي يعتبر الشريان الوحيد للحياة داخل القطاع.
وترى السلطة الفلسطينية، التي تتخذ من الضفة الغربية مقرًا لها، أنّ المصالحة الكاملة والدائمة مع حماس ستعيد دورها ممثلًا وحيدًا للفلسطينيين في أي محادثات مع «إسرائيل».
وقال الباحث في المركز القومي لدراسات الشرق الوسط في القاهرة،إنّ جميع الأطراف لديها مصلحة في تحقيق المصالحة؛ فهي الآن على المحك، ومع ذلك لا تزال الصورة النهائية للصفقة تتراجع إلى الوراء.
الضغط على حماس
وقال «آران ليرمان»، المحاضر في كلية شاليم بالقدس وعضو سابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إنّ المصريين وضعوا ضغوطًا كبرى على حماس، لكنهم غير متأكدين من إمكانية إتمام الاتفاق للنهاية، وكان السيسي أول من هنّأ ترامب على فوزه بمنصبه، ويتفق الرئيسان على ضرورة مكافحة التشدد الإسلامي.
لكنّ الأمر واجه صعوبات؛ إذ أدانت مصر حجب الولايات المتحدة 300 مليون دولار من المساعدات الأميركية لمصر، بعد حجبها أكثر من 400 موقع، ولسجلها السيئ في حقوق الإنسان، بينما لم يتبع ترامب الإشارات التي أصدرتها القاهرة لاعتبار جماعة الإخوان إرهابية.
كما حاول السيسي الاقتراب من روسيا، التي تساعد مصر على بناء محطة نووية، والصين أيضًا التي فازت شركاتها بعقود أعمال في مصر. وقال حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية السابق، إنّ العلاقات مع الولايات المتحدة لم تتغير؛ لكنّ النظام الدولي يجب أن يعكس السياسة الخارجية لمصر.