مع ازدياد النزعات الانفصالية حول العالم، وارتفاع حدة التوتر في عدد من الدول التي نشط فيها مؤخرا، مطالبات الانفصال عبر الاستفتاءات المختلفة، تتجه الأنظار حول قانون حق تقرير المصير الذي يكفله القانون الدولي لشعوب العالم لنيل حرياتهم.
وتستند الكثير من الحركات الانفصالية إلى «حق تقرير المصير» في مطالباتها باستقلالها عن الدول التابعة لها، ولكنها في ذات الوقت تعصف بوحدة أراضي الدول المعترف بها دوليا، ولذا فإن التباس بين قانوني «تقرير المصير» و«وحدة الأراضي»، يظهر واضحا في أزمات دولية، كان آخرها استفتاء كردستان في العراق، واستفتاء كتالونيا في إسبانيا.
ما هو قانون حق تقرير المصير
يعرف بأنه «حق الشعوب في أخذِ مستقبلها بيدها وتحديد المسار والخيارات السياسية التي تراها مناسبا بما في ذلك تشكيل حكوماتها دونَ تأثير خارجي وتحديد شكل الحكم، والاندماج مع وحدة سياسية مجاورة أو الانفصال عنها».
أدرج القانون في ميثاق الأمم المتحدة عام 1951، وهو ما جعل حركات التحرر تستند إليه بشكل شبه كامل في بلدان العالم الثالث ، وكان أبرز تلك الحركات التحررية الاستفتاء الشعبي الذي أجرته فرنسا على استقلال الجزائر في عام 1962، وقضى بخروجها منها.
ونادت الحركات الانفصالية في بلاد العالم آنذاك بحق مجموعات متجانسة لغويا أو عرقيا أو ثقافيا في تقرير مصيرها.
ولكن غياب الفهم الصحيح لمضمون القانون،الذي لم يحدد آليات تطبيقه، جعل هناك استغلال سياسي له للوصول أجندات سياسية خارجية، من أجل ضرب نظام بعينه.
وتبقى معضلة حقوق الإنسان هي العقبة بين قانوني تقرير المصير والسيادة، فاغلب الحركات التحررير وخصوصا في العالم الثالث، تنشأ من اضطهاد عرقي أو ديني أو تهميش، يدفعها للمطالبة بإعلان دولة مستقلة خاصة لهم .
هل ينطبق القانون على كتالونيا وكردستان
يقر القانون بأن من حق الشعوب تحديد مستقبلها، ومن هذا المنطلق يرى مراقبون دوليون، أن استفتاء كردستان وكتالونيا، لا ينطبق عليهما ذلك، حيث أنهما ليسا شعوبا كاملة في حد ذاتها، فكردستان شعب عراقي بامتياز مثلا.
ويقول خبير القانون الدولي لبروفيسور شتيفان تالمون لـ«DW»، إن الكاتالونيين لا يستطيعون الاعتماد على مبدأ تقرير المصير، موضحا «حق تقرير المصير، يشترط أن يكون هناك شعب ليستطيع الاعتماد على حق تقرير المصير، لكن جزءًا من سكان دولة وطنية ليس شعبًا بالمعنى الدولي، حتى لو كانت له هوية مميزة، ولذلك فهذا الجزء لا يمكنه أن يستند على حق تقرير المصير».
وعن موقف كردستان، يقول الكاتب فؤاد البطاينة في مقال لها بصحيفة الرأي اليوم «في المسأله الكرديه العراقيه نحن امام شعوب او اعراق اصيله تاريخيا في وجودها على اراضيها، ولكنها داخل دوله واحده تمثل وحدة جغرافية تاريخية وسياسيه واحدة وحدود معترف بها دوليا وراسخه في القانون الدولي».
وتساءل البطاينة «هل السيادة تصبح هنا ملكا أو حقا للمجموعات السكانية العرقية والطائفية او لأقاليمها فرادى، ونصبح امام سيادات في دولة واحده أم هي حق للدولة وركن أساسي في مقوماتها؟».
وأردف «الجواب أن الشعب العراقي بكل مكوناته هو صاحب الحق في السيادة ومالكها على أي شبر في الدوله بأقاليمها، وأن السلطه موكلة بإعمالها على كل اراضي الدولة وما فوقها وتحتها من بشر وموجودات، ويمكن لها حتى التصرف بملكية الاشخاص لاراضيهم ومنازلهم للمنفعة العامة وفق قانون».
ولفت إلى أن انفراد سكان الاقليم بالاستفتاء باطل وغير مشروع، والمضي فيه عمل من أعمال الحرب الداخلية، مؤكدا أنه في هذه الحالة «تقف حدود الوكالة المعطاة من الشعب للسلطة بممارسة السيادة، ويعود الأمر كله في هذه الجزئية لشعب الدولة لا لشعب اقليم او منطقة».
تبعات الانفصال
في الوقت الذي يدعم القانون الدولي، حق المصير، يشدد أيضا على وحدة الأراضي، فإذا تبنى كافة الحركات الانفصالية لأصبح تعداد دول العالم يتضاعف يوميا، بسبب الانقسامات وتفكك، ويكون بدلا من الـ 200 دولة، 400 وأكثر .
وربما يكون عقاب الانفصال لإقليم الحرمان من الانضمام لمنظمات دولية معينة، ففي حالة الانفصال الكتالوني، من الصعب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث ستتبى إسبانيا موقفا معارضا لدخوله، ومن ثم فشل حصوله على العضوية.
وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إن كاتالونيا من الصعب أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أنه من الضروري التقدم بطلب للعضوية مرة أخرى، للعودة لليورو والوصول إلى السوق الداخلية الأوروبية، بعد أن فقدتهم حال الانفصال.
وعلى النقيض يكون موقف اسكتلندا في بريطانيا، حيث أنها تدعم البقاء داخل الاتحاد الاوروبي، ولن تجد من يمانعها في حال انفصلت وطالبت بدخوله، حيث أن قوانين الاتحاد المتعلقة بالعضوية معقدة للغاية، وتقتضي مصادقة كل الدول الأعضاء على معاهدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي،
وتقود عدد من النزعات الانفصالية إلى حروب، كما يحدث في الدول التي تمارس سلطات ديكتاتورية وتسلطية على شعوبها، مثل تشيشينيا في روسبا وشرق أوكرانيا حالياً، وكشمير في الهند، التاميل في سيريلانكا، الشياباس في المكسيك.
كما تواجه المناطق المستقلة، عقبات في بادئ إعلان استقلالها، من ناحية اعتراف دول العالم بها، والتي تتردد في ذلك، خشية تكرار النموذج في بلادها، ولذلك تكون العلاقات الدولية للمناطق المنفصلة ضعيفة لفترات طويلة، قد تواجه بسببها مشاكل اقتصادية وسياسية كبيرة.
وفي مقابل العدد الكبير من النزعات الإنفصالية التي تستقر معظمها في أفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي، هناك 4 حالات فقط نجحت في الحصول على الاستقلال، إريتريا المستقلة عن إثيوبيا، وتيمور الشرقية المستقلة عن إندونيسيا وجنوب السودان المستقل عن السودان، وأخيرا كوسوفو عن صربيا.