تقديرا للجهود التي يقوم بها المدافعين عن حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، يجتمع أعضاء من الأمم المتحدة والحكومة السويسرية، ودبلوماسيين وأعضاء المجتمع الدولى لحقوق الانسان، في حفل تكريم وتوزيع جوائز، بجنيف، الثلاثاء المقبل، وذلك لتكريهمهم، وكذلك هي مناسبة لمناقشة الأخطار كالاضطهاد وغيره، التي يتعرض لها مدافعوا حقوق الإنسان، من قبل أنظمة ديكتاتورية وبوليسية عدة، مثل مصر، التي منعت الحقوقي البارز، محمد زارع من حضوره الحفل، حسبما نشر موقع «بي آر آي» الأمريكي، المتهم بالشان الصحفي والحقوقي عبر العالم.
ووفق ما ترجمته «شبكة رصد» محمد زارع الناشط المصري بحقوق الإنسان، وهو واحد من ثلاثة من المرشحين النهائيين لجائزة «مارتن إنالز الرفيعة» والتي تُعرف بجائزة نوبل لحقوق الإنسان، وذلك لأنها تمنح على مستوى عالمي وكذلك الاعتراف بها، لكن وعلى الرغم من المكانة المرموقة لتلك الجائزة، إلا أن مقعد زارع سيظل فارغا.
لن يكون «زارع» حاضرا ليعلم ما إذا تم اختياره من قبل لجنة تحكيم التي تضم مندوبين عن 10 منظمات حقوقية دولية رائدة، من بينهم، منظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، ويتعذر على زارع الخروج من مصر بسبب منعه من السفر من قِبل الحكومة المصرية، العام الماضي.
على الرغم من ذلك فإن محمد زارع، 37 عاما، يقول إنه يشعر بالامتنان للغاية، إزاء ترشحه للجائزة، ومن الطبيعي أن يشعر بالقلق إزاء سلامته في الوقت الذي يواجه فيه نظاما بوليسي يرتكب العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، إذ يتعرض الناشطون في مصر لمضايقات وترهيب وتهديدات قانونية وأخرى خارجة عن القانون على أيدي الأجهزة الأمنية الحاكمة في البلاد.
يعد محمد زارع عضوا رئيسيا في معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهي منظمة غير ربحية، لها دور فعال في حماية العاملين في مجال حقوق الإنسان الآخرين، ومن بينهم قضية المصرية الأمريكية آية حجازيي، وقد أنشئ المعهد، عام 1993 لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، انضم زارع إلى المعهد في أعقاب ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.
والآن، يقول المعاضون إن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يشن حملة عاصفة بغية القضاء على حركة حقوق الإنسان المستقلة في البلاد، كما أن زارع والمركز الذي يعمل فيه من بين العديد من الأشخاص المستهدفين.
زارع هو واحد من عدة نشطاء قامت السلطات المصرية بمنعهم من السفر في قضية تعود إلى عام 2011 ضد المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك معهد القاهرة، التي تتهمه الدولة بالحصول على تمويل أجنبي غير قانوني للإضرار بالأمن القومي، وقد تم إحياء «قضية التمويل الأجنبي» التي تقول منظمة العفو الدولية أنها «ذات دوافع سياسية» العام الماضي.
وفي مايو الماضي، أي بعد مرور عام على منعه من السفر، وجه قاضي التحقيقات في القضية إتهامات أخرى ضد زارع، وقد يواجه عقوبة السجن مدى الحياة إذا ثبتت إدانته بتلقي أموال من الخارج وإنفاقها بصورة غير مشروعة لزعزعة الأمن والاستقرار.
يرفض زارع التهم الموجهة إليه والأشخاص الآخرين التي تشملهم المحاكمة، وأضاف «إن القضية تعاقبنا فعليا على عملنا ولإفصاحنا عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر» وتابع أن الحكومة تتعامل بعنف وتنكيل مع المعارضون للقمع.
وقالت المؤسسة التي تقدم جائزة «مارتن اينالز» إن زارع هو أحد المدافعين الذين استهدفهم النظام لـ «دوره الرائد» في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات وكذلك «جهوده الدؤوبة لحقوق الانسان التي لا يزال يقوم بها على الرغممن أنه لا هوادة في الرد على عمله، وتصعيد المخاطر والاضطهاد الذي يواجهه يوميا لازال قائما وبقوة».
وفي مواجهة التهديدات المتصاعدة والعوائق التي تحول دون تأدية عمله اضطر معهد القاهرة نقل معظم عمله إلى تونس، عام 2014، كما ذهب مؤسسها ومديرها بهي الدين حسن إلى المنفى خارج البلاد.
يعتبر «زارع» واحدا من بين عدد قليل من الحقوقيين الذين ما زالوا يعملون من داخل مصر. لم يعد يعمل أحدهم من داخل مكتب، في القاهرة، لأن ذلك يُعرض العاملين لخطر المداهمات من الأجهزة الأمنية والاعتقال، وبعد أن تجمدت أصول المعهد في قضية التمويل الأجنبي، تعطل العمل كليا.
ومن المرتقب حضور زوجة زارع وابنتاه ورئيسه، مراسم حفل توزيع الجوائز، فى جنيف، يوم الثلاثاء.
وبالرغم من العوائق يستمر زارع والفريق، في مصر، على سبيل المثال، فهو كان من بين أول من أتي للمساعدة في قضية المصرية الأمريكية، آية حجازي، قبل أن تصبح حالتها رفيعة المستوى، وقد حكم على حجازي بالسجن لمدة ثلاث سنوات في القاهرة بتهم، أدينت تلك التهم، على نطاق واسع، بأنها ذات دوافع سياسية، وبعد تدخل من إدارة ترامب، تمت تبرئة آية حجازي، في مشهد مخزي.
إلا أن تلك الانتصارات الصغيرة لم تدم طويلا إذ ابتلعتها حملة قمع غير مسبوقة، قال زارع « كان شعورا رائعا عندما تمت رؤية آية حجازي وزملائها أحرار» ولكن في نفس اليوم تبرئتهم،كان زارع في طريقه يرافق زميل من منظمة أخرى لحقوق الإنسان إلى جلسة تحقيقات لـ «قضية التمويل الأجنبي».
وبعد شهر من صدور حكم البراءة لحجازي، اعتمد السيسي قانونا جديدا، اعتبر على نطاق واسع أنه مقيدا بشدة للمجال العام، وحذرت منظمة العفو الدولية من «التهديد بالقضاء على منظمات المجتمع المدني في البلاد» وأضاف زارع أنه «إذا تحقق لك انتصار، وإن كان انتصارا صغير هنا وهناك، ستجد دائما أنه يقابله كارثة ضخمة تدمر مكتسبات انتصارك».
وقال إن ضعف الموارد والقدرة المحدودة تجعل من الصعب التعامل ومواكبة وتيرة القمع المتصاعدة، وقبل يوم من إجراء تلك المقابلة، أدين المحامي البارز، والمرشح المحتمل للرئاسة، خالد علي، بـ«انتهاك الآداب العامة» في ما يصفه النقاد بأنه حكم سياسي، يستهدف منعه من التنافس ضد السيسي العام المقبل، في الانتخابات الرئاسية.
وعلاوة على ذلك، ألقي القبض على 25 ناشطا من النوبيين الأصليين لقيامهم باحتجاجات سلمية وغناء؛ فقد اختفى قسرا محاما يمثل أسر الأشخاص الذين تعرضوا للإختفاء القسري على يد أجهزة الدولة؛ وحكم على أكثر من 400 شخص بالسجن لمدد تتراوح بين خمس سنوات ومؤبد، في محاكمة جماعية.
ووافق مجلس الوزراء المصري على قانون بموجبه يتم سحب الجنسية من الشخص، جراء ارتكاب جرائم ضد الدولة، وهو ما اعتبره محللون تهديد يمكن استخدامه ضد المدافعين عن حقوق الإنسان وغيرهم من المعارضين، وكان ذلك ما وقع خلال سبتمبر فقط.
إن الشلال اليومي لانتهاكات حقوق الإنسان، إلى جانب التهديد المستمر المتمثل في الإنتقام والسجن المحتمل، يؤثر جميعها على صحة زارع وغيره من النشطاء وتعرضهم لنوبات قلق، يقول زارع «إذا فكرت في أنني سأذهب إلى السجن، سوف أنزعج وسينتهي بي الحال في غرفة صغيرة جدا في بيتي، وعدم التعامل مع أي شخص، لذا، فإنني أحاول أن أكون في حالة إنكار، لكنني لا أستطيع الهروب من نوبات الهلع التي تصيبني أحيانا».
وأضاف أنه يحاول البقاء هادئا من أجل عائلته، وخاصة أمه المسنة التي تعاني من ارتفاع ضغط الدم، ويحاول هو وزوجته أيضا حماية ابنتيهما اللاتي يبلغن من العمر 4و7 أعوام، إذ أنهم أصغر من أن يستوعبوا أن والدهم يحاكم ومعرض للاعتقال.
ويقول زارع « لذلك أخبرتهم إنني لن أتمكن من السفر مرة أخرى، وأوضحت لهم أنني لم أفعل أي شيء خاطئ وعليهم أن يفخروا بما أقوم به».