رحبت قوى سياسية وكيانات اقتصادية، بالقرار الأميركي، برفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، بعد 20 عاما من فرضها، واعتبروها تصحيحا لأوضاع «خاطئة»، أسهمت في أزمات السودان.
وفي الوقت الذي بنى الكثيرين آمالهم الاقتصادية في الأزمة السودانية على رفع العقوبات، لجم البعض تلك الطموحات، باستثناء القرار لعدد من العقوبات والتي تظل مقيدة للحراك الدولي الذي تبتغيه البلاد خلال الفترة القادمة، بعد أن تقدمت خطوات في عدد من الملفات، كان من شأنها التوصل لقرار سعت الحكومة إليه لفترات طويلة.
وجاء القرار بعد أن أرجأه الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، عندما تولى الحكم، وأرجا رفع تلك العقوبات من يوليو الماضي، وحتى 12 أكتوبر الجاري، بعد قرار للرئيس السابق باراك أوباما، برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 1997، على أن ينفذ يوليو الماضي، بهدف «تشجيع الحكومة السودانية على المحافظة على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب».
ترحيب قوي
وعلقت وزارة الخاجية السودانية على القرار، فور صدوره، وأكدت أن القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إيجابيا .
وقالت الوزارة في بيان لها «رحب السودان قيادة وحكومة وشعبا بالقرار الإيجابي الذي اتخده فخامة الرئيس دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، والذي قضى برفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان بشكل كامل ونهائي».
كما رحبت جماعة الإخوان المسلمين في السودان، مساء الجمعة، بالقرار الأمريكي القاضي برفع العقوبات الاقتصادية عن الخرطوم، واعتبرته تصحيحا لوضع «شائن وغير مبرر».
وقالت الجماعة في بيان «نتمنى أن يضع القرار العلاقات السودانية الأمريكية في مسارها الصحيح من الاحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة للبلدين».
ومن جهته، أكد الأكاديمي السوداني الدكتور تاج السر عثمان، أن «عقوبات جائرة لتركيع السودان لكنه صمد شكرا لكل من ساهم في رفع العقوبات وخاصة السعودية الشقيقة و ملكها خادم الحرمين».
وفي بيان للأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي٬ يوسف بن أحمد العثيمين، قال «إن رفع العقوبات يساهم بصورة كبيرة في تحقيق السلام والأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي في السودان، الذي تضرر شعبه كثيرا من هذه العقوبات الأحادية»، لافتا إلى أن المنظمة ظلت من جانبها تطالب الإدارة الأمريكية في جميع قراراتها على مستوى القمة والمجلس الوزاري برفع جميع العقوبات المفروضة على السودان
آمال اقتصادية
وبسط عدد من الاقتصاديين في السودان آمالهم بعد رفع العقوبات ، مؤكدين أن القرار من شأنه التهيئة لاندماج السودان مرة أخرى في الاقتصاد العالمي، وتسهيل المعاملات المصرفية مع العالم الخارجي.
وأكد محافظ بنك السودان المركزي حازم عبد القادر، أن القرار جاء نتاج تضافر الجهود الاتصالية للدولة مجتمعه وحنكة وصبر وفود التفاوض. مثمنا الجهود الدبلوماسية التي قادتها وزارة الخارجية.
وقال عبد القادر، إن القرار سيعطي فرصة تسهيل انسياب وزيادة موارد النقد الأجنبي والاستثمارات الأجنبيه بالبلاد، وسيخفض تكلفة التمويل والمعاملات الخارجية الأمر الذي سينعكس -بإذن الله- ايجابا على الاقتصاد السوداني.
ومن جهتها، قالت وزارة الصناعة السودانية، إن القرار «سيسمح بإعادة تشغيل عدد كبير من المصانع المتوقفة، والتي كانت تستخدم التقانة (التقنية) الأمريكية قبل فرض العقوبات على الخرطوم قبل 20 عاما»
وتوقع وزير الدولة بوزارة الاستثمار السودانية، أسامة فيصل، ولوج عدد كبير من الشركات الأمريكية للاستثمار في السودان بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية.
السر وراء رفع العقوبات
ويعكس رفع العقوبات على السودان تغيرًا في استراتيجية التعامل مع الدول التي تصفها الولايات المتحدة الاميركية بدعم الإرهاب، حيث تبنت سياسة خفض العقوبات من أجل «التشجيع على إجراء المزيد من التغييرات في الملفات الخمسة المرتبطة بالعقوبات الأميركية»، بحسب ما أكده مسؤول بالخارجية الأمريكية.
ولفتت صحيفة «الواشنطن بوست»، إلى أن رفع العقوبات، لم يكن من أجل التقدم الملحوظ التي تبنته دولة السودان خلال الفترة الاخيرة، ولكن له علاقة وطيدة بالازمة مع كوريا الشمالية، حيث أرادت الإدارة الأميركية، تقويض ذلك التعاون مع كوريا الشمالية، بعد أن اتهمت الأمم المتحدة، السودان بالتعاون معها في مجال الأسلحة.
وبناءا على القرار الأخير للولايات المتحدة الأميركية، يسمح للبنوك الدولية والمواطنين بإجراء كافة التحويلات المالية مع السودان، بالإضافة إلى السماح بالتصدير والاستيراد من السودان، وهو ما كان ممنوعا بموجب العقوبات.
كما سيتم رفع كل الحظر المفروض على الممتلكات والمصالح .
وأبقت واشنطن على عقوبات أخرى لم ترفعها، حيث لم ترفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى أنها لم ترفع عقوبات أخرى ضد أفراد سودانيين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال دولية بسبب تورطهم في انتهاكات إبان الصراع في دارفور.
ويشير بقاء بعض العقوبات، إلى أن واشنطن أرادت التمسك بوسيلة لمعالجة القضايا المتعلقة للصراع في الإقليم، حيث احتفظت بسلطة تعيين مبعوثين لها إلى السودان، ومنع توريد الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى الأطراف الضالعة في النزاع في دارفور.
لا جدوى
ويرى سياسيون أنه ما زال السودان أمام تحدي كبير، رغم القرار الأميركي، والذي جاء بعد تقدم السودان محاور عدة، من بينها، وقف الأعمال العدائية في دارفور وشرق الخرطوم والنيل الأزرق، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق نزاعات سابقة، ووقف محاولات زعزعة الاستقرار في جنوب السودان، بالإضافة إلى تعاون الولايات المتحدة والسودان في مجال مكافحة الإرهاب.
وقال القيادي في الحزب «الاتحادي الديموقراطي الأصل»، علي نايل، لـ «الجزيرة»، أنه «لا جدوى من رفع الحظر الاقتصادي في ظل سياسات اقتصادية وصفها بالعقيمة؛ أدت إلى مشكلات البلاد الحالية».
وأكد نايل أن «السودان لن يستفيد من رفع الحظر إن لم تغير الحكومة السياسات الحالية في مختلف الأصعدة، مبديا استغرابه لترويج المسؤولين لرفع العقوبات الاقتصادية بأنه «فتح مبين»، وهو في الواقع لا يتعدى جزءا يسيرا من أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.