وصل إعلان حماس فى نهاية الأسبوع بحل لجنتها الإدارية، والاستعداد لإجراء انتخابات وإعادة القطاع لسيطرة رام الله، مثل «باقة الورد» إلى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، فبعد أشهر من ضغوط «عباس» وأكثر من أسبوع من المحادثات في القاهرة، سلمت حماس، الجماعة الإسلامية المسلحة التي سيطرت على قطاع غزة لمدة عقد، فجأة مفاتيحها إلى الإقليم.
ودعت السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها «حركة فتح العلمانية»، إلى إرسال وزرائها لغزة و«القيام بواجباتهم فورا»، وقبلت فتح الدعوة لإجراء انتخابات في غزة والضفة الغربية، واستئناف محادثات الصلح بين الفصائل الفلسطينية المتنافرة، بحسب «النيويورك تايمز».
رد عباس السريع
وبحسب ما ترجمت «شبكة رصد»، كان رد عباس على حماس سريعا، حيث اتصل يوم الاثنين بـ«إسماعيل هنية»، رئيس المكتب السياسي للحركة، ووعد بمتابعته بعد عودته من اجتماع الأمم المتحدة في نيويورك، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان إعادة تشكيل الدبلوماسية المصرية وتبنيها برجماتية أقنعت قيادة حماس بطوي صفحة التنافس مع فتح.
وقال «مهدي عبد الهادي»، رئيس الأكاديمية الفلسطينية للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث في القدس الشرقية، إن السيد هنية و يحيى سنوار، رئيس الوزراء الجديد في غزة، بدا متحمسين لكسر الجمود مع فتح وعباس؛ كوسيلة لفك الحصار عن قطاع غزة، مضيفا «من أجل رفع الحصار، وتمكين الفلسطينيين من التنفس، واستئناف إمدادات الكهرباء والمياه والرواتب، بدلا من الإنفجار».
وبعيدا عن دفع الفلسطينيين نحو مستقبل جديد ملئ بالأمل، وهي النتيجة الأكثر إلحاحا لحركة حماس، فقد تصل إلى ما هو أبعد من ذلك، فحماس تريد أن تعيد مكانتها مرة أخرى، داخل الدائرة، لكن المصالحة الفعلية التي يمكن أن تعطي دفعة جديدة لعملية السلام تتطلب سلطة فلسطينية محفزة، وتحول زلزالي من جانب حماس، وتحمس من إسرائيل والولايات المتحدة على السواء – ولا يوجد أي دليل واضح على ذلك -.
تفاؤل إزاء المخاطر
وأعرب محللون سياسيون، عن تفاؤلهم إزاء المخاطر المحتملة، فقد حاولت فتح وحماس إتمام المصالحة منذ عام 2007، وعقدت اجتماعات متعددة بينهم، بما في ذلك اجتماع عام 2014، والذي فشل، وأعقبه الهجوم الإسرائيلي على غزة، وحينها أدى انعدام الثقة بين الطرفين، إلى إعلان حماس بشكل استفزازي في مارس أنها ستجعل «لجنتها الإدارية» هي نظام الحكم الدائم للقطاع.
من جانبه، استجاب «عباس» لاستفزازات حماس، فقرر إحكام قبضته الحديدية على القطاع، ورفض دفع فواتير الكهرباء في غزة، لذلك خفضتها إسرائيل إلى أربع ساعات يوميا، وهو ما جعل الصيف غير طبيعي، كما توقف عن دفع رواتب العاملين الحكوميين ومعاشات السجناء السابقين في غزة، وإغلاق المعابر الحدودية الطبية لغزة، وأرسل آلاف العمال إلى التقاعد المبكر.
وفي ظل غمر مياه الصرف الصحي غير المعالجة لشواطئ غزة، حذر عمال الإغاثة الدوليون من أزمة إنسانية، حتى أن مسؤولين إسرائيليين، شعروا بالقلق إزاء الوباء المحتمل أو انفجار موجة أخرى من العنف، فجمعت مصر قادة حماس، بمن فيهم السيد هنية في القاهرة مرة أخرى في 9 سبتمبر.
وقال المحللون إن البيان الذي أدلى به «هنية» يوم الأحد، بعد الاجتماع، إلى أنه سفتح الباب من جديد مع فتح، وقال «نبيل شعث»، مستشار عباس للشؤون الخارجية، إن السلطة الفلسطينية ستلغي بدورها القيود الصارمة المفروضة على غزة على الفور، وأضاف أن تصريحات تلك القرارات نتيجة لتصريحات حماس، مضيفا أيضا أن «عباس كان في حالة تألم مستمر للوضع السابق وأنه اضطر لوضع شعبه تحت ضغط».
الأمر ليس جديدا.. هل هناك خدعة؟
وبالنسبة لحركة حماس، فإن تسليم مفاتيح الحكومة في غزة لرام الله، ليس بالخطوة الجديدة، فقد حاولت فعل الشئ نفسه في عام 2014، عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية وحماس اتفاقا يمهد الطريق لحكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء «رامي الحمد الله».
«ناثان ثرال»، المحلل الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، تساءل بدوره عما إذا كانت خطوة حماس لنقل إدارة القطاع لرام الله، ليست مجرد خدعة ذكية تعمل ثل السحر، فحل لجنتها الإدارية تنازل كبير، على حد تعبيره
مخاوف من نوايا حماس
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن الفلسطينيين يتوقون إلى المصالحة بين فتح وحماس، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما سيأتي من وراء عرض حماس، وتصمم إسرائيل والولايات المتحدة، على منع حماس، التي لا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، من الحصول على السلطة في الضفة الغربية أو السلطة الفلسطينية ككل.
ولم تعلن حماس شيئا عن نزع السلاح، بمعنى أنها ستحتفظ باليد العسكرية العليا في غزة، حتى لو أرسل عباس قوات الأمن إلى هناك. وبالمثل، يُنظر إلى عباس البالغ من العمر 83 عاما بأنه من غير المرجح أن يدعو إلى إجراء انتخابات قريبا؛ خشية أن تؤدي إلى فوز حماس، كما حدث في عام 2006.
وأيضا حذر «شعث» يوم الاثنين، من أن الانتخابات واستئناف محادثات فتح وحماس خصوصا فيما يتعلق بالأمن «ستستغرق وقتا».
ولكي نكون منصفين، فإن السيطرة على غزة، قد تكون مهمة لا جدال لها بالنسبة لعباس وفتح كما كانت بالنسبة لحماس.
وقال ثرال، «من منظور خارجي، فإنهم ليس لديهم أي سيطرة تقريبا على غزة اليوم، لذا فهو أفضل من لا شيء، لكنهم ينظرون إليها بطريقة: لماذا يجب عليا أن أتحمل العبء واللوم؟».
ميول نحو مصر
أشارت الصحيفة إلى أن بيان حماس، كان ميالا لمصر، وخاصة إلى جهاز المخابرات العامة؛ «لجهوده السخية» وتعبيره عن القلق إزاء الوحدة الفلسطينية، ولا عجب أن حماس تعتمد اعتمادا كبيرا على مصر وتطمح إلى علاقات أفضل مع حكومة «عبدالفتاح السيسي»، التي شددت على الحدود المصرية مع غزة، بعد أن استولت على السلطة بعد الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين في عام 2013، وهدمت الأنفاق التي حفرتها حماس.
وفي هذا العام، قدمت حماس عدة مبادرات لمصر، مثل الوثيقة الرئيسية التي نشرتها حماس في مايو، والتي أعلنت فيها قطع علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، وانضمت إلى طلب مصر لإنشاء منطقة عازلة على حدود غزة للمساعدة في تقييد تحركات الجهاديين السلفيين داخل سيناء وخارجها.
وقال محللون إن مصر، شأنها في ذلك شأن إسرائيل، لديها ما يدعوها للخوف من اندلاع حرب أخرى في غزة، لأن القاهرة تعتبر متواطئة مع إسرائيل في احتواء غزة، ويمكن أن يلقى باللوم عليها من قبل العرب إذا اندلعت أعمال العنف في غزة مرة أخرى، وعلى النقيض من ذلك، فإن جهودها مع حماس يمكن أن تساعدها على إعادة تأكيد نفسها كبطل للقضية الفلسطينية.
وقال «أحمد كامل البحيري» الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن التقارب المصري مع حماس بدأ بشكل جدي في عام 2015، وذلك في إطار الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سيناء، حيث كان مقاتلو الدولة الإسلامية يتجمعون بقوة، في القاهرة.
كما أدت الزمة الخليجية إلى تغيير في حسابات مصر، وانضمت إلى مقاطعة قطر، التي مولت حماس في الماضي، وقدمت قاعدة لزعيمها السابق خالد مشعل، ومع الضغط على قطر، بدأت حماس تخشى أن يصبح متبرعها الوحيد معزولا. كما شهدت مصر والإمارات العربية المتحدة التي تقاطع قطر أيضا فرصة لزيادة الضغط على حماس.
وقال البحيري، إن مصر فتحت الحدود مع غزة بشكل أكثر تواترا هذا الصيف، وقدمت معلومات لمصر عن المسلحين الإسلاميين الذين يقاتلون إلى جانب تنظيم الدولة في سيناء. وقال أيضا إ حماس عانت من أعمال انتقامية من أجل تحسين علاقاتها مع مصر، مع ما لا يقل عن أربعة هجمات مسلحة قتلت اربعة من أعضائها.