قال الكاتب «ستانلي كوهين»، الناشط في مجال حقوق الإنسان، إنّ رحيل نتنياهو عن رئاسة الوزراء الإسرائيلية لن يعني شيئًا للفلسطينيين ولن يغيّر في واقع السياسة الإسرائيلية معهم ومع غيرهم أيضًا؛ فالجميع في «إسرائيل»، سياسيون أو عسكريون أو حتى مثقفون ومواطنون، يحملون مذهب العداء والكراهية نفسه ضد كل ما هو غير إسرائيلي؛ حتى ضد اليهود أنفسهم خارج «إسرائيل».
ووفقًا لمقاله الذي نشرته «شبكة الجزيرة» وترجمته «رصد»، قال ستانلي: «قيل إن أولئك الذين لا يتذكرون دروس التاريخ جيدًا محكومٌ عليهم بتكرار أخطائهم، وهو تعبير مألوف كما هو بسيط، بُني للمساعدة والأمل، والواقع أن التاريخ يكرر نفسه مرارًا وتكرارًا، وعندما يتعلق الأمر بإسرائيل فإننا نتعلم ببطء وبطريقة ساذجة؛ فعهد نتنياهو أوشك على الانتهاء الآن. وعلى مدى سنوات، سحب نتنياهو البساط لنفسه؛ فأينما كان طريقه سلّط الضوء عليه، من جنوب لبنان إلى الجولان، إلى رفح، إلى قاعات الكونجرس الأميركي، كانت رحلته متهورة؛ بنيت من مشروع قومي وقليل من الأشياء».
وأضاف الكاتب عن نتنياهو: «لا يستطيع أحد أن يضحك لمكنسة كهربائية، لقد كان طويلًا وجهه قبيحًا، لكنه كان حقيقيًا وفاعلًا جدًا لإسرائيل في مسيرتها لتوسيع رقعة احتلالها، وإعادة صياغة فكرة المعارضة وتظلماتها؛ سواء كانوا داخل إسرائيل أو المتحاربين معها في أماكن أخرى».
من ندوب دير ياسين، إلى عويل صبرا وشاتيلا، إلى جنين إلى الأنفاس الأخيرة للفلسطينيين؛ كان نتنياهو كالعبوة الناسفة التي أطلقتها «إسرائيل» باعتبارها دفاعًا ضروريًا ضد الآخرين، وفي «إسرائيل»، لا يمكن لأيّ سياسيّ أن يسلك طريقه نحو السلطة والبقاء على قيد الحياة دون ترنيمة الإيذاء الدائم، التي أصبحت الأنشودة التقليدية لها.
فنون الخداع!
وتابع: «وفي الواقع، لم يكن أيّ قائد إسرائيلي أفضل من نتنياهو؛ فكلهم متبارون في إظهار من من هم أكثر انحرافًا من الآخر، واستطاع نتنياهو على مدى عقود إيجاد الأعداء الكامنين في كل ركن؛ حتى عندما لم يكن هناك أعداء أوجدهم».
وحين تدّعي «إسرائيل» الدفاع عن النفس كضرورة، بسبب الكراهية التي تلوح في الأفق ضدها؛ فإذا لم تكن هناك كراهية فإنها تصنعها، فهي طريقتها المربحة. وبالنظر إلى الحصار المفروض على غزة، فتخطيها للآداب لا يعرف أيّ حدود؛ فعلى كل جبهات الانحراف تفوقت «إسرائيل».
ويضيف الكاتب: على مدى 70 عامًا أتقنت «إسرائيل» فنون الخداع الذاتي، واستخدمت المحرقة باعتبارها طقسًا دائمًا تقريبًا، وساهمت في ترسيخها عقودًا وأجيالًا، وساعدت على ترسيخها في العقول، وكان عرض خطابها عنها دائمًا حقيرًا. أما الكراهية، التي تميّزت بها «إسرائيل»، فلا تشمل السياسيين أو العسكريين والمستوطنيين فقط، الذين تركزت سياستهم في «لا تسأل ولا تخبر أحدًا»؛ بل أيضًا شرائح المثقفين هناك، وعلى مدى أجيال استطاعت «إسرائيل» أن تخلق هذه الفكرة.
فاشية كلاسيكية
وعلى مدار أجيال أيضًا، احتلت أسماء في «إسرائيل» مثل بيجين، الإرهابي المطلوب من الثلاثينيات والأربعينات، وشارون مجرم الحرب المغطى بدماء النساء والأطفال في بيروت وفي جنين، ونتنياهو المهندس المعماري لحصار فلسطين؛ كلهم منحرفون وجدوا مكانًا في السلطة الإسرائيلية.
وتابع الكاتب: «لا نتوقع أن يتغير ذلك في أي وقت قريب. حتى إذا ما وجد رئيس الوزراء الحالي طريقه في نهاية المطاف إلى مكانه الذي يستحقه في قفص الاتهام، سيظل الوضع كما هو عليه، وننتظر ان تبدأ أسطورة جديدة تشق الطريق نفسه».
وأضاف: «وزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد لها مكانها في ظل هذا الخراب أيضًا، وهي مجرد فاشية كلاسيكية تقلد موسوليني، من حزب البيت اليهودي، التي انتقدت منذ مدة طويلة الحقوق الفردية والمساواة في القانون الإسرائيلي. وترى أنّ العدالة ليست سوى مجرد مدخل تشريعي للتفوق الصهيوني». ولم تشر «إيليت» مرة واحدة إلى أن حقوق الأفراد العالمية أو اليهودية غير الإسرائيلية منتهكة تحت ظل القيم الوطنية اليهودية أو الصهيونية.
وأدارت «إيليت» حربًا ضد المتسللين إلى «إسرائيل» على الرغم من استغلالها آلامهم للترويج لما تريده «إسرائيل»، بالإضافة إلى موقفها المعروف من الشعب الفلسطيني، الذي تعتبره كله عدوًا؛ بما في ذلك كبار السن والنساء والمدن والقرى والبنى التحتية. كلهم في نظرها أعداء لـ«إسرائيل».
لا مشكلة في قتل العرب!
وقال الكاتب إنها الوريث المقترح لعرش نتنياهو، ودعت بشكل علني من قبل إلى «ذبح جميع الأمهات الفلسطينيات؛ لأنهن على حد تعبيرها يلدن ثعابين»، يقول الكاتب: «لا داعي للقلق من إيليت؛ فهناك منافستها نفتالي بينيت وزيرة التعليم، التي ترأست حزب البيت اليهودي من قبل، والمعشوفة من قبل المستوطنين الإسرائيليين، والمجرمة أيضًا».
نفتالي، عارضت من قبل مرارًا إنشاء دولة فلسطينية، وقالت بكل فخر بعدما فاز «دونالد ترامب» إنها ستبذل ما في وسعها لألا يحصلوا على دولة، وقالت أيضًا في فوز ترامب إن «عصر الدولة الفلسطينية انتهى». وقالت أيضًا: «لقد قتلت كثيرًا من العرب في حياتي ولم يكن لدي أي مشكلة مع ذلك».
قال الكاتب إنّ «يهودية مثل هذه بطريقة حديثها تمثّل بشكل جيد نهاية المستقبل السياسي لأي دولة عقلانية تعتبر العنف هو الاستثناء وليس الأساس، فما بالك بإسرائيل، التي تعتبر فيها نفتالي بطلة سياسية من اليهود المستوطنين واليهود العلمانيين على حدٍ سواء».
ولا يحسب لنفتالي سوى أنها اعتذرت مرة عن الضحايا الذين سقطوا في الهجوم الإسرائيلي على غزة في 2014، وهي من القلائل للغاية في «إسرائيل» الذين اعتذروا عن مجزرة ما.
سياسة لن تتغير
وتابع الكاتب: «في الواقع، إذا كان التاريخ نقطة انطلاق لما سيأتي بعد ذلك؛ فإنّ وجهة نظر إسرائيل الخاصة بدس السموم لن تتغير، وهكذا أيّدت إسرائيل سياسات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وجمهورية روديسيا، وقدمت مواد لبناء أسلحة نووية أو أسلحة هجومية وطائرات هليكوبتر لها؛ في انتهاك للجزاءات المفروضة من الأمم المتحدة ضد كليهما. وفي أماكن أخرى، في إفريقيا، موّلت القوات العسكرية للديكتاتوريات الوحشية ودربتها. وسلّحت المليشيات العسكرية الرواندية ومليشيا الهوتو المسؤولين عن الإبادة الجماعية ضد التوتسي».
وفي أميركا الجنوبية، دعمت «إسرائيل» فرق الموت الغواتيمالية والمجلس العسكري في الأرجنتين الذي أخفى الآلاف من المعارضين السياسيين؛ بما في ذلك مدنيون يهود.
وفي منطقة جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، ساعدت الديكتاتوريات في سوهارتو وماركوس. وفي إيران، تلقت فرق الشاه السرية (سافاك) تدريبًا في «إسرائيل» واشترت بأكثر من 150 مليون دولار أسلحة منها، وكان الشاه من أوائل قادة المنطقة الذين اعترفوا بها كدولة.
واليوم، بينما العالم مرتعب من رؤية الاغتصاب والتشريد وذبح مئات الآلاف في «ميانمار»، تواصل «إسرائيل» تدريب فرق الموت التي استهدفت أقلية روهينجا المسلمة في البلاد وتسلّحها؛ من أجل الإبادة الجماعية، وعلى مدار 70 عاما، أظهرت «إسرائيل» تكرارًا في دعم الأنظمة الوحشية.
واستطرد الكاتب: «نتنياهو سيرحل بالتأكيد، سواء هذا العام أو المقبل؛ لكن سيأتي مكانه مستبد آخر يرى أنّ حقوق الإنسان والقانون الدولي عقبات في مساعيهم لاستكمال خططهم في التطهير العرقي للفلسطينيين، التي بدأت منذ أن بدأت النكبة، في وقت مبكر من صباح 9 أبريل 1948».
وتابع: «ومع ذلك، في نهاية المطاف، ما زلت آمل أن يتصدى لها الفلسطينيون، بالمقاومة والدعم العالمي الذي يدرك جيدًا أنّ الصمت تواطؤ؛ وبذلك حتما سيأتي التغيير، ويعود بصوت أعلى من النهر إلى البحر. وفي النهاية، ليس لدي أي شك في أنّ المجتمع الأممي ستنفد منه الأعذار، إن لم يكن الآن ففيما بعد. وسيعود ملايين الفلسطينيين إلى ديارهم مرة أخرى، وستفتح المفاتيح الصدئة الأبواب مرة أخرى أمام المساواة والحرية والعدالة».